حجم التداول على منصة صيرفة، منذ بدء تطبيق قرار مصرف لبنان رفع سعر الدولار عليها إلى 38.000 ليرة، مع مطلع العام 2023، تخطَّى المليار دولار أميركي. وهذا المبلغ الذي كان يتداول على المنصة خلال شهر واحد العام الماضي، ضُخَّ في السوق خلال نحو أسبوع منذ أول كانون الثاني الحالي. فقط أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس الماضية، تمَّ التداول على منصة صيرفة بمبلغ يفوق الـ900 مليون دولار.
لم تتجاوب السوق هذه المرة مع تدبير حاكم البنك المركزي رياض سلامة، علماً أن الأمر لم يكن مفاجئاً لمعظم الخبراء الاقتصاديين والماليين. والدولار في مسيرته التصاعدية، بوتيرة متأرجحة، لناحية السرعة أو التمهُّل، تبعاً لأي خبر أو شائعة، ومنها المتعلقة بالقرارات المحتملة أو المتوقعة من مصرف لبنان.
آخر تلك الأخبار ما يروَّج عن احتمال تراجع الحاكم عن تعميمه الأخير حول السحوبات على منصة صيرفة، بلا حدود بالأرقام، وأنه سيطلب من المصارف وقف بيع الدولار عبر المنصة للمؤسسات والشركات وحصرها بالأفراد، مع تحديد سقف مالي لكل فرد لا يتعدى صرف مبلغ 100 مليون ليرة إلى دولار شهرياً.
ولم تتأخَّر السوق للتفاعل مع هذا الخبر، ارتفاعاً في سعر الدولار إلى حدود الـ45 ألف ليرة مساء الأحد، ليلامس الـ46 ألفاً ظهر أمس الاثنين، فيقترب بذلك من السعر الذي كان عليه، حوالى الـ47.000 ليرة أو أكثر بقليل، عشيّة قرار مصرف لبنان في 27 كانون الأول 2022 رفع سعر دولار صيرفة إلى 38 ألف ليرة.
الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية البروفسور مارون خاطر، يشير، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “التدبير الأخير لحاكم مصرف لبنان، برفع سعر صيرفة إلى 38.000 ليرة للدولار الواحد، هو الرابع من نوعه لناحية التدخل في سوق القطع”، لافتاً إلى أنه “من الواضح، تبعاً لمؤشرات السوق، ألا تجاوب منذ بدء تطبيقه مطلع العام، بالنسبة لانخفاض سعر صرف الدولار، كما حصل في المرات السابقة”.
ويرى خاطر، أنه “كما يبدو، هناك نوع من عدم المرونة إزاء هذا التدبير، لأسباب عدة. منها، أولاً، أنه لم يحصل أي تغيُّر في المؤشرات الاقتصادية والبلاد لا تزال في مسار انحداريّ. بالتالي، التدبير الأخير يعمل على النتيجة لجهة ارتفاع سعر الصرف، ولا يعمل على الأسباب التي هي في الأساس سياسية ومن ثم اقتصادية ومالية.
ومن جهة ثانية، الدولار الذي يقوم المصرف المركزي بضخِّه في السوق، يُضخُّ من دون ضوابط”، سواء لناحية الشركات التي تستفيد منه، ولا نعلم من هي تلك الشركات، بالإضافة إلى الأفراد المستفيدين، أو لجهة التهريب”.
ويوضح، أن “ضخَّ الدولار في السوق مقابل الليرة اللبنانية قد يكون أدَّى وظيفته بالنسبة لمصرف لبنان لجهة تخفيض خسائره وتجفيف السوق من الليرة لتخفيف المضاربة. غير أن هذا التدبير ساهم عبر ضخِّ الدولار، في غياب الضوابط، بازدهار تهريب الدولار. وفي سياق متَّصل، أتاح التدبير الفرصة لبعض الجشعين لتحقيق أرباح طائلة في مشهديّة تُكرِّس الاستنساببة والتمييز”.
ويضيف، “أكدنا منذ اليوم الأول أنه يمكن لهذا التدبير أن يؤخِّر ارتفاع سعر الدولار، لكنه ليس تدبيراً يؤدي إلى انخفاضه. فانخفاض الدولار يُبنى على مؤشرات اقتصادية إيجابية، وليس على تدابير تعالج النتائج من دون الأسباب”.
ويشدِّد خاطر، على أن “ما يحصل اليوم متوقَّع، فهناك شحّ في الدولار، يضاف إليه أفق سياسيّ مغلق”، لافتاً إلى أن “التراجع في التدابير التي يتَّخذها مصرف لبنان، والترويج والتسريب عن قرب وضعه لسقوف محدّدة للأفراد ومنع الشركات، لناحية شراء الدولار عبر منصة صيرفة، لا يُشكل مفاجأة، إذ أن الجميع يعلم أن قدرة البنك المركزي على التدخُّل في سوق القطع محدودة، لأن الأموال التي يتدَّخل بها يسحبها من السوق نفسه التي يضخّ الدولار لها”.
ويؤكد، أن “مجمل هذه الأسباب تجعل ارتفاع سعر الدولار أمراً حتميّاً في النتيجة بموجب هذا التدبير، الذي قد يكون أدَّى إلى استقرار هشّ لفترة معيّنة، إنما أتت هذه المرة قصيرة أو أقصر ممّا كانت عليه في المرات السابقة”.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تأثير، وفق خاطر، “لزيادة حجم الكتلة النقدية في السوق الذي تخطَّى الـ80 تريليون ليرة على سعر الدولار، إضافةً إلى التضخُّم وارتفاع الأسعار العالمية تزامناً”، لكنه يوضح أنه “بالنسبة لزيادة الكتلة النقدية بحدِّ ذاتها، هي تدخل في الأسباب غير المباشرة، إذ يعمل مصرف لبنان على تدويرها في السوق والتخفيف من خسائره، بالتالي الانعكاس على التضخُّم المباشر لارتفاع سعر الصرف مخفَّف”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية