كتبت فيرا بو منصف في “المسيرة” – العدد 1736
نحنا فينا. هل نبدأ من هذا العنوان لنحكي عن إنجازات «القوات اللبنانية» في عام؟ وأي إنجازات تلك إذا كان عنوان ذاك العام «الجحيم»؟! ومن يستطيع أن «ينجز» أساسًا وسط جحيم كهذا؟
مثل سفينة وسط عاصفة هوجاء، قطعت «القوات اللبنانية» «قطوعاتها» الكثيرة، علّها تصل الى بر أمان في أرض الشياطين والملاعين والقراصنة. المهمة شاقة شاقة، لكن القبطان لم يتعب، ولم يترك سفينته تغرق، حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط هذا الكمّ الهائل من الدمار في الإتجاهات كافة.
على المستوى الحزبي تبدو «القوات» وكأنها جزيرة متفلتة من قوانين الإنهيار الذي يُغرق الوطن ويعلّقه على صليب الفساد والإحتلال. جزيرة تحاول أن تكون صورة نقية عن وطن جميل نظيف منتظم ممكن أن نصل إليه بكثير من الوفاء والإنتماء الحر، وبعض أقل من الإنتظام والنزاهة. كما في كل الأعوام السابقة تألقت «القوات اللبنانية» في أدائها الحزبي، وكانت القدوة والمثال للجميع، سواء اعترف بعضهم أم لا، لكن أن تقول «قوات لبنانية» فأنت تقول حزب المواطنة الصحيحة والإنتماء الخالص لأرض الأرز، والنبل في التعاطي السياسي والاجتماعي، بين الحزب كأفراد وبين الحزب وسائر مكوّنات البلاد.
عام النشاطات الحزبية السياسية بامتياز، توّجه رئيس الحزب سمير جعجع بعقد سلسلة لقاءات مع سفراء ومندوبي دول من أعلى المستويات، فتحوّلت معراب الى ما يشبه القصر الجمهوري في حين كان القصر غارقاً في فراغه السياسي، وفشله المدوي في التوصل الى أبسط الحلول الاقتصادية لإنقاذ البلاد، في ظل إنهيار اقتصادي مالي اجتماعي سياسي غير مسبوق في تاريخ لبنان.
عام النشاطات الإنسانية الاجتماعية بامتياز أيضًا، إذ جنّدت «القوات» الكثير من قدراتها المالية، في محاولة لتوسيع دائرة المساعدات الاجتماعية والطبية والإنسانية، التي شملت مناطق كثيرة من لبنان، وذلك عبر منسّقي المناطق ورؤساء المراكز والرفاق كافة، وذلك في محاولة دعم المواطنين في محنتهم الاقتصادية القاسية، ولجعلهم يصمدون وليشعروا أن الدني بعدا بخير ونحنا لبعض عندما تتخلى عنا دولة الفاسدين والمفسدين، فكانت المساعدات الغذائية والطبية والمالية والتي وإن لم تكن كافية بالقدر المطلوب، ولا تحل مكان الدولة بطبيعة الحال، ولكنها سندت خابية صارت فارغة خاوية من خيراتها بفضل جمهورية خواء متحكّمة بعنق لبنان. فتحولت «القوات اللبنانية» في وعي ولاوعي الناس، مناصرين أم خصومًا، الى حزب الناس، حزب الإنسان الذي يحمل قضاياه في كل زمان ومكان، ونجحت، نجحت «القوات» في حين أخفق كثر في أن يكونوا قريبين من أهل البيت، ومع إهل البيت ذاك نسجت القوات تلك العلاقة الشفافة المتحررة من أي قيود، لكن خطوطها العريضة الشفافة الرقراقة، هي الإنسان في لبنان، كرامته حريته إنسانيته.
منذ بداية العام 2022، رصدت القوات الإستحقاق النيابي في أيار، أعدّت له العدّة الكاملة، معتبرة أن وجه لبنان الجديد سيُرسم من خلال وجوه البرلمان الجديد، فكان الحدث الذي غيّر نسبيًا المشهد السياسي في لبنان، وكانت «القوات اللبنانية»…
«نحنا بدنا ونحنا فينا» بالأحمر القاني عنونت «القوات» حملتها الانتخابية الواسعة التي اجتاحت الأراضي اللبنانية كافة، والمفارقة أن الشعار صار موقع تداول متنوّع لدى الرأي العام. توقعت «القوات» حصولها على 22 نائبًا، ولولا بعض الشوائب في صناديق إقتراع المغتربين، وخصوصًا في منطقة البترون لكانت حصلت على الرقم، ومع ذلك وفي أيار 2022 حصدت «القوات اللبنانية» أكبر كتلة نيابية مسيحية في البرلمان، وكان لها 19 نائبًا على سن ورمح.
«نحنا بدنا ونحنا فينا»، قد يكون القسم الأول من الشعار صحيحًا مليون في المئة، لكن رغبة الإنجازات تقاطعت في أحيان كثيرة مع القدرة على الفعل، وفي الكثير من المحطات المفصلية في البلاد، إذ إن حساب حقل «القوات» لم يتوافق مع واقع بيدر حكم الفاسد والمحتل، فجوبهت في مفاصل دقيقة، في حين حلّقت، ورغمًا عن إرادة كل أولئك المفسدين، في مفاصل أخرى. كل الوقت «القوات» تريد إنجاز الأفضل، والأفضل إياه يعرف أن «القوات» قادرة على التنفيذ، لكنها جوبهت، كما دائمًا، بسدود منيعة إعاقتها عن تحقيق الكثير من المشاريع، التي تقدمت بها من خلال نوابها. ولعله يمكن القول، إنها سنة النواب القواتيين لناحية تقديم عشرات مشاريع القوانين، وأيضًا سنة جوارير البرلمان التي تختزن تلك المشاريع، بدل أن تقرّها لأجل خدمة الشعب، ومن بينها مثلاً إقتراح مشروع قانون معجّل مكرّر لتعديل مواد من القانون الجزائي، إقتراح قانون لتعديل مواد النقد والتسليف وإنشاء المركزي، قانون لمنع دمج أو إندماج النازحين السوريين، قانون لاعتماد النظام الأكثري في الانتخابات البلدية، قانون معجّل مكرّر لتعديل مواد خاصة بطلبات رد القضاة وتنحيتهم، قانون لعدم المسّ بالإحتياطي الإلزامي، قانون الجمارك، قانون دعم العائلات الأكثر حاجة، قانون حماية المناطق المتضررة من تفجبير المرفأ، إقتراحات قوانين تتعلق بحقوق المرأة والطفل وما شابه… قد يغمرها الوقت ويصبح غبارها أكثر القوانين السائدة في برلمان المعطلين ذاك…
تبحث في أرشيف إنجازات «القوات اللبنانية»، أول ما يبدو في المشهد، ضحكة سمير جعجع تقف حارس الحنان عند مفصل الانتخابات الطالبية! غريب كيف تجتاح تلك الضحكة صفحة القواتيين حين يتعلق الأمر بالطلاب. لماذا يحب سمير جعجع هؤلاء الشباب والصبايا لدرجة أنك تظن أنهم المفضلون لديه، وربما قد تغار من كل تلك المحبة الفائقة؟! الجواب بسيط، يرى الحكيم في هؤلاء الشباب روح لبنان، مستقبله النظيف، يرى فيهم ذاك النبض العالي العالي الذي غرزته «القوات» بدماء شهدائها، وبنضال أحيائها على مر سنين النضال الطويلة الطويلة، ومن خلالهم تحصد «القوات» ما تزرع، وزرع «القوات» دائمًا سنابل مثقلة بالبركة، والحصيدة قمح بيادر كرامة وأجيال تسلّم أجيال. كيف يمكن وصف نتائج الانتخابات الطلابية في جامعات لبنان؟ مدوّية، ليس أقل من ذلك، مدوّية. إجتاح طلاب «القوات» جامعات لبنان، فكانوا الأوائل في أبرز الجامعات، وحتى في الجامعات التي كانوا سجلوا فيها حضورًا عاديًا في السنوات السابقة، احتلوا فيها المراكز الأولى، فكان عام طلاب «القوات اللبنانية»، وكانت تلك الضحكة المدوّية لحكيم لعل أجمل صورة يلتقطها له آلدو، هي تلك التي تجمعه بالطلاب وهم يقدمون له نجاهم المدوّي.
ماذا يُقال بعد؟ هل يمكن العبور من كل تلك المحطات من دون التوقف عند قداس الشهداء؟ هو ليس إنجازًا بمعناه العملي، لكنه محطة مفصلية في تاريخ «القوات»، محطة جامعة وكأنها هيك لقاء ينتظره الشهداء قبل الأحياء، لنلتقي بهم، ونجدد لهم وعد الوفاء والإلتزام بالدماء التي أُريقت لأجل لبنان حر جميل نزيه، لم نره بعد صحيح، لكن حسبنا أن نبقى في النضال كي لا نخون الأمانة.
خطاب الحكيم في القداس شكّل صدمة للخصوم، وهيك جرعة هواء نظيف للرفاق والحلفاء، «يتحضّرون كما دائمًا لتعطيل الانتخابات الرئاسية، والأكيد المؤكد أن ذلك ليس من أجل طرح خطة إصلاحية معيّنة، بل محاولة للإتيان بجبران باسيل أو حدا من عندو، رئيس للجمهورية خلفاً لميشال عون… يدّعون أن ما يقومون به بحجّة تحصيل حقوق المسيحيين، وهذه هي الكذبة الأكبر المستخدمة من قِبلهم… لم يُضرّ أحد بالمسيحيين أكثر منهم وكذلك بحقوقهم وسمعتهم وصورتهم التاريخية… هكذا نعيش منذ أكثر من 32 سنة، أكاذيب وغشّ وخداع وتغطية للسماوات بالقبوات، وإذا حاولنا كشف حقيقتهم يُقال لنا هلكتونا كل الوقت عونيي وقوات، وقوات وعونيي، وفي حال لم نفعل فعندها «عم نترك الفاجر ياكل مال التاجر»…» مما قاله جعجع في ذاك الخطاب الذي أسال الكثير الكثير من حبر الخصوم، وحبرهم غالبا مغمّس بعاره…
ماذا الآن؟ منذ 31 تشرين الأول الماضي، حين فرغ القصر من رئيس للجمهورية، و»القوات اللبنانية» تخوض أشرس معاركها لتنفيذ الدستور وانتخاب رئيس، في ظل مواجهة شرسة لتعطيل الإستحقاق الوطني الكبير من قِبل «حزب الله» و»حركة أمل» وحليفهم تيار جبران باسيل. تواجه «القوات» في البرلمان حتى النواب «التغيريين»، الذين حتى اللحظة لم يجدوا برًا يرسون عليه لاختيار مرشح جدي والإنطلاق به. ترشح «القوات» النائب ميشال معوض، وتواظب على حضور الجلسات، في ظل حملة تعطيل وانقلاب غير مسبوق على الدستور، كما واجهت القوات وبشراسة واضحة، دعوات رئيس البرلمان الى عقد جلسات حوار بدل جلسات انتخاب رئيس، فحملت راية المواجهة ونجحت في تعطيل جلسات حوار مفترضة على حساب الإستحقاق الرئاسي، وها هي تستمر في نضالها، مع حلفاء شرفاء، للتصدي لأكبر عملية مقنعة «بالدستور»، في حين هي أكبر مخالفة صارخة له، وستبقى في النضال، في الإتجاهات كافة، لتستحق فعلاً أنها قوات اللبنانيين لأجل جمهورية قوية فعلية، ولن تكون تلك الجمهورية ما لم تكن «القوات» صلب النضال فيها.
قد لا تكون «القوات» حققت شعارها بالكامل «نحنا بدنا ونحنا فينا»، لكن حسبها أنها تفعل المستحيل لتحقيقه، ويعرف الخصوم أنها قادرة على الكثير الكثير لذلك تتعرّض لعواصف الهجوم والمواجهات، لكن يعرفون تماما أننا من الذهب صُنعنا ولا يصقل الذهب إلا النار، وفي الحرب كما في السلم، نبقى دائمًا ببوز البارودة ندافع عن لبنان، حتى لو كان سلاحنا المواجهات السلمية في الإتجاهات كافة، ولا نريد البواريد إلا في أيادي الجيش اللبناني وحده.
2022 عام «القوات اللبنانية»؟ أكيد أكيد وهيك رح يبقى، وستبقى كل الأعوام لنا، طالما لبنان قضيتنا وقداسنا وصلاتنا وأرض الرب التي نعتنقها.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]