يرافق سعر صرف الدولار أيام اللبنانيّين منذ اندلاع الأزمة وبات الهمّ الشاغل لهم، والذي انتقل معهم من العام 2022 إلى السنة الجديدة. خصوصاً، في ظل التقلبات الحادّة التي شهدتها سوق الصرافة في الأيام الأخيرة من السنة الماضية، وصولاً إلى الأيام الأولى من العام 2023، بعد قرار مصرف لبنان في 27 كانون الأول 2022 رفع سعر منصة صيرفة إلى 38.000 ليرة وبيع الدولار من دون حدود بالأرقام للأفراد والشركات.
فالدولار الذي افتتح العام 2022 على نحو 20.000 ليرة، ختمه ما فوق الـ40.000 ليرة. أي أن القدرة الشرائية للمواطنين تراجعت أكثر من النصف في عام واحد. علماً أن الدولار في السوق الموازية يحافظ مع بداية الـ2023 على السعر الذي انخفض إليه تقريباً، إثر قرار البنك المركزي الأخير، من نحو 48.000 ليرة إلى حوالى 42.300 ليرة، بعدما شهدت السوق تقلبّات جزئية في الأيام الماضية عند حدود الـ44.500 ليرة.
فهل نجح مصرف لبنان بالسيطرة فعلاً على السوق؟ وهل يمكن الحديث عن استقرار نسبيّ للدولار مع بداية الـ2023، وعن مرحلة آمنة، أو على الأقل مستقرّة إلى حدٍّ ما، مقبلة؟
لا يرى الخبير الاقتصادي والمالي لويس حبيقة، أن سعر صرف الدولار تحت السيطرة. ويؤكد، أن “مصرف لبنان لا يسيطر على سوق الدولار، والمسألة تخطَّت قوّة وقدرة البنك المركزي، وأصبحت خارج إمكانياته لضبطه والسيطرة عليه”.
ويشير، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “مصرف لبنان لا يزال يمتلك نحو 10 مليار دولار، وربما أقل وفق بعض الأرقام بما يوازي 8 مليار تقريباً. لكن بغض النظر عن الرقم، 10 أو 8 مليار، هو لا يستطيع السيطرة على سعر الصرف. وبالتالي، القضية خرجت من يده”.
ويلفت، إلى أن “البنك المركزي يتحكَّم بتحديد سعر منصة صيرفة ويرفعه كما يشاء، لكنه يعجز عن السيطرة على السوق لأنه لا يملك في محفظته دولارات كافية لذلك. فالسيطرة على الدولار تعني ضخّ دولارات في السوق لاستيعاب الطلب، وهذا الأمر غير متوفِّر كما أشرنا”.
ويوضح حبيقة، أن “مصرف لبنان يحاول ربح الوقت، ويتصرَّف بموجب الصلاحيات والقدرة المتاحة له، ولا يستطيع فعل أكثر ممّا يفعله حتى لو نوى ذلك. بالتالي هو يقوم بما يستطيع القيام به”، لافتاً إلى أن “الدولارات التي يمتلكها لا تكفي لتمويل البلد بشكل عادي، إذ عليه تمويل الكهرباء، والسلع الأساسية كالقمح والأدوية وغيرها، والدولة بشكل عام. لذلك هو يقوم بتقنين الدولار، (ضربة هنا وضربة هناك)، لأنه يعرف أنه لا يمكنه السيطرة عليه”.
ويؤكد، أنه على ضوء ذلك، “المسألة باتت تحت حكم العرض والطلب في السوق، من خارج مصرف لبنان. ولا شك أن الطلب على الدولار لا يزال مرتفعاً، لكنه ليس مرتفعاً جداً، لأن مصرف لبنان يقوم بسحب الليرة من السوق، ببطء، للتخفيف من إمكانية شراء الدولار، من خلال التعاميم والقرارات التي يصدرها وآخرها رفع سعر منصة صيرفة”.
بالتالي، وفق حبيقة، “الدولار خرج عن سيطرة مصرف لبنان وبات تحت سيطرة قاعدة العرض والطلب. أما لكي يتمكن البنك المركزي من العودة للسيطرة عليه، يجب أن تدخل دولارات بكميات كبيرة، وهذا ما لن يحصل في ظلّ الفوضى الخطرة التي يعيشها البلد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً، وعلى المستويات كافة”.
ويرى، أننا “في مسار انحداري وسقوط متتابع، على مستوى سعر صرف الدولار وهبوط قيمة الليرة. ويكفي متابعة ما يحصل على صعيد التفكك والانحلال في مؤسسات الدولة، وتدنِّي المستوى الأخلاقي في التعاطي بين كبار المسؤولين والوزراء ومع المواطن، وعرض العضلات والتقاذف الحاصل بين المسؤولين في الدولة”، مشدداً على أن ما “نشهده اليوم من طريقة التعاطي في الشأن العام والاستهتار بالمواطنين، لم يسبق له مثيل حتى في أيام الحرب”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية