لأنّنا أبناء القضيّة، أصبحنا اليوم كحزب القوات اللبنانيّة الفريق الأوّل مسيحياً، لأنّنا نعرف كيف نعتني بشؤون النّاس. نعيش معهم، نشعر بأوجاعهم، ونعمل على حلّ مشكلاتهم طالما أوتينا بذلك. وحده إيماننا أوصلنا إلى شاطئ الأمان، وبتنا اليوم كما كنّا في ماضينا القريب والبعيد نملك القوّة، قوّة الحقّ والحقيقة التي نعتبرها وحدها ثروتنا.
نحن لسنا مجرّد حزب سياسي، بل نحن حركة تاريخيّة عابرة للزمان والمكان. مُنطَلَق إيماننا هو وجوديتنا أحرار في هذه الأرض، ومستعدّون كما دائماً للتضحية لنحافظ على حريتنا هذه التي لن نعيش لحظة من دونها. نعلم أن شرقنا لا زال شرقاً متوحشاً؛ لكن هذا لا يمنعنا كل لحظة من العمل من أجل أن نحافظ على بقائنا. شرقنا يسير عكس التّريخ والواقع، فالأكثريات فيه تتعرض لاضطهاد من الأقليّات، والأنموذج الإسرائيلي العدواني خير دليل. ناهيك عمّا يحصل من اعتداءات بحجة تصدير الثورة الإسلاميّة المذهبية على الأكثرية السنية في المنطقة، والأنموذج العراقي هو أوضح دليل لذلك.
ما نحن بحاجة إليه اليوم هو التضامن الإجتماعي فيما بيننا، بحسب القاعدة التعاضديّة التي وحدها تستطيع أن تحفظ واحة الحرية هذه سليمة من الاعتداءات. فدورنا كحركة تاريخية لا كحزب سياسي وحسب، يرتبط بالتاريخ أكثر من السياسة، مع ضرورة الأخذ في الحسبان بأن التراكم السياسي يكون في خدمة التاريخ والوجود والحرية إن نجحنا بتحقيقه لأنه هو الذي يصنع التاريخ. لذلك، نحن مستقرون على الاستمرار ومستمرون في الاستقرار، لأنّنا نعرف متى وكيف نكون. ولا نكون بحسب مصالح الأشخاص والأفراد حتى لو تحول هؤلاء كلهم إلى أشخاص معنويّين.
وما مرت به “القوات”، من مسار اضطهادي جسدي بدأ في تسعينيات القرن الماضي وانتهى في العام 2005 وقدرتها على الاستمرار، يشهد على أنها قضية وحركة تاريخ أكثر من كونها حزباً سياسياً. من هنا، التزامنا بقضية وجودنا الحر هو قوتنا اليومي، ونحن مدمنون على هذا القوت، منذ الولادة الأولى وحتى الولادة الثالثة، والشهادة للحق والحقيقة ما بين هاتين الولادتين واجب مقدس بالنسبة إلينا.
صحيح أن المنطقة في الشرق الأوسط هي بحالة ثوران دائم، لكننا نمسك مصيرنا بأيدينا لأننا نعرف حقيقة ما نريد. أما أولئك الذين يدعون الاستقلالية عن جوهر القضية ظناً منهم بأنهم يتمايزون، فهؤلاء تحولوا إلى نزعة فرديّة قاتلة، نُحِروا كالخنجر في خاصرة الوطن. لا يستطيعون أن يؤثروا في المسار السياسي للأمور بشيء، وإن فعلوا يكون تأثيرهم محدوداً، ويمنعون التغيير الكبير المنشود، وهذا ما دفعهم بادئ ذي بدء إلى خوض العمل السياسي وهم يدركون أنّهم لن يستطيعوا تحقيق أيّ شيء إلا عبر المجموعة الكبرى المعروفة بقدرتها التنظيميّة الحديديّة.
أمّا مدّعو التغيير ونبذ المنظومة، ورفض مبدأ الحياة الحزبيّة في السياسة، فهؤلاء كلّهم غرقوا في مستنقعات التنظير الفلسفي السفسطائي البعيد كل البعد من الواقع السياسي الذي نعيشه كل لحظة. فبتضييعهم بوصلة العمل الجوهري هم يضيعون طريق الوطن، ويمنعون من حيث لا يدرون تحقيق التغيير الحقيقي الذي كان علة وجودهم في الحياة السياسية منذ 17 تشرين 2019. إن كانوا لا يعلمون فهذه مصيبة، وإن هم على علم بما تقترفه أيديهم فليغفر لهم رب “القوات” لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون. لو أنّ إيماننا ينبئنا بأنمهم يدرون، لا بل ألف مرة يدرون.
نعلم جيداً أن لا حليف لدينا سوى الوقائع وقدرتنا على قول الحقيقة مهما كانت صعبة. إن عُيِّبَ علينا من قبل بعض الجهلة بمشاركتنا في الحرب، فهذا شرف كبير لنا لأننا لم نهرب يوماً من المواجهة. واجهنا بكل قواتنا لنبقى ونستممر، لذلك نحن هنا، وهم ينظرون علينا اليوم بكل حرية. لكن قوات جحيمهم لن تقوى علينا. أما هم فأخلاقهم وشرفهم ملطخ بالدم لأنهم وقت المواجهة لم يكونوا حيث لم يجرؤ الآخرون، وعادوا ليتحاصصوا وليتقاسموا ثياب المصلوب مع صالبيه.
لا يحاولنَّ أحد منهم أن يظهِّرَ نفسه بموقع القوي. حقيقتكم مكشوفة. أنتم ضعفاء ضعفاء، لا بل أذلاء أذلاء. تهاجمون الأميركي كل لحظة وكنتم أول مَن وقع معه اتفاقاً لضمان أمن العدو منذ العام 2006؛ وعندما سنحت لكم الفرصة من جديد كرستم هذا الاتفاق في الناقورة في العام 2022. نعلم لمَ تصرّون على دعم الفاسدين المعاقبين دولياً، فقط لتحفظوا لأنفسكم مظلة مسيحية تجعلكم ميثاقيين. وأنتم معزولون من الميثاقيّة بفعل استعمالكم سلاحكم من بيروت إلى الجبل وخلدة وقبرشمون وعين الرمانة.
تقبعون على قارعة رصيف مفاوضات الدول تنتظرون الفتات. هذه حقيقتكم. أما نحن فمع الدستور والقانون لأننا لا نخاف. تنتظرون ولا تعرفون ماذا. لكنكم بنهاية المطاف لن تستقلوا قطار التغيير الذي انطلق من إيران من دونكم. أنتم ومن وقع معكم في 6 شباط ورقة الارتهان والذمية ذلك الإسخريوطي، ظناً منه أن حلف الأقليات سيجعل منه أكثرية وسط أقليّات. فصار هو نفسه بنفسه أقلّوياً وسط أكثريّة قالت كلمتها في 15 أيار 2022.
وبعد، نحن اليوم فوق كل شيء هنا. وأنتم وكل مَن تتلطون خلف سلاحه الذي أكله الصدأ، ولطخه الرّوث، كلكم إلى زوال لأنكم عبيد الشر ورواد جهنهم. ولأننا أبناء القضية ساهرون ومصابيحنا مشتعلة. ننتظر ميلاده هذه السنة ككلّ سنة، ونصلي لأن يجعل من قلوبكم جميعها مذوداً له، عسى أن تطهركم دموع التوبة. مع أنّنا خَبِرناكم ونعرف النتيجة!