بين أن يكون لبنان للجميع، بمعنى اقتسامه بين الطوائف والسيطرة الميليشيوية على قراره كما هي حال حزب الله اليوم، وأن يكون الجميع للبنان كأن يتخلى الأفراد والجماعات والطوائف والأحزاب عن أنانياتهم ويتجندون لبناء الدولة، كما تريد القوات اللبنانية وتفعل، بين التوجهين النقيضين يتأرجح مصير لبنان الدولة والكيان وتفقد الفرادة اللبنانية معانيها أو تترسخ.
لن أرجع في هذه العجالة إلى الـ1975 عام انقسام اللبنانيين بين من يريد لبنان دولة عزيزة حرة سيدة وبين من يريد لبنان قطعة أرض بور تخصص للاستخدامات الإقليمية وصولاً إلى التخلي عنه ليكون وطناً بديلاً، بل أعود إلى العام 1989 تاريخ توقيع اتفاق الطائف، ليتبين لكل من في رأسه ذرة ضمير أن تشويه هذا الاتفاق نبع من استمرار الشرخ العميق بين من حارب للبنان بالبندقية وواصل مسار بناء الدولة بعدما صار الطائف محطة لوقف المدفع ومن ثم دستوراً، ومن حارب لبنان بالبنادق المحلية والغريبة ومن ثم استخدم الطائف، بعدما فشل بالسلاح، ليواصل الانقلاب على الدولة متوسلاً تشويه الدستور ومبتدعاً نظرية حتمية الجمع بين الدويلة والسلاح غير الشرعي والدولة، كالجامع بين الغدد الحميدة والغدد السرطانية في جسم واحد.
غني عن الشرح ولا لزوم للمزيد من الحجج لإقناع من يريد الاقتناع بنتائج وتبعات النهجَين على الدولة. فالنهج الأول الذي دأبت القوات ولا تزال بالبندقية والقلم، بعدما تخلت طوعاً وقناعة عن السلاح، على ممارسته منذ دخلت المجالس النيابية والحكومات وخرجت منها انذاراً واعتراضاً، والنهج الآخر الذي يقوده حزب الله مباشرة بقمصانه السود و7 أيار، وبالواسطة عبر حلفائه وفي مقدمهم التيار الوطني الحر، الأول يُعمّر الدولة ويرفع أعمدتها ويجلب الاستقرار والازدهار، والثاني يدمرها ويقضي على اقتصادها وطاقاتها البشرية وانموذجها الفريد وسمعتها بين الأمم، وما نعيشه اليوم من بؤس وجوع وحرمان هو خير دليل.
من هنا الى أين ؟ على الرغم من كل الأزمات والمآسي، نقطة النور موجودة لا تنطفئ، والقيامة الوطنية متاحة، يكفي أن يقتنع حزب الله بأن كل المسارات المعاكسة لمنطق قيام الدول، عبر التاريخ سقطت، وفي حال الحزب وحلفائه تحديداً، الانقلاب المتمادي على الدولة والدستور لن يحمي المصالح، لا الطائفية ولا الداخلية ولا الإقليمية، بل يؤدي الى إغراق المركب.
أمامنا اليوم فرصة بل واجب سلمي حضاري دستوري كياني يتلخص في انتخاب رئيس للجمهورية، وليس أي رئيس، وقد خبرنا المآسي التي جرّها “أي رئيس” على لبنان منذ 1990، فهذه الطينة من الرؤساء هي التي طَعنت المقاومة نفسها بها وطعنت لبنان، ونعجب من إدمانها على طلب المزيد من هذا الجنس وقد أوصلها والوطن إلى الحضيض.
تعالوا ننتخب رئيساً سيادياً عادلاً جامعاً، وليعلِن الجميع أسماء مرشحيهم ولنَنحنِ جميعاً أمام ما تفرزه صندوقة الاقتراع من نتيجة، بهذه الطريقة وحدها نحمي التنوع وتأخذ كل المكونات التاريخية المؤسِّسة حقوقها ونحمي لبنان.
أخيراً ، لا يطلبنّ ولا يتأملنّ أحد من القوات هذه المرة أن تفاوِض أو تلين أو تشفق أو تلعب دور أم الصبي، وقد لعبت وحيدة هذا الدور منذ الطائف وحتى اليوم، فالمطلوب من الجميع الآن ملاقاتها في لبنان من أجل لبنان.