اختصر الحكم الصادر من الشعب مباشرة وليس باسمه، وخصوصاً أهالي الضحايا، في قضية نكبة مرفأ بيروت في 4 آب 2020، بكلمتين: “علّقوا مشانقهم”.
أما الحكم الجزائي، فمنوط بمجلس عدلي مختص قانونياً بالجرائم “الأخطر على المجتمع”، وفق الفقهاء والتي “تمس بأمن الدولة”، سنداً للمادة 356 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. لكن متلازمة “عرقلة السلطة” التي تصيب لبنان بكافة قطاعاته، لم ترحم قوس العدالة، فكبّلت الحقيقة بسلاسل طلبات الرد والمخاصمة، وبـ”الخطوط الحمر”، فبقي المتهم يسرح ويمرح، والأنكى، يعيّر القضاء والتحقيق بالتحيُّز والظلم.
مرّ على التحقيق أكثر من سنتين وهو لا يزال يدور في حلقة من الجدل ومحاولات التملّص والتهديد والوعيد، فمن “المفرقعات” إلى الأمونيوم، إلى عبارة “5 أيام وينتهي التحقيق”، ومن المحقق العدلي الأول القاضي فادي صوان الذي “شبع عرقلة” فتنحى، إلى الهرطقات القانونية التي احتلت الإجراءات، وصولاً إلى تعيين المحقق العدلي الثاني القاضي طارق بيطار واستغلال أدوات قانونية لكف يده، نبتت بدعة قانونية جديدة، عنوانها “القاضي الرديف”، أي تعيين قاض يبت بالملفات ويعاون بالتحقيقات في ظل غياب القاضي بيطار إثر كف يده نتيجة طلبات الرد ومخاصمة الدولة الصادرة عن المشتبه بهم.
“القاضي الرديف نص حل”، وفق شقيق الشهيد جو نون، وليم نون، موضحاً أن “هذا الحل يناسب أهالي الموقوفين من دون أهالي الضحايا، لذلك نرفض هذه البدعة القانونية رفضاً قاطعاً”.
ويضيف نون، في حديث لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، (وذلك قبل توقيفه بساعات قليلة)، أن “الأولوية هي لأهالي الضحايا لا الموقوفين، ونحن أسقطنا بدعة الرديف في تحركنا، منذ يومين، رفضاً لانعقاد جلسة مجلس القضاء الأعلى والبت بتعيينه”، ومحذراً، “مستحيل تقطع بعد كل شي صار، وإذا حاولوا فسنكون بالمرصاد بالتأكيد”.
ويقول نون، “نطالب بتعيين غرف التمييز بالإنابة للوصول إلى البت بكل طلبات الرد”، مشيراً إلى أن “هذه خطوة تحد بين القضاء والسياسيين لكن يجب حصولها”، كاشفاً عن أن “الحلحلة باتت قريبة، فالضغط مستمر من جميع الناس”، ومعلناً عن “وقفة لبعض النواب يوم الخميس المقبل أثناء الجلسة للمطالبة بحل لملف تحقيق 4 آب”.
ويشرح، “هناك 3 حلول ممكنة، إما من مجلس النواب، أو بتدويل الملف، أو من خلال مجلس القضاء الأعلى بتعيين غرف التمييز بالإنابة والأخير هو الحل الأسرع والمفضل”.
أما قانونياً، “الولد لا يمكن أن يكون له والدان”، يؤكد رئيس حركة التغيير المحامي إيلي محفوض، في حديث لموقع “القوات”، موضحاً، “التحقيق بشكل عام والقرار الظني بشكل خاص لا يمكن أن يكون بعهدة قاضيين، والجدل القانوني يرخي ظله سلبياً على ملف تفجير المرفأ، وهو مفتعل لدفع الشعب إلى نقاش عقيم”.
ويضيف محفوض، “منذ لحظة التصويب على القاضي صوان وإطاحته، على الرغم من مناقبيته وشفافيته، نسفت السلطة ما قام به من تحقيقات وأرادت تغيير شكل الملف كلياً من خلال تعيين رئيس آخر. لكن أهل السلطة، وبمن فيهم رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، فوجئوا بسلوك القاضي بيطار، الذي تعاطى بكثير من الحرفية وأكمل مهمة القاضي صوان”.
ويكشف عن أن “الفذلكات القانونية الجديدة باءت وستبوء بالفشل، لأن تعيين محقق عدلي هو أمر مناط بعدة مرجعيات، إذ يقترح وزير العدل اسماً ليمر بإدارات رسمية وقضائية أساسية، فهناك استحالة كبيرة في الظرف الحالي، إقالة القاضي بيطار ومعلوماتي تؤكد أنه لن يتنحى”.
يرفض محفوض المنطق القانوني الذي يتحدث عن القاضي الرديف، بشكل قاطع، قائلاً، “إذا كنت أملك منزلاً، فهل أستأجر آخر؟ هناك محقق عدلي معين ومكلف بشكل رسمي للتحقيق بالانفجار الذي دمر بيروت، فماذا يحاولون أن يفعلوا؟”.
وهنا، يتهم المحامي ذاته، المعنيين بهذه الخطوة بمحاولة استنساخ تجربة مواقع الدولة، عندما يُعيَّن مساعد لمسؤول أمني أو إداري يكون دوره فقط عرقلة هذا المسؤول وتكبيله كما حصل في مواقع أمنية عدة. فالقاضي الرديف هدفه الأول والأخير عرقلة المحقق العدلي الأصيل إذا رفع سقف التحقيقات.