أمّ ميشال… يا مناضلة الزمن

حجم الخط

“امي عمرا 94 سنة، انتخبت لنرجّع لبنان الحلو بقوة مشروع ونضال القوات اللبنانية، لانو بدنا وفينا ولعيونك” كتبت المناضلة والمعتقلة السابقة في سجون النظام الأمني اللبناني السوري، أنطوانيت شاهين للنائب غياث يزبك. ماري شاهين “أم ميشال”، رحلت منذ أيام. في جعبتها سنين طويلة صحيح، لكن ليست كأي سنين ولا كأي امرأة عادية. سيدة تمثّل آلاف الأمهات اللبنانيات المعذبات، اللواتي عانين من همجية الاحتلال السوري على أولادهن. أم ميشال ليست امرأة مسنة رحلت، بل هي مناضلة، هي أم مناضلين. تعرّض أولادها للاضطهاد والاعتقال والترحيل خارج الوطن، كي لا يطبق الوطن عليهم ويصبحون في الاعتقال كما حصل مع ابنتها أنطوانيت شاهين لمجرد أنهم يحملون صفة “الانتماء للقوات”.

ترحل أم ميشال كما كل البشر يرحلون، حسبها أنها عاشت عمراً مديداً، لكنها بقيت في صباها، بقي القلب ينبض صبا المقاومة الدائمة، بقي في القلب ومضات تلك المقاومة العنيدة لكل ما هو احتلال أو اعتقال أو اضطهاد، بقي في القلب ذاك الشغف على الكرامة ووميض الثورة، كما كلّ أمهات الشهداء وأمهات المناضلين الأحياء. ذاقت أم ميشال كأساً مراً علقماً، حين اعتقلوا ابنتها الصبية أنطوانيت، واتهمت بالتفجير والقتل وحكم عليها بالإعدام. يومذاك قلنا لن تصمد المرأة، فكانت هي ذراع الصمود لابنتها، حرّضتها على الصمود على الصلاة، من خارج القضبان كانت لها الحرية، ومن داخل القضبان كانت لها الإلهام بالشجاعة والصلاة لأم الله لتكون عون المضطهدين. عانت من ملاحقة عملاء الاحتلال السوري لإبنها، ولم ترتح الا عندما أصبح خارج لبنان، ابتعد عن عينيها لكنه صار في الأمان وهذا ما كانت تريده.

بكت كثيراً أم ميشال في زمنها بسبب حقد نظام أمني جعل من شباب المقاومة اللبنانية طريدته اليومية، استرضاء لسفاح الشام ذاك، ومع ذلك بقيت في صمودها سنداً لأولادها لا تنهار، لا تستسلم، وكل الدموع تلك لا تلبث أن تجف لتتحول الى غضب الثورة والصمود.

أم ميشال هي جيل أمهات لبسن قلب العذراء مريم، وبكين بدموعها خوفاً وحرقة على أولادهن، ولما صُلب الرب، واضطهد الأولاد واستشهدوا واعتقلوا، فعلن مثل العذراء تماماً، ركعن على كعب صليبهن، بكين ثم نظرن الى السماء وصرخن “مع آلامك يسوع معك في الصلب ومعك على رجاء القيامة، ولادنا الك وبلدنا نذرناه الك”.

ترحل أم ميشال وكأنها تأخذ معها جيل نساء استثنائيات، كن دائماً خلف كواليس نضال أبنائهن، لكن وحين تهدأ الصورة وينقشع الضباب، لا نرى إلا وجوههن المضيئة بالحب والتضحية وكلّ ذاك الزمن العريق المتوّج بالدم والنصر والكرامة.

أم المناضلين رحلت. أم المناضلة رحلت لتبقى المناضلة على قيد النضال، لأجل أم ميشال وكل أمهات لبنان المقاومات.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل