2023 تفاءلوا بالخير إلا من جنون حاكم!

حجم الخط

كتب جو حمورة في “المسيرة” – العدد 1736

2022 عام الحروب المحدودة ورهانات على ثورة خادعة!

2023 تفاءلوا بالخير إلا من جنون حاكم!

 

كسواه من الأعوام القليلة الماضية، مر عام 2022… كثير من الأزمات، وقليل من الحروب. أزمات دولية وإقليمية لا تنفك تعصف، كالعادة، ببعض الأقاليم دون غيرها، فيما الحدث الأبرز كان «الأزمة الأوكرانية» وحافة الهاوية التي مرّ بها العالم من دون وقوعه في حرب نووية… أقله حتى الساعة.

 

لبنان الضعيف: ترسيم بحري وفراغ رئاسي

كغيره من الدول الصغيرة المنقسمة على نفسها وغير المقتدرة مادياً، يبقى لبنان دوماً عرضة للتدخلات الأجنبية. هو أسير هذا الواقع بحكم موقعه الجغرافي، والتناحر الأزلي بين أحزابه وطوائفه وجماعاته، والأهم، ضعف بنية دولته، السياسية وقياداته الرسمية. هذا الواقع، على بشاعته، حقيقة ثابتة، وستبقى كذلك إلى أجل غير مسمى.

تبعاً لهذا الأمر، تؤدي التغييرات الإقليمية إلى إحداث تأثيرات على لبنان وأحواله. اليوم، يعيش لبنان في أزمة سياسية واقتصادية حادة، وسط تدخل إيراني مضر بواقعه، وفرنسي سطحي لا يفقه بأحواله. فيما السعودية منكفئة عن لعب دور أساسي وفعّال في لبنان، أقله إلى أن تلبي الدولة اللبنانية شرط الرياض الأساسي، والقائل بوضع حد لنفوذ حزب الله المتزايد في لبنان والمنطقة.

غير أن أبرز ما عاشه لبنان هذا العام، نتيجة للتطورات الإقليمية والدولية، فمرتبط بموضوع الترسيم البحري الحدودي بين لبنان وإسرائيل. هذا الترسيم ما كان ليتم لولا الحاجة الأوروبية الماسة للغاز الشرق أوسطي، وتحديداً الإسرائيلي، وهو الطرف الجاهز قانونياً وإدارياً ولوجستياً وتجارياً لزيادة صادراته من الموارد الطبيعية بأشواط إن قورن وضعه بلبنان.

استفاد لبنان من العقوبات الغربية على روسيا، وتقنين موسكو لتصدير الغاز إلى الغرب. نقمة بعض الحروب نعمة علينا. فاستفاد لبنان عبر ترسيم حدوده وإسراع الجانب الأميركي للضغط على بيروت وتل أبيب سوياً من أجل التوصّل إلى صيغة نهائية لترسيم الحدود البحرية.

لم يحقق لبنان ما كان ممكن أن يحصّله في المدى الأقصى قانونياً، وذلك، ربما، لافتقاره لفريق ذكي وموحد عند التفاوض، فقبِل بالخط البحري رقم 23، فيما أقرّ الجميع بحق تل أبيب بموارد حقل «كاريش» ونسب محددة من حقل «قانا» اللبناني. في نهاية الأمر، لا يهم، بتاتاً، ما هو حق لبنان وما هو حق إسرائيل، ولا تُهم الحقوق، في الواقع، كثيراً. ما يهم هو ما كُتب على الورق عند الاتفاق النهائي، فيما كل ما تبقى مجرد شعارات للاستهلاك الشعبي وندم وتحسّر لا يفيدان بشيء.

على عكس الأزمة الأوكرانية التي أفادت لبنان في تسريع مسألة ترسيم حدوده، لا أزمة إقليمية، وحتى لا اهتمام إقليمي أو دولي، في شأن فراغه الرئاسي. لا جدية محلية حتى، وتحديداً من فريق حزب الله ومن يدور في فلكه، إذ أنهم لا يعلنون مرشحهم (أو مرشحيهم) ولا يؤمّنون النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية.

كحال الواقع المحلي تماماً، يبدو الواقع الإقليمي غير جدي في التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي، أو أقله غير مكترث أو مستعد للقيام بأي شيء. هذا التلكؤ الإقليمي والدولي والمحلي تجاه الانتخابات الرئاسية، لا يعني إلا حقيقة واحدة: إن أمد الفراغ يمكن أن يطول لأشهر كثيرة.

 

النار السورية.. وقرب إخمادها

في مجال لبنان الإقليمي، أزمة مستمرة منذ العام 2011، وهي الحرب السورية وتأثيراتها الأمنية والديمغرافية على واقعه.

يشكّل وجود مئات آلاف اللاجئين السوريين في لبنان أزمة تزيد من حجم الأزمات المحلية المتفاقمة. لا نية عند الدولة اللبنانية على إعادتهم إلى سوريا، لا خشية أن يموتوا ببنادق جيش النظام السوري طبعاً، إنما خوفاّ من توقف المساعدات الأجنبية التي تقدَم للبنان كدولة مضيفة للاجئين. في المقابل، فإن بقاء اللاجئين السوريين على حالهم في لبنان، لن يُنتج في المستقبل إلا أزمة اجتماعية – اقتصادية أسوأ بكثير من تلك التي يعيشها لبنان اليوم.

في الميدان السوري، تراجعت حدة المعارك عام 2022، فيما عزز الجانب السوري الرسمي كما الجانب التركي من مواقعهما. فشل القوى المقاتِلة المعارِضة لا يزال على حاله، فيما ازدادت حدة وكثافة الغارات الإسرائيلية، شبه الأسبوعية، على القوى الإيرانية أو تلك الموالية لها في سوريا. وحدها المناطق الكردية في الشمال، والدرزية في الجنوب تحركت بشكل مؤثر، نوعاً ما، خلال عام 2022. الأولى زادت من تعنتها ضد تركيا، كما زادت من فك ارتباطها بالولايات المتحدة الأميركية وروسيا على حد سواء. أما الثانية، فتشهد شبه تمرد على القوات السورية الرسمية، من دون أن يؤدي هذا الأمر إلى ظهور حركتها كمؤثر مهم يغيّر في أحوال الحرب ككل، أو في ميزان القوى بين أطرافها.

من يتابع أحوال الحرب السورية منذ شرارتها الأولى وحتى اليوم، يدرك أنها كالنار التي أوشكت على الإنطفاء. انطلقت كلهيب هائج، لكن سرعان ما تحوّلت منذ حفنة من السنوات، إلى أزمة عادية. أعاد النظام السوري تثبيت نفسه، وأنقذ آل الأسد أنفسهم من الإنهيار، فيما القوى الدولية والإقليمية، باستثناء تركيا، قبلت بما حققته ميدانياً. وحدها هذه الأخيرة لا تزال مهتمة بالتقدم بضعة كيلومترات داخل التراب السوري.

 

«ثورة» ضد الثيوقراطية في إيران

كان الحراك الشعبي لافتاً جداً هذا العام في إيران. من المؤكد أن الحركة الشعبية هذه لم ترقَ إلى مستوى الثورة بالمعنى الجدي، إذ لا تزال مقتصرة على بضعة قطاعات من المجتمع، وتحديداً الشباب منهم عامة، والنساء خاصة.

لم تستطع الحركة الشعبية بلورة نفسها حول خطاب سياسي موحد، وتبدو، بشكل عام، تملك نظرة انتقامية من الوضع القائم في إيران، من دون أن تقدم أي بديل جدي لهذا الوضع. معظم الحركة الشعبية لديها شبه أزمة مع النظام القائم، وتحديداً أزمة ضد توسّع نفوذ الثيوقراطية أو رجال الدين في المجتمع الإيراني، وخاصة في مجال الحريات العامة وأسلوب العيش.

لعله من المبكر جداً الحديث عن تغيير حقيقي في إيران، إذ لا يبدو هناك دعماً حقيقياً ومؤثراً من القوى الدولية للحراك الشعبي أبعد من المواقف التشجيعية البسيطة أو العامة في المضمون.

من المؤكد أن النظام الإيراني القائم ليس بالنموذج الناجح، أقله في موضوع الحريات العامة وحقوق الإنسان، هذا إن لم نقل في كل ما تبقى من مواضيع. إلا أن النموذج الذي قدّمه في الخارج، لاقى تجاوباً من عموم الشيعة في العالم، من دون أن يعني ذلك، بمطلق الأحوال، أن واقع هؤلاء قد بات أفضل حال مما كان عليه قبل تصدير الثورة الإيرانية.

الرهان على تغيير جذري في إيران يبدو رهاناً محفوفاً بالأمل الخادع، فيما ترك نساء إيران يواجهن عصي «الباسيج» وفتاوى رجال الدين لوحدهم، لهو قلة حيلة وضعف ظاهر من دول العالم. على العموم، إن أي تغيير في إيران سياهم بتحرير عدد لا بأس به من الدول، ويحد، ولو مرحلياً، من تدخلات إيران في دول كلبنان واليمن والعراق وغيرهم.

 

الحرب الاوكرانية: المرور قرب الهاوية

مرّ العالم قرب هاوية نهايته، عندما راح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يهدد ويتوعد بضربات نووية تطال أوكرانيا والعالم.

كُثر رأوا أن هذا التصرف نابع عن ضعف أكيد لا عن قوة كامنة، وبالتالي علموا أن موسكو لن تقدم على تلك الخطوة المجنونة. لو كان وضع الهجوم الروسي على أوكرانيا في أحسن أحواله، لما راح المهاجم يهدد بالأسلحة النووية. إن ضعف الجيش الروسي بات ظاهرة حقيقية، وهو ضعف لا ينبء إلا بقلة حيلة قوة كبرى تريد من العالم أن يراها قوة عظمى، وهي مرتبة، تبعاً للواقع الميداني في أوكرانيا، لا تستحقها بتاتاً.

في مجال الحرب، تراجعت القوى المهاجمة إلى شرق أوكرانيا. بينما كانت بداية عام 2022، قد شارفت على الوصول إلى العاصمة الأوكرانية كييف. ومنذ بداية الحرب، توقع أغلبية المعنيون نهاية خاطفة وسريعة للهجوم عبر سقوط العاصمة، غير أن البسالة الأوكرانية، تماماً كما الدعم العسكري الغربي اللامتناهي، قد أثبت نجاحه في صد الهجوم الروسي.

لا يعني هذا الأمر أن الحرب انتهت، إلا أن الأكيد هو أن وهجها قد تراجع. عند حلول الشتاء، من المرجح أن تتسمر القوى المهاجمة والمدافعة في مكانها، فتثبت روسيا سيطرتها شرق أوكرانيا، فيما تحتفل القوات الأوكرانية في تحريرها لبقية المناطق. المهم في كل ذلك، أن الأزمة في أوروبا والحرب الأوكرانية – الروسية، قد تم ضبطها وضبط تأثيراتها، ولم تعد تهدد الأمن والسلام الدوليين بشكل حقيقي حالياً.

باستثناء موضوع الترسيم البحري، لا تأثيرات مهمة للحرب المحدودة في أوروبا على لبنان. إن جلّ الأثر هو توقف توريد بعض المواد الغذائية والتجارية إلى لبنان، ونزول لبنان إلى مرتبة أدنى مما هو عليه في مجال الاهتمام الدولي والإقليمي.

 

2023: حلول وأزمات تلوح بالأفق

سوف يكون العام 2023 العام ما قبل الأخير لولاية الرئيس الأميركي الحالي. لم يفعل جو بايدن، حتى الساعة، ما يمكن أن يدخله سجلات التاريخ الأميركي بشكل حقيقي. تعايش مع الأزمات العالمية، كما تابع بعض أعمال وسياسات أسلافه، دون أن يقدِم على أفعال جذرية، أكانت إيجابية أم سلبية. لا حروب ولا حلول. بل مجرد تعايش مع الواقع.

بناءً عليه، يمكن أن يظهر ميلاً حقيقياً من الرئيس الأميركي للحزم في ملف ما. إن كان هذا الواقع، فعلى الأرجح أن الرجل سيكون على استعداد للبت النهائي في مسألة التفاوض حول الملف النووي الإيراني، والإنتهاء بتسوية شاملة بين الغرب وإيران، وإلا رفض كل الحلول الممكنة، والتحضّر للمواجهة.

في الولايات المتحدة الأميركية كما في كل مكان، يواجه العالم أزمة اقتصادية حقيقية. بعض أسبابها نابع من إنكماش الاقتصاد العالمي بسبب الأوبئة وبعضها بسبب الحروب وتقطع بعض أوصال خطوط الإمداد. من الصعب، حالياً، رؤية إقليم مزدهر بشكل حقيقي، بل يعاني، الجميع تقريباً، من تبعات أزمة اقتصادية تلوح بالأفق. إن نظرة سريعة إلى أسعار النفط والذهب كما العملات الرقمية والبورصة العالمية وغيرها، لخير دليل أن الاقتصاد العالمي فيه عطب بنيوي، ويوشك الدخول في أزمة حادة، انهيار جسيم أو «كساد عظيم».

هذه الرؤية السوداوية، لا تنفي الكثير من الإيجابيات في العالم. منها، على سبيل المثال، تعزيز الحريات العامة في كل المعمورة، وحقوق الإنسان، والاهتمام باللاجئين. واحدة من الإيجابيات كذلك، هو قلة عدد الحروب في العالم، هذا طبعاً إن قارنا العام الحالي بالعقود الماضية. في كل الدنيا اليوم، حفنة من المواجهات العسكرية، وبعضها متوقف دون أن يشكل أزمة ضخمة لأحد.

الحرب في اليمن أو ليبيا أو في سوريا، باتت من دون أثر ضخم على الدول المجاورة. بل بات مضمون هذه «الحروب» مجرد مناوشات موسمية ومتنقلة لا ترقى إلى مستوى الأزمات الكبيرة أو تتطلب ردود فعل مؤثرة. حتى إسرائيل بات من النادر أن تخوض حرباً، فيما تميل إلى التصالح مع المزيد من الدول العربية كما فعلت طوال العام 2022.

يميل العالم، رويداً رويداً، إلى انتهاج لغة لا عنفية في مجال التنافس بين الدول. لا يعني هذا الأمر أن العالم يعيش حالة من الوئام والسلام الدائمين، إلا أن واقع اليوم مختلف جذرياً عن الأعوام  الماضية، حيث كان النزال العسكري هو الفيصل في تسيير شؤون الدنيا. اليوم، يبقى الفيصل في الصراعات الدولية هو ميدان التجارة والاقتصاد، وأدوات العقوبات والحصار، كما الهجمات السيبرانية والتخريبية المحدودة.

يبقى أن الخطر العالمي الحقيقي القادم الذي يلوح في الأفق، هو ما يمكن أن تولّده أزمة اقتصادية قاسية على شعوب المعمورة، وما يمكن أن يخلقه تعنت حاكم أو جنونه إن أراد استخدام سلاح نووي للدفاع عن ما يعتبره ملكه أو ملك بلاده.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل