الـego، او “الذات الزائفة” لدى حزب الله، هي: 100 الف مقاتل؛ مئة الف صاروخ؛ مئات السبابات المرفوعة؛ الآف التهديدات والنبرات العالية؛ المزايدة عربياً واسلامياً في كل الاتجاهات؛ رئيس من 8 آذار يحمي ظهير المقاومة؛ ثقة كبيرة بالنفس.
امّا “الذات الحقيقية” لدى حزب الله، فهي: صفر قيمة مضافة حضارياً وثقافياً وانسانياً بشكلٍ عام؛ خواء على كل المستويات الأخرى خارج إطار معادلة العديد والسلاح؛ شعور داخلي دفين ومتجذّر بالنبذ والتشكيك من قبل العرب واكثرية المسلمين، مع الاحساس الواعي واللاواعي بعدم الجدارة والأهلية في تبنّي قضية العرب والمسلمين المركزية؛ ثقة هشّة بالنفس؛ اسقاط projection الثقة الهشة بالنفس على باقي اللبنانيين، بما يحول دون تمكينهم من انتخاب رئيسٍ لبناني لا ينتمي لحزب الله بالمباشر، حتى ولو أصبح لبنان بدون شعبه.
من نتائج الـego لدى حزب الله: انتصارات وهمية في الترسيم البحري وسواه؛ فك الحصار الأميركي عن لبنان؛ دحر الامبرالية العالمية و”الشيطان الأكبر”؛ “ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات”؛ سلطة لبنانية مقبوض عليها بالكامل ومُستلحقة للمشروع الممانع في المنطقة.
ولكن من نتائج “الذات الحقيقية” لدى حزب الله: التطبيع البحري مع الاسرائيلي والتخلي عن اهم سمات عقيدته السياسية لسدّ جوع بيئته الحاضنة وتلبية احتياجاتها المادية الأساسية؛ انهيار تام للدولة التي يمسك بسلطتها؛ عقوبات عربية ودولية شاملة؛ افقار الشعب وافلاسه وسرقته؛ ادارة فاسدة. وهلّم جراً.
كلما كانت “الذات الحقيقية” هشة وضعيفة وفارغة وفاقدة للثقة بالنفس، كلما كانت “الذات الزائفة” متضخمة، وقناعها سميك، واكثر التصاقاً بالوجه، لإخفاء ملامح “الذات الحقيقية” الهشّة.
يعمل الـ egoلدى الأفراد والجماعات على تنظيم العلاقة بين “الذات الحقيقية” من جهة، وبين الحقائق الداخلية والخارجية التي تُحيط بهذه الذات من جهةٍ أخرى.
فكلما كانت “الذات الحقيقية” سوية ومتوازنة، كلما تكاملت مع الحقائق المحيطة بها داخلياً وخارجياً، وكلما كانت بالتوازي اقلّ صدامية، وأكثر تصالحاً مع نفسها ومع محيطها، من دون الحاجة لإي قناعٍ او “ذاتٍ زائفة” تُخفي بهما حقيقتها، امام نفسها اولاً، وامام محيطها ثانياً.
امّا اذا كانت “الذات الحقيقية” فارغة وهشّة وضعيفة وتفتقر الى الثقة بالنفس، فإنها تصطنع لنفسها “ذاتً زائفة”، وترتدي قناعاً وهمياً من القوة والعظمة والجبروت والمكابرة والمزايدة حتى تُخفي به حقيقتها وتحمي به نفسها من الانكسار، محاولةً بذلك التلاعب بعقول الاخرين لحجبهم عن اكتشاف حقيقتها، مروراً بالسيطرة على هذه العقول، وصولاً لمحاولة ترويض كل المتحوّلات المحيطة، لجعلها تتناغم وتتكامل مع تلك “الذات الحقيقية” الهشّة، بما يُشعرها بالتوازن والراحة، والرضا، والحماية، والتفوّق….حتى ولو اختربت البصرة واحترقت روما!
“الذات الحقيقية”، هي في بداياتها، وليدة الظروف، والتاريخ، والتجارب، والمشاعر المكبوتة، وكلما كانت الظروف قاسية، والتجارب مريرة والمشاعر مكبوتة اكثر، كلما عجزت “الذات الحقيقية” عن التطوّر بشكل صحي وسليم، وشعرت بعدم النضج والافتقار للقيمة والاستحقاق والاحترام، وكلما اضطّرت للإعتماد على “ذاتٍ زائفة” تؤمن لها، اقلّه مرحلياً، المقبولية والاحترام لدى نفسها ولدى الآخرين، وتالياً التوازن والاستقرار النفسيين التي تتوق اليهما.
من الواضح ان الظروف التاريخية لم تسنح لـ “الذات الحقيقية” الخاصة بحزب الله، ان تتطور بشكل سليم، كما ان الظروف منذ عام 1982 تاريخ تأسيس الحزب لم تسمح بدورها لهذه الذات ان تُجري مراجعةً عميقة داخلية لنفسها، حتى تُصلح الخلل البنوي الموجود فيها بالأساس، وهي لذلك لم تنتقل من مرحلة اللاوعي بحقيقتها الى مرحلة الوعي، ولم تصل تالياً الى مرحلة الاصلاح والتنقية من الشوائب الكثيرة للإرتقاء بها نحو الأفضل، وصولاً الى تحقيق التوازن الفعلي الذي يتيح لها التخلّي عن اقنعتها الزائفة في المكابرة والثقة المصطنعة واستعراضات القوة، من اجل التعاطي مع الوقائع بموضوعية وعقلانية وتفاهم وانسجام، بعيداً عن الهاوية التي يقود حزب الله نفسه وناسه واللبنانيين اليها.
لا شك أن “الذات الزائفة” لحزب الله القائمة على منطق السلاح والاعتماد على الاحتلال السوري والدعم الايراني، قد مكنتّه من تحقيق السيطرة المتدرجة على السلطة في لبنان، ومن العيش مع جمهوره في وهم الانجازات والانتصارات وفي الترف السياسي والوجودي حتى الأمس القريب، غير ان “الذات الحقيقية” لديه كانت تقوده وتقود ناسه وكل اللبنانيين الى كل الانهيارات التي نعيشها اليوم.
فالذات الحقيقية الهشة والعاجزة عن ادارة دولة، هي التي عادت واظهرت وجهها بالكامل الآن، ولكن عوض ان يقوم حزب الله باستغلال الازمة الوجودية التي يمر بها، للعودة الى ذاته، بغية اصلاحها وتنقيتها من كل شوائب فترات الترف والانتصارات الوهمية الماضية، كما من كل المشاعر التاريخية المكبوتة والمحشورة في “الظل” منذ البدايات، يحاول بشتّى الوسائل اعادة ترميم ذاته الزائفة، مُصرّاً على انتهاج سياسة الاسقاطات وتحميل الغير مسؤولية فشله وعجزه واخفاقاته هو بالذات، بما يُبعده اكثر فأكثر عن نقطة الارتكاز اللبنانية وعن الخط البياني للسيرورة الانسانية الحضارية، ويُقرّبه خطوات متسارعة نحو الانهيار التام.
واذا نظرنا الى الذات الحقيقية لحزب الله خارج قناع القوة والسلاح والثقة المزيفّة بالنفس الذي يرتديه، نتساءل عمّا هو الإنجاز الحضاري والثقافي والعلمي والسياسي والاقتصادي والتكنولوجي الذي حققه على المستويات اللبنانية والعربية والانسانية، واضاف به جديداً اليها، حتى يمنح لذاته هذه الثقة الكبيرة بالنفس التي يطل بها على الآخرين، خصوصاً أنه يطرح نفسه كمنظومة حضارية وثقافية متكاملة، وليس مجرد حزب يتعاطى شؤون السياسة فحسب.
من هذه الظاهرة بالذات تنشأ النرجسية التي تعمد الى إخفاء ذاتها الحقيقية الهشّة وثقتها الضعيفة بالنفس، بذاتٍ زائفة، تتمظهر عبر ارتداء قناع القوة والعظمة والجبروت والثقة الزائدة بالنفس، للتلاعب بعقول الآخرين، والسيطرة عليهم، وادّعاء التفوق عليهم، من خارج اي قواعد او مرتكزات او مقوّمات فعلية.
أبعد من ذلك، فإن الطائفة الشيعية الكريمة التي خرج حزب الله من رحمها، انتقلت بين ليلةٍ وضحاها، وبسحر احتلالٍ سوري وسلاحٍ غير شرعي وديموغرافيا متضخمة، من طائفةٍ مهمشة مادياً وسياسياً ودينياً وثقافياً بفعل سياسات السلطنات المتعاقبة عبر الزمن، الى طائفةٍ مُسيطرة او شبه مُسيطرة على الواقع اللبناني بقوة موازين القوى العسكرية والعددية، في ما يُشبه ردّة الفعل العكسية الانتقامية، المشروعة ربما، على تاريخ القهر والتهميش الطويل، ومن دون المرور بمراحل الاختمار الثقافي والفكري والسياسي والاجتماعي التي مرّت بها الطائفة المسيحية على امتداد خمسة قرون من الزمن، واهلّتها لقيادة مركب الدولة في لبنان منذ عهد الامارة، مروراً بالقائمقاميتين والمتصرفية، وصولاً الى لبنان الكبير، وحتى اليوم.
وتالياً، لا يمكن لاسلوب الاختصار في مسيرة الاختمار الفكري والثقافي والاداري والسياسي والحضاري التي تحتاج اليها المجتمعات حتى تصبح مؤهلّة فعلياً لإدارة دفّة دولة ناجحة، ولا لاسلوب القفز السريع عبر الزمن، الذي ينتهجه حزب الله وبيئته الحاضنة للتسريع في السيطرة على لبنان، ان يُعطيه الأحقية او الأهلية لتولّي ادارة الدولة والتصرّف بمصير اللبنانيين، خصوصاً في ظل تركيبة مجتمعية تعددية، وارثٍ لبناني حضاري عريق، ونظامٍ متجذّر في ديموقراطيته وتوافقيته.
فالنتيجة لهذا المسار المختصر الزائف الذي يتكامل مع الذات الزائفة لحزب الله هو الانهيار الحقيقي، لا الزائف. ومن له اذنان سامعتان فليسمع.