منذ توليه الرئاسة في فرنسا حاول الرئيس ايمانويل ماكرون فتح حوار مع النظام الإيراني، ليس من منطلق اعجابه بنظام الجمهورية الإسلامية بل لاعتقاده كعدد من الذين سبقوه في سدة الرئاسة ان الحوار مع هذا النظام يمكّن فرنسا من الاضطلاع بدور فاعل في منطقة لإيران تأثير كبير فيها، خصوصا في لبنان والعراق، وكذلك في منطقة الخليج حيث تسعى طهران الى زعزعة استقرار هذه الدول، لكن محاولاته العديدة مُنيت بالفشل. في ولايته الأولى سعى ماكرون الى اجراء لقاء بين الرئيسين الإيراني آنذاك حسن روحاني والاميركي دونالد ترامب، إلا أن الاول خذله في اللحظة الأخيرة بأمر من المرشد الأعلى علي خامنئي رافضا اللقاء بعد قبوله.
بَيد أن جهود الرئيس الفرنسي استمرت في شأن التحاور مع الجانب الإيراني من روحاني الى إبرهيم رئيسي حول لبنان وحول الملف النووي الإيراني من دون أي نتيجة. فقد توصلت فرنسا الى قناعة بان ايران تضع شروطا تعجيزية للعودة الى الملف النووي، إضافة الى ان سياسة الجمهورية الإسلامية في كل من سوريا ولبنان والعراق هي لخلق الفوضى المؤسساتية في المنطقة.
هكذا يصنف ماكرون ايران لدى تطرقه الى التعاون الإيراني مع روسيا في حرب أوكرانيا. ثم جاءت تظاهرات النساء في ايران وتنفيذ عمليات إعدام متظاهرين واحتجاز الرعايا الفرنسيين الـ7. التعاون الإيراني – الروسي ودعم طهران لموسكو في غزوها لأوكرانيا يبدو لماكرون انه نوع من تعددية إرهابية يجري ترسيخها بالتوازي مع الذين قرروا ان يعيشوا خارج القانون الدولي. ففرنسا ماكرون ترى ان النظام الإيراني يقوم بخلق فوضى مؤسساتية في الدول التي لها تأثير فيها وانها تسعى لنشر منطق عرقي ديني وتعميم الفساد لتتمكن من الحصول على قدرة للمناورة والتحرك في الدول التي تؤثر فيها.
هذه هي استراتيجية ايران في المنطقة كما يراها الرئيس الفرنسي، وان روسيا متواطئة معها في هذه الاستراتيجية. ومن الواضح ان ثمة خيبة امل فرنسية من الوصول الى أي نتيجة مع النظام الإيراني. ثم إن الاحتجاجات الشعبية في ايران ومقتل الشابة مهسا اميني واعدام المواطن البريطاني الإيراني الذي كان يعمل في وزارة الداخلية، كل ذلك جعل فرنسا من بين الدول في الاتحاد الأوروبي المطالبة بوضع الحرس الثوري على لائحة الإرهاب الأوروبية ولو ان ذلك يواجه صعوبة على صعيد الاجراء القضائي، اذ إن خطوة كهذه تتطلب شكوى قضائية في بلد معيّن، علما ان هناك عددا من العقوبات الاوروبية على ايران منذ العام 2010، إضافة الى تلك التي وُضعت على النظام الإيراني في الآونة الاخيرة. كما ان الدول الاوروبية قد تسعى الى معاقبة النظام في اطار مجلس حقوق الانسان . والقناعة السائدة في فرنسا هي ان لا امل في الوصول الى أي نتيجة من الحوار مع النظام الإيراني. اما في شأن دعوة رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني لزيارة باريس هذا الأسبوع بعدما شارك في مؤتمر “بغداد 2″ في الأردن، والذي شارك بترؤسه الرئيس ماكرون، فهو ادراك فرنسي ان رئيس الحكومة العراقي المعتبر اقرب الى ايران من سلفه مصطفى الكاظمي يحتاج الى جيرانه في الخليج العربي وأيضا الى الدول الغربية ومنها فرنسا، لذا فهو يتحرك باتجاه جيرانه وفرنسا سعيا الى توازن اكثر في علاقاته الإقليمية والدولية.
وبالنسبة الى لبنان ترى باريس ان زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الى بيروت لن تغير شيئا في التعطيل والتدهور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يحدث حاليا في لبنان حيث جزء من الشعب اللبناني المؤيد لـ”حزب الله” التابع لايران يعاني كباقي اللبنانيين من التدهور الكارثي الحاصل في البلد. ما يحصل حاليا بين فرنسا والنظام الإيراني يذكّر بتدهور العلاقة بين فرنسا في العهود الرئاسية السابقة من فرنسوا ميتران الى جاك شيراك ثم نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، اذ حاول هؤلاء الرؤساء إقامة علاقة جيدة مع نظام “الاسدين” في سوريا الى ان تدهورت مع هولاند ووصلت الى طريق مسدود مع ماكرون، وهذا ما يحصل حاليا مع النظام الإيراني.