قبل سبر أغوار مضمون مقابلة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع عبر “الجديد”، بتاريخ 15/1/2023، لا بدّ من الإشارة الى منهجية ذكرها الحكيم في المقابلة بقوله، “إذا طرح نصرالله شيئاً جيّداً نقول نعم، واذا طرح باسيل شيئاً جيداً نقول نعم، نحن لا نرفض أي شيء يقوله الخصم فقط لأنه خصم في السياسة”. لذا نتمنى على القارئ سواء كان مؤيداً أو خصماً اعتماد المنهجية نفسها بمقاربته وقراءته للمضمون.
ـ في ردّه على الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله حول تخوّفه من رئيس “يطعن المقاومة” ما يهدد بحرب الأهلية، ذكّر جعجع بمسار “الحزب” من غزوة 7 أيار 2008 حتى غزوة عين الرمانة في 14 تشرين الأول 2021 قائلاً ما حرفيته، “إذا بدنا نوقف التهريب على الحدود بيعتبرا طعنة للمقاومة بالضهر وإذا بدنا نضبط الوضع على المرفأ بيعتبرا طعنة…”.
وهنا تستوقفنا مصادقة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون على كلام جعجع خلال مقابلة له في 9/4/2002 عبر الـmtv بقوله، “ألم تسمع الخطابات التي هدّدتنا بالحرب الأهلية في حال مطالبتنا بالانسحاب السوري؟ حزب الله هو الذي هدّد ومن غيره يملك السلاح؟ قال إننا نريد أن نقوم بكوسوفو ثانية وإنّه سيتصدّى لهذا الأمر وانّه في الخط الأمامي في الدفاع عن سوريا. هذا ورد في صحيفة السياسة الكويتية وعلى لسان السيّد حسن نصرالله. كأنه يتهمنا أو يهددنا بالحرب الأهلية إذا طالبنا بالانسحاب السوري من لبنان… لماذا لا يعترف لي بحقّ الاختلاف؟ ولماذا حزب الله هو خط الدفاع الأول عن سوريا في لبنان؟”.
ـ في مقاربته لعدم جدوى الحوار ذكّر جعجع بجولات الحوار الطويلة والعديدة والتي لم تُفضِ الى أي نتيجة إذ على الرغم من الاتفاق على بنود وقرارات كثيرة وقّعها الحزب وحلفاؤه لكنهم لم يلتزموا بها.
هنا أيضاً تستوقفنا مصادقة عون على كلام جعجع وذلك في تصريح له في 5/4/2003 إذ قال عن “حزب الله”، “أنا لا أستطيع أن أحاوره وهو يحمل البندقية. فليضع البندقية جانباً عندها أتحاور معه”.
ـ كما ذكّر جعجع بتصويت المتحاورين وبالإجماع على التحقيق الدولي والمحكمة الدولية ثم عادوا وتراجعوا عن ذلك.
طبعاً المصادقة أتت من “حزب الله” وحلفائه بشن حرب شعواء على التحقيق والمحققين، وعلى المحكمة الدولية بكافة نشاطاتها وقراراتها وأحكامها.
ـ ذكّر جعجع بآخر جلسة للحوار قبل 12 تموز 2006 إذ وعد نصرالله المتحاورين بعدم القيام بأي عمل من شأنه أن يؤثر على موسم الصيف الواعد، ليعود ويقوم بعملية خطف الجنديين الإسرائيليين التي أدت الى حرب تموز المدمّرة.
المصادقة أتت من الوقائع التي ذكرتها الصحف في 30/6/2006 عن جلسة الحوار في 29/6/2006، أي جلسة الحوار الأخيرة التي سبقت حرب تموز ودعوة نصرالله لإنجاح الموسم السياحي والتركيز على هموم الناس والشأن الاقتصادي.
كما ذكرت المعلومات أنّه تم الاتفاق بين المتحاورين على بذل الجهود لتحقيق تهدئة على المستويات كافة في الفترة المقبلة.
كذلك أتت المصادقة على كلام الحكيم من نصرالله نفسه حين قال نادماً في 27 آب 2006، “تسألينني لو كانت 11 تموز تحتمل ولو واحد بالمئة أن عملية الأسر بتوصّل لحرب كالتي حصلت بتروح بتعمل عملية أسر بقلّك لأ قطعاً لأ.. لأسباب انسانية واخلاقية واجتماعية وأمنيّة وعسكرية وسياسية. لا أنا بقبل، لا حزب الله بيقبل ولا الأسرى ل بالسجون الاسرائيلية بيقبلوا ولا أهالي الاسرى بيقبلوا”.
ـ عن رئاسة الجمهورية يسأل جعجع، “مين عطا مين بالـ2016 لو في حد أدنى من الزوق واللباقة السياسية كنتوا قلتوا: إنتو عطيتونا نحنا هالمرّة لازم نعطيكن”.
المصادقة تأتي هنا من رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل نفسه قبل انقلابه كعادته على نفسه وغيره. ففي 17/1/2017 قال، “تسمية رئيس حزب القوات سمير جعجع لرئاسة الجمهورية في المستقبل ممكنة”.
ـ شكك جعجع بصدقية إيران بالنسبة لمساعدة لبنان بالطاقة، فاعتبر انه من “الأولى أن تساعد إيران نفسها أو سوريا لأنها الأهم بالنسبة لإيران، وتعتبر هي المسيطرة عليها وقدمت الغالي والنفيس من أجلها”.
المصادقة على كلام جعجع أتت من النظام السوري على لسان رئيسه بشار الأسد اذ قال في 25 /7/2015، “الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جنسيته وجواز سفره بل لمن يدافع عنه ويحميه”.
وتسجّل هنا أيضاً، مصادقة النظام الإيراني على كلام الحكيم، فتزامناً مع مقابلة جعجع في 15/1/2023 أعلنت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، “أن السلطات الإيرانية قيدت إمدادات النفط الإيراني بالسعر المخفض لسوريا، وضاعفت أسعار النفط المصدر إلى دمشق بسبب مشاكلها الاقتصادية”. كذلك، نقلت الصحيفة في تقرير لها عن مصادر مطلعة قولها إن السلطات الإيرانية قالت للحكومة السورية إن عليهم دفع مبالغ أكثر مقابل شحنات النفط. وبحسب التقرير، تعتزم إيران مضاعفة سعر النفط ليصل إلى سعر السوق الذي يزيد على 70 دولاراً للبرميل.
كتبت “وول ستريت جورنال” أيضاً أن النظام الإيراني رفض إرسال شحنات للنفط إلى سوريا بشكل عقود التسليم مؤجلة الدفع، وطالب دمشق بدفع ثمن النفط مقدماً. هذا وقال المتحدث باسم اتحاد مصدري النفط والغاز والبتروكيماويات الإيراني حميد حسيني للصحيفة، “نحن أنفسنا نتعرض لضغوط الآن. ليس هناك ما يدعو للبيع إلى سوريا بأسعار مخفضة”.
وأضاف التقرير أنه على الرغم من أن كميات النفط التي أرسلتها طهران إلى دمشق في الربع الأخير من العام 2022 كانت مماثلة للكميات المرسلة العام السابق عليه، فقد رفضت إيران زيادة إمداداتها لتلبية الطلب المتزايد في سوريا.
شركة “كبلر” المهتمة ببيانات السلع الأساسية أفادت بأن سوريا عادة ما تستقبل شحنتي نفط على الأقل شهرياً من إيران، ولكن الشحنة التالية لن تغادر إيران إلى سوريا قبل بداية آذار المقبل.
كما أكدت الصحيفة الأميركية أن “النظام الإيراني استخدم حتى الآن الأموال والنفط المخفض لتوسيع نفوذه في سوريا وتحدي السعودية وإسرائيل في المنطقة، لكن في الوقت الحالي، مثلت المشاكل الاقتصادية ضربة جديدة لطموحات إيران”.
ـ ما اعتبره الإعلاميون والسياسيون “سكوب المقابلة” هو ما قاله جعجع بكل وضوح، “اذا توصّل محور الممانعة وقدر جمع 65 نائب سنضع ثقلنا لفرط الـ65 واذا ما قدرنا على الاطلاق وتمكّن حزب الله ان يأتي برئيس له سنعيد النظر بكل شيء… والله يوفقن مطرح ما هنّي… وكل الخيارات مفتوحة… لن نقبل العيش تحت سيطرة حزب الله”.
هنا تأتي المصادقة من الوجدان المسيحي والوطني على كلام الدكتور جعجع والذي ترجم في محطات كثيرة ومفصلية. ففي 30/11/1992، أعلن البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، “إذا خيّرنا بين العيش المشترك والحريّة نختار الحريّة”.
كذلك، عقب تفجير كنيسة سيدة النجاة الزوق في 28/2/1994 ،قال البطريرك صفير، “نحن الذين لجأنا الى المغاور والكهوف في عهد الظلم والظلام طوال مئات السنين ليسلم لنا الإيمان بالله وعبادته على طريقتنا في هذه الجبال وعلى هذه الشواطئ ولتبقى لنا الحرية التي إذا عُدمناها عُدمنا الحياة”.
كلام الحكيم ومواقفه كانت بعيدة عن أي “زكزكات” أو نكايات أو شعبوية، بل نابعة من التجارب التي عاشها اللبنانيون ومن المفاهيم المُسلَّم بها كأولوية الحرية على أي عيش مشترك، لذا حتى أخصامه صادقوا عليها في محطات عدة صودف أنهم كانوا فيها منسجمين مع المنطق. بالوقائع والتواريخ، صدّق هذا المقال على كلام الحكيم و”من لديه عينان مبصرتان فليبصر”.