لم ينجح الاجتماع الاستثنائي للمجلس المركزي في مصرف لبنان، الاثنين الماضي، في اتخاذ القرارات والإجراءات الطارئة اللازمة للحدِّ من الارتفاع الكبير بسعر صرف الدولار في السوق الموازية، بعدما أقفل الأسبوع المنصرم على دولار لامس الـ50 ألف ليرة.
ذلك على الرغم من الحديث عن قرارات اتُّخذت لكن تمّ تأجيل الإعلان عنها، على أمل أن يتزامن الإعلان مع انخفاض سعر الصرف في السوق وبدء اعتماد الـ15 ألف ليرة كسعر رسمي للدولار أول شباط المقبل، بهدف تشكيل صدمة إيجابية ولكي تعطي الإجراءات المنتظرة مفعولها ولا يتمّ التحايل عليها. الأمر الذي يبقى ملك الأيام المقبلة، مع الإشارة إلى فشل التجارب السابقة.
ولا شك أن إجراءات مصرف لبنان الأخيرة برفع سعر منصة صيرفة إلى 38 ألف ليرة، لم تؤتِ ثمارها، بعدما استهلكت المنصة أكثر من مليار دولار في أيام معدودة فيما بقي الدولار في ارتفاع مضطرد. ولعلّ هذا الفشل أدَّى إلى تردُّد المجلس المركزي لمصرف لبنان وتراجعه عن اتخاذ أي قرار جديد، بعكس التسريبات والتوقعات التي سادت قبل الاجتماع، خوفاً من أن يلقى مصير القرار الأخير المتعلق بصيرفة.
الخبيرة المتخصصة في الاقتصاد الكليّ والسياسات النقدية، ليال منصور، تلفت، إلى أن “أي قرارات تتَّخذها السلطات المالية أو المصرف المركزي تغيِّر كثيراً في سعر الصرف، كما يلاحظ الجميع، لأن الناس تتهافت على بيع وشراء الدولار والكلّ يقلِّد الكلّ. ومن الممكن أن يكون التردُّد وعدم اتخاذ أي قرار إثر اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان، نتيجة الخوف من فشله، وتكون ردّة فعل الناس مزيداً من التهافت على الدولار لخوفها مثلاً من أن يصل إلى 100 ألف ليرة الشهر المقبل”.
وترى منصور، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “من مصلحة البنك المركزي اتخاذ أي قرار جدّي لأن الناس ستتفاءل وينخفض سعر الدولار. ولو كان مصرف لبنان واثقاً من قدراته ونتائج قراراته لأصدرها، إذ حين يملك المرء أمراً جيداً لا يُخفيه بل يعلنه على الملأ ويتباهى به. لكن حين يحصل التلميذ، على سبيل المثال، على علامة منخفضة في الامتحان ويسأله والده عنها، يقول لم تصدر النتائج بعد. وربما تكون هذه من الأسباب التي جعلت مصرف لبنان يتردَّد”.
أما من الناحية الاقتصادية، تشير منصور، إلى أنه “بالنسبة لرفع سعر الدولار الرسمي إلى 15 ألف ليرة، الجميع يلاحظ أن تسديد ضرائب ورسوم كثيرة يتمّ منذ فترة على هذا السعر. ومن المفيد التذكير إلى أننا أشرنا منذ أشهر، إلى أن ما يحكى عن توحيد سعر الصرف على 15 ألف ليرة للدولار، لن يكون سوى للمعاملات والإجراءات الرسمية وسحب الودائع فقط، وليس توحيد أسعار الصرف المتعددة”.
وتشدد، على أن “هناك ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻧﻈﻤﺔ لسعر ﺍﻟﺼﺮﻑ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، لا رابع ولا خامس لها: ﺳﻌﺮ ﺍﻟﺼﺮﻑ ﺍﻟﺜﺎﺑﺖ، وﺳﻌﺮ ﺍﻟﺼﺮﻑ ﺍﻟﻌﺎﺋﻢ ومن ضمنه سعر الصرف العائم المُدار، والـ Currency board أو الدولرة الشاملة. وما يحصل عندنا فوضى، ولا يتبع إلى أي نظام منها بالتحديد”.
وتعتبر منصور، أن “الاتجاه على الأرجح هو نحو تحرير العملة”. وتحذر، من أنه “في حال حصول ذلك، سنترحَّم على دولار الـ50 ألف ليرة”، لافتة إلى أن “تثبيت سعر الدولار على 15 ألف ليرة مستحيل، ويمكن تثبيته اليوم، نظرياً ومع معجزة، على سعر 50 ألف ليرة، كما حصل مطلع تسعينيات القرن الماضي حين تم تثبيته على سعر الـ1.500 ليرة”.
لكنها تستدرك، بأن “التثبيت على سعر الـ50 ألف ليرة، إن حصل اليوم، لن ينجح لأكثر من سنة ونصف سنة أو سنتين كحدٍّ أقصى. هذا إن تم تثبيت سعر الدولار بالتزامن مع تدفُّق مساعدات خليجية وأوروبية وأميركية، وتغيير ونهج وسياق سياسي جديد تماماً، وانتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة إصلاحية، وغيرها. أي مع القيام بورشة إصلاحية إنقاذية كاملة شاملة على المستوى السياسي والاقتصادي”.
وتضيف، “في هذه الحالة، يمكن تثبيت الدولار على 50 ألف ليرة، مع معجزة، ولفترة سنة ونصف سنة أو سنتين كحدٍّ أقصى، كما أشرنا. وذلك لأن نظام تثبيت سعر الصرف لا يتجدَّد مرّتين، وهذه قاعدة يدركها كل المتخصِّصين بسعر الصرف”.
وتؤكد منصور، أن “نظام التثبيت لا يتجدَّد، ونحن استخدمناه واستهلكناه منذ التسعينيات وانتهى الأمر. أما في حال قاموا بتجديده، على سعر 50 ألف ليرة اليوم، فلن يكون سوى لفترة مؤقتة جداً ولشراء الوقت قبل الانهيار الكبير. والأرجح أنهم لن يقوموا بتثبيت سعر الصرف لأن المسألة مرتبطة بالشروط التي أوضحناها وورشة (طويلة عريضة) في البلد، وحتى مع هذه سيكون لفترة محدودة جداً”.
وتوضح، أننا “سنبقى ضمن نظام تعدُّد سعر الصرف. فالـ15 ألفاً للدولار إن طُبِّقت ليست توحيداً لسعر الصرف، وتوحيده يكون في حال كان سعر السوق 15 ألف ليرة، لكن هذا ليس الواقع طبعاً، بل على العكس”.
وتنوِّه، إلى أننا “سنكون أمام واقع سعر صرف للمعاملات الرسمية ودفع الرسوم والاستشفاء والسحوبات، وغيرها، بـ15 ألف ليرة، وسعر منصة صيرفة الذي سيأتي يوم ويصبح السعر الرسمي الجديد، بالإضافة إلى سعر السوق الفعليّ الذي سيبقى أعلى. فنصبح أمام سعرين، السعر الرسمي وسعر السوق”.
وتعتبر منصور، أن “ما يحصل من تخبُّط سيدفع سعر السوق إلى الارتفاع أكثر فأكثر، وهو دليل عدم مهارة ومهنيّة وشفافية وقرارات عشوائية، فكيف ينوون تثبيت سعر الصرف من جديد وعلى أي أساس؟”.
وتضيف، “هم كذاك الذي يريد طهي اللحمة، لكن لا غاز ولا كهرباء ولا حطب ولا فحم ولا مايكرويف لديه، فكيف يمكنه ذلك؟ بالتالي، كيف يمكن تثبيت سعر الصرف مرة واحدة، نظرياً واستثنائياً على 50 ألف ليرة كما يفترض، ومع معجزة، والاحتياط النقدي بالدولار متهالك، ومصير 100 مليار دولار من الودائع مجهول، ولا تغيير سياسي وإصلاحي، ولا تدفُّق لأموال من أصدقاء لبنان؟”.
وتؤكد، أن “الحل الوحيد الفعليّ المتبقي للبنان، والذي نكرّره دائماً، هو اعتماد نظام الـ Currency board أو الدولرة الشاملة. لكن الحكام لا يملكون الشجاعة الكافية لاعتماد هذا الحلّ للخلاص من الأزمة وعودة النهوض”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية