لبنان… مرق يسوع أضئ له الشموع

حجم الخط

ثمة حلم يضاهي حلم الميلاد، ليلة الميلاد يكون طفلاً وننتظر أطفالاً أمام المغارة المتواضعة وأرسل الله ابنه الوحيد نورا للأمم. ليلة الغطاس نلحق به شاباً على دروب الضيعة، نتقفّى آثاره خطوة خطوة لنتلمّس طرف ثوبه ونغرق في حلم حكاية.

يمرّ؟ أكيد يمر، وإلا لماذا فجأة ومن دون أي إنذار، تهب هكذا نسمات عاصفة في الأمكنة وتستكين فجأة؟

يعبر؟ هو يعبر ونكاد نلمح طيفه بين شبابيك الدانتيل المُخرّم، والباب الذي يفتح لوحده من دون أي أقفال. يعبر وإلا من أين مصدر ذاك العبق الغريب الممزوج برائحة التراب والبخور ولا أعرف بماذا أيضاً، أهو عبق من سماء؟

يقرع يسوع الأبواب، “ميّل يا دايم دايم”، ننده عليه، إرتاح هنا فوق مقاعد الضلوع، “هون بيوتنا ناطرة البركة”، هنا ضياعنا تستحمّ برشّة الضوء، هنا طرقاتنا تلحق بك على الابواب، تتنقوز معك من الشبابيك المخرّمة بالحنان، تخترق الدفء الغارق في الحنين.

هنا يا دايم دايم نحن، ميّل واطرح البركة في الماء، دع الشجر ينحني ويميل لدعسات الضياء، خمِر العجينة من نبيذ الحب، ميّل وتذوّق هذه الزلابية من أصابع يوحنا المعمدان، ومعكرون وعوامات جدتي، ميّل يا دايم دايم ناطرينك في ظلمة أيامنا القاحلة، ولا ضوء ينير بيوتنا وقلوبنا سوى حفيف ثوبك حين يرسم الساحات بعبورك.

وين صرت يسوع؟ نسأل بعضنا البعض. لم يجبنا، تحت زخات الشتاء لحقنا طيفه في الساحات ع الدعسة، والله كان يمشي أمامنا خلفنا قربنا… في كل الاتجاهات، شبابيك الضيعة مخرّمة بالانتظار، ماء وخميرة وشموع ليسوع، ثمة دفء غريب في ليل كانون، “شو بكِ فيرا الليلة حاستك هيك مغرومة؟” يسأل الأصحاب، “إي شوي… شوي كتير، مسحورة، يسوع هون عم يمشي بقلب الضيعة، والله لمحتو، أشعر به هنا جوّا الصلاة… صارت الساعة 12؟”.

قليل من الوقت وتدق الساعة 12 ليلاً، ويقرع الدايم دايم على أبوابنا، “ستي الم تنعسي الا تريدين النوم؟”، وتتمرّد ستي على عادتها وعمرها، هي التي تلحق بنعاسها عند الثامنة، إلا ليلة الغطاس، تستحم، تلبس ثوب الأحد، تعقص منديلها، تصنع حلوياتها وتجلس الى أريكتها تخبرنا حكايا المعمدان وتمرد شجرة التوت على المسيح، وما إن يقرع منتصف الليل تجمد، تجمد أرضاً وكأن الزمن توقف فوق أهدابها، تهرع الى الباب مسحورة، تشرِع الأبواب والنوافذ وعيونها الزرقاء، تركع بسخاء، تضرب بيديها صدرها كمن يقرع الطبول، “شفتك ربي شفتك” تصرخ، وتنهمر دموعها وصلواتها وتذهب الى سريرها وتغرق في ضياء اللحظة مبتسمة سعيدة.

دقت الساعة 12 ليلاً، عبر طرف ثوبه فوق طرف عيوننا، لوّح بالحنان، “مسا الخير” قال، سمعته قال “مسا الخير يا لبنان لا تخف أنا معك، وانت دايم دايم بقلبي”، أقسم اني سمعته، انحنت الدنيا، الحب طوفان، زارنا يسوع وتمايل ضوء الشموع وتراقصت أكواب الماء ورفخت العجينة، عبر يسوع، استحم بماء الأردن، أشار اليه المعمدان، غطّسه بالماء، فعمّده الرب بالرسالة المقدسة، ومنه استمد ثورة الحق تلك، مرق يسوع… لفحت الريح في كانون، عرفت أنه وصل، أزحت البرداية فلفح قلبي من قلبه… الدايم دايم في أرضك لبنان، عبر بنا وبك يسوع، فعمّدنا بالبركة، لا تنسى أضئ لأجله الشموع.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل