البلاد معلّقة على “حبال الهواء”… تهتزّ مع كل هبّة خبر من هنا ومعلومات من هناك. وما كاد الكلام عن قرار جديد لوزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل حمل الرقم 447 بتاريخ 16/1/2023 يقضي بدفع نصف الرسوم الجمركية نقداً، يتسرّب في أروقة المستوردين والصناعيين والتجار وغيرهم، حتى هبّت، أمس الخميس، رياح التحذير والتلويح بخطوات تصعيدية لدرء القرار، وأبرزها تحذير نقابة أصحاب السوبرماركت من تطبيق قرار وزارة المال “وإلا سنذهب إلى وقف قبول البطاقات المصرفيّة بالليرة من الزبائن”.
لكن عاد وتبيّن أن لا الوزير أصدر قراراً بهذا الشأن، ولا نقابة السوبرماركت ستتوقف عن قبول البطاقات المصرفيّة في نقاط البيع، وذلك بعدما تلمّست من وزير المال كل تجاوب ووعداً “بوقف التنفيذ”. وعلم موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني أن اجتماعاً سيُعقد اليوم في مكتب الوزير خليل لمتابعة الموضوع.
نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد يقول لموقع “القوات”، لم نتّخذ قراراً بوقف قبول البطاقات المصرفية إنما حذّرنا فقط في حال استمر وزير المال في قراره. لكنه تجاوب معنا وأبلغنا بوقف تطبيقه في الوقت الراهن تمهيداً لدرس تداعياته بالتفصيل.
ويكشف فهد عن اجتماع سيُعقد اليوم في وزارة المال ويضمّ الوزير خليل ووفد نقابة أصحاب السوبرماركت برئاسته، لمتابعة الموضوع، وإلى ذلك الحين، يستمر أصحاب السوبرماركت بقبول البطاقات المصرفية في كل نقاط البيع، وفق الآلية المتّبعة: 50 في المئة بطاقة مصرفية و50 في المئة الدفع نقداً. ويأمل في أن يحافظ وزير المال على هذا التجاوب الذي لمسناه منه اليوم ووقف القرار كاملاً.
من جهته، يوضح مصدر في وزارة المال لموقع “القوات”، أن “الوزير لم يتّخذ أي قرار في ما يخصّ الرسوم الجمركية، إنما كان مجرَّد مشروع تدبير، فهو بحث في إرسال كتاب إلى المديرية العامة للجمارك يقضي بقبض نصف الرسوم الجمركية نقداً ونصفها الآخر عبر شيك مصرفي، لكنه عاد وصَرَف النظر عنه حالياً، وبالتالي لم يصدر شيء عن الوزير في هذا الموضوع”.
في السياق، يشير نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي عبر موقعنا، إلى أنه “في حال قرّر وزير المال المضي في هذا القرار، فنحن كمستوردين لن يعود لدينا إمكانية قبول الشيكات المصرفية، إذ إن قبولنا بها كان لاستخدامها عن طريق الدولة. لكن إذا لم تعد تقبل بأخذ أموالنا من المصارف، فنحن لن نعود نستطيع القبول بشيكات من السوبرماركت التي بدورها لن تعود تقبل بالبطاقات المصرفية من الزبائن”.
وبنتيجة هذا الواقع، يقول بحصلي “هناك اتجاه لدى وزارة المال إلى تأجيل القرار أو إلغائه، كما تنامى إليّ من معلومات. وبالطبع نحن كمستوردين وكأصحاب سوبرماركت ندعو إلى إلغائه لأن هناك مفاعيل سلبية ستنتج عن هذا القرار، وأبرزها:
– مشكلة أمنية عبر نقل الأموال: فواتير الجمارك تُقدَّر بالمليارات يومياً، وإذا كان الدفع نقداً مَن سيحمل أكياس الأموال؟ مَن يضمن سلامتهم؟
– مشكلة لوجستية: هناك استحالة في استيعاب هذا الكَمّ من الأموال، على اعتبار أن كل مورّد أو صناعي أو غيرهما جمّع نهاية اليوم ما قيمته 300 أو 500 مليار ليرة، أين سيتم وضعها، في مقرّ الجمارك؟
– ما هي قيمة الحسابات المصرفية إن لم تَعُد الحكومة اللبنانية تقبض الشيكات المصرفية؟ وإن لم تعد تعترف بالليرة اللبنانية الموجودة في المصرف يعني أننا أصبحنا في مرحلة انحلال تام للاقتصاد اللبناني الرسمي لأننا تحوّلنا إلى اقتصاد نقدي بالكامل. ويترتّب عن التحوّل انعكاسات سلبية لأن الاقتصاد دورة متكاملة ونحن أساساً لا نملك الإمكانية لتأمين الأموال نقداً كاملاً بل نعتمد على الشيكات المصرفية، لأننا لا نبيع الناس مباشرة بل هناك دورة متكاملة من التاجر إلى السوبرماركت فالمستهلك، وكل منهم سيدفع نقداً، كي نتمكّن نحن من تأمين الأموال نقداً. وبالتالي هناك استحالة في تأمين كل هذه الكميات الكبيرة نقداً في حين أننا نؤمّنها حالياً عبر حوالات مصرفية.
ويُضيف، النقطة الأهم، إذا كانت كل هذه الدورة “النقدي” أصبحت أكثر تعقيداً وصعوبة، وانخفضت قيمة الشيك بالليرة اللبنانية أكثر، ستترك على المواطن نتائج سلبية، إذ لن يعود قادراً على استخدام البطاقة المصرفية في السوبرماركت لأن الدورة ستكون كلها نقداً… كل ذلك، عدا عن نتائج الاقتصاد النقدي السلبية على الاقتصاد ككل.