2023 رئيس إنقاذي أو إنهيار أمل الترميم والبناء

حجم الخط

كتب سيمون سمعان في “المسيرة” – العدد 1736

2022 إمتداد لسياسات اقتصادية متردّية

2023 رئيس إنقاذي أو إنهيار أمل الترميم والبناء

ثمّة نظرية ثابتة عمليًّا وعلميًّا في تشخيص عِلَل الإقتصاد، تقول إنه لا يمكن مقاربة أي تطوّر إقتصادي في أي بلد بمعزل عن المؤثرات والمؤشرات السياسية فيه، فكيف إذا كان البلد لبنان الذي تختلط فيه كل الأمور ببعضها البعض من غير العثور على سكة إصلاح أو نية لإنهاء هذه الضوضاء القاتلة. لطالما اعتاد اللبنانيون على عدم إدارة الدولة لشؤونهم، فأداروها بأنفسهم ونجحوا. لكن لم يخطر في البال يومًا أن هذه السلطة الخادعة ستتسلّل إلى أحلامهم وآمالهم وجنى أعمارهم وتقطف منها ما استطاعت وتهرب، تهرب من المسؤولية والدور، لكن ليس من المحاسبة التي لو مارسها اللبنانيون بجدارة يوم أتيحت لهم، لكانوا وضعوا العجلات الأولى لقطار الإنقاذ على سكة الإصلاح. فالعام 2022 عرف انتخابات نيابية بعد سنوات من الإنهيار الإقتصادي والتردي المعيشي والغضب الشعبي، ولم يتلقفها الناس فرصةً للإنقاذ فاستمر الإنهيار. إستمر على مختلف المستويات، ومن مارسوا في المجلس النيابي خيارات لامسؤولة ومددوا للشغور الرئاسي وبالتالي للتردي الإقتصادي، وصلوا إلى المجلس أصلًا بخيارات لامسؤولة، فضاع مع أفول العام 2022 كل أمل باستعادة مبادرات الترميم ومن ثم البناء…

في الواقع لم يكن العام 2022 أكثر من إمتداد لسنوات قليلة سابقة عرفت إنفجارًا إقتصاديًا سلبيًا، ربما لم يعرف مثيلًا له في تاريخه. وإذا كان شهد مؤشرات إيجابية كارتفاع تحويلات المغتربين والإنتخابات النيابية والحركة السياحية ولو في حدّها الأدنى، إلا أن ذلك، وبحسب الخبراء، لم يساهم في تحريك الإقتصاد لأسباب عديدة، بينها أن الأموال الآتية من هذه المصادر لم تدخل القطاع المصرفي بل انتقلت عبر الأفراد ولم يجرِ إستثمارها لخلق حركة وقيمة مضافة. في المقابل تضخَّم بقوة حجم العقبات أمام الإندفاعة الموعودة. فلم يُسعف إقرار الموازنة بعد توقُّفٍ لسنتين، في تحريك السوق، ولم تُثمر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولم تُغنِ موظفي القطاع لعام زيادة الرواتب بعدما التهمها التضخم المتسارع بوتيرة عالية. ومثلها لن يغني الخزينة إحتساب الدولار الجمركي في الموازنة الحالية على 15 ألف ليرة بعدما فقدت معظمَ الموارد وكلَّ أساليب الحوكمة المالية والإدارية.

 

التضخّم والدولار

حلّ لبنان في المرتبة الأولى عالميًا على مؤشر البنك الدولي لتضخم أسعار الغذاء في العام 2022، متخطياً زيمبابوي التي جاءت في المرتبة الثانية، وفنزويلا في المركز الثالث. الأمر الذي يشير إلى حجم التحديات المقبلة على لبنان سواء في اقتصاده ومعيشة أبنائه أو في أمنه الغذائي. وارتفع التضخم خلال العام بنسبة 211 في المئة خلال شهر أيار مقارنة مع ما كان عليه في أيار من العام 2021.

وكان العام 2021 بدأ بسعر دولار في متوسط 24 ليرة، وهو كان في بداية العام 2020 في حدود الـ8 آلاف ليرة، ليتخطى إلـ 44 ألف ليرة في كانون الأول الحالي، في أعلى إرتفاع له على الإطلاق. وهذا يعني أنه ارتفع 16 ألف ليرة في العام 2021 فيما ارتفع 20 ألفًا في العام 2022 مسجّلا أكبر إنهيار لليرة مقارنة مع عامي الإنهيار السابقين.

وأدى التراجع الحاد في قيمة العملة المحلية إلى تعرض القوة الشرائية لدى المواطنين للشلل التام مع هبوط الليرة إلى مستوى قياسي جديد كل يوم مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وكذلك ارتفع سعر أقل سلة غذائية – وهي تحتوي على مجموعة من الأغذية الأساسية التي تكفي أسرة واحدة شهريا – بأكثر من 1,700 في المئة منذ شهر تشرين الأول 2019 حتى تشرين الأول 2022. وبحسب برنامج الأغذية العالمي، بات أكثر من نصف اللبنانيين يحتاج بحسب البرنامج، إلى مساعدة لتغطية إحتياجاتهم الغذائية والإحتياجات الأساسية الأخرى.

وللمرة الأولى منذ التسعينات، أُقِرّ تغيير سعر الصرف من 1500 ليرة إلى 15000 ليرة. وأعلنت وزارة المال أنّ الإجراء «خطوة أولى باتجاه توحيد سعر الصرف تدريجياً. وأنه تمّ الإتفاق بين وزارة المال والمصرف المركزي على اعتماد سعر 15.000 ليرة مقابل الدولار»، وصدر هذا القرار في قانون موازنة 2022، على أن يُطبَّق إعتباراً من شباط 2023.

 

مصارف خلف القضبان

مع أفول العام 2022، تكون الأزمة المالية الاقتصادية النقدية في لبنان قد طوت عامها الثالث، وسط غياب أيّ من الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي وأي من المساعدات المنتظرة لإنعاش الإقتصاد من جديد وتحريك عجلاته. فملف توزيع الخسائر بين الدولة والمصارف ومصرف لبنان لا يزال عقدة العقد، وسط غياب الإتفاق لإقرار قانون الكابيتال كونترول، ما يعقّد مسار التعافي المالي الاقتصادي في لبنان.

في السياق وفي العام الثالث على الأزمة، تعرّضت المصارف خلال العام 2022 لسلسلة إقتحامات بقوة السلاح من قِبل مودعين، بغية الحصول على أموالهم المحتجَزة، ما أدّى إلى إقفال المصارف فروعَها لأيام، ومعاودة فتح أبوابها لاستقبال العملاء وفق مواعيد مسبّقة أو إتمام العمليات الحسابية عبر الحاسب الآلي، ومنها ما جهّز المداخل وممرات الإنتظار بدفاعات حديديّة لضمان إستمرار العمليات المصرفية وسلامة الموظفين في آن، ما وضع المصارف خلف قضبان الحديد بعدما كانت منذ الأزمة خلف قضبان الإتهام.

 

الموازنة والأجور

بعد عدم إصدار موازنة لأكثر من 3 سنوات، أقرّ مجلس النواب في أيلول الماضي قانون موازنة العام 2022 الذي يشكل أحد مطالب صندوق النقد الدولي الرئيسية. وقد وصف خبراء إقتصاد هذه الموازنة بـ»موازنة الضرائب». وبلغت قيمة النفقات فيها 40،873 مليار ليرة، بينما بلغت الإيرادات 29،986 مليار ليرة. وتضمّنت إعطاء علاوات ومنح على رواتب القطاع العام بمعدل ضعفي الراتب الأساسي، وبسقف أقصاه 12 مليون ليرة في زيادة موقّتة. ولتمويل هذه الزيادة أقرّت موازنة 2022 الدولار الجمركي الذي رسا على سعر 15 ألف ليرة.

هذه الزيادة للقطاع العام استلزمت البحث في الزيادات للقطاع الخاص ورفع الحد الأدنى للأجور. وكانت الهيئات الاقتصادية طالبت برفع الحد الأدنى من مليون و600 ألف ليرة الى 3,5 ملايين ليرة، بينما طرح الاتحاد العمالي 5 ملايين، إضافة الى زيادة ثلاثة أضعاف التعويضات العائلية وزيادة بدل النقل الى 150 ألف ليرة، وزيادة المنح المدرسية، بحيث يصل المجموع الى حوالى 20 مليون ليرة. إلا أن الهيئات الإقتصادية والإتحاد العمالي تريثاً في البت بهذه المؤشرات بانتظار معرفة تداعيات رفع الدولار الجمركي.

وأُقرّ في تشرين الثاني قانون رفع السرية عن الحسابات المصرفية الخاصّة بالمسؤولين السياسيين وكبار الموظفين، وفُتح النقاش حول التعديلات التي لحقت به، والتي وسّعت مروحة الملاحقات، بعدما كانت على نطاق ضيّق جداً في النسخة القديمة للقانون. وفي آخر جلسة للحكومة قبل اعتبارها مستقيلة في أيار الماضي، أقرّ مجلس الوزراء رفع تعرفة شركتي الإتصالات «ألفا» و»تاتش» عبر قسمة الفاتورة الأساسية على 3.3 ولاحقاً ضربها بسعر دولار «صيرفة»، إبتداءً من شهر تموز. وزادت تعرفة إنترنت «أوجيرو» بنسبة متفاوتة حسب الخدمات، لكن كمعدّل وسطي ارتفعت حوالى 230 في المئة. وبعدها أُقرّ رفع تعرفة الكهرباء.

 

ليست الصورة كلها قاتمة

في الميزان الإيجابي حقّق لبنان في صيف العام 2022 موسماً سياحياً ممتازاً، استقطب أكثر من مليون ونصف مليون سائح أجنبي ومحلي. وأسهم موسم هذا العام في دعم خزينة الدولة والاقتصاد بما يعادل 6.6 مليارات دولار. كما يُنتظر أن يكون الموسم الشتوي هو الآخر مثمرًا بحسب ما يتوقع القيّمون على المرافق السياحية. وقد بدأت طلائعه تظهر عبر الحجوزات العالية للبنانيين منتشرين ولأجانب سائحين لتمضية فترة الأعياد في لبنان والإستفادة من موسم الثلوج وعودة المؤسسات السياحية إلى العمل بكل طاقتها بعد الخروج من وطأة جائحة كورونا.

ولناحية تحويلات المغتربين حلّ لبنان الثالث إقليميًا في حجم هذه التحويلات. وحقق في العام 2022 حوالى 6.8 مليارات دولار. توقع البنك الدولي أن ترتفع أقله بنسبة 1,6 إلى 2 في المئة خلال العام 2023، علما أنها سجّلت 6.6 مليارات دولار في العام 2021. ويضيف البنك الدولي أن لبنان حلّ في المركز الأوّل في المنطقة وفي المرتبة الثانية عالميًا (بعد تونغا)، من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلّي الإجمالي، والتي بلغت 37.8 في المئة في العام 2022 من 53.8 في المئة في العام 2021، علمًا أنّ متوسّط كلفة التحويلات الوافدة إلى لبنان من بلدان ذات دخل مرتفع من ضمن دول منظَّمة التعاون الاقتصادي والتنمية لا يزال عاليًا جدًا.

 

أمل بانتظار الفرج

هذا الواقع الإقتصادي المتردّي من جهة وغير المعالَج من جهة أخرى انعكس على قطاعات أخرى تمثّل عماد أي مجتمع وهي الصحّة والتعليم. فوفقًا لتقرير برنامج الأغذية العالمي حول الأمن الغذائي وتحليل مواطن الضعف لدى اللبنانيين المقيمين، تبين أن الأسر اللبنانية تجد صعوبة متزايدة خلال العام 2022 في تحمل تكاليف توفير الأطعمة المغذّية. وتضطر إلى اللجوء إلى استراتيجيات ضارة للتكيف مع الوضع مثل تقليل الإنفاق على الرعاية الصحية أو التعليم أو إخراج الأطفال من المدارس تماما. كما تغيرت الأنظمة الغذائية بشكل ملحوظ حيث قال بعض الناس إنهم أصبحوا يستهلكون كميات أقل من منتجات الألبان والبروتينات الحيوانية والفواكه والخضراوات. وذلك نظرا إلى أن انعدام الأمن الغذائي يرتبط بالبطالة وتدهور دخل الأسرة حيث يغطي متوسط الراتب في لبنان الآن 24 في المئة من الإحتياجات الغذائية الأساسية، انخفاضًا من 93 في المئة في العام 2021.

صحيح أن أسباب الأزمة الإقتصادية في لبنان معروفة وباتت واضحة إلا لمن لا يريد الإقرار بذلك، لكن بعد ثلاث سنوات على الإنهيار والإنحدار، وبعد تفاقم الوضع خلال العام 2022 وتجمُّع غيوم غير ربيعية في أفق العام 2023، ألا يجدر البحث عن الحلول أو بالأحرى عن غياب الحلول بعد كل هذه المدة وهذه الخسائر؟ كل الإقتصادات تتعرض لأزمات أو مهددة بالتعرض لها، لكنها تعمل سريعًا على تحديد الأسباب وبالتالي وضع الحلول والمباشرة سريع بتطبيقها. أما في لبنان فلم تعد المشكلة في أن الإقتصاد في أزمة بل هي في انعدام الحلول وغياب نوايا الحل. وثمّة من رأى الأزمة فرصتين: واحدة لاصطياد الآخرين من الخصوم ورمي التهم للكسب السياسي والشعبي، وأخرى للكسب المادي ما دام هيك هيك الدني فوضى. وإلى أن يمنّ الله علينا بمنظومة حكم منتِجة للحلول لا مولِّدة للأزمات، يستودع اللبنانيون الله وطنهم وحاله ويعبرون النهر تجذيفًا ومجازفةً إلى العام الجديد!

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل