يشتكي معظم الفنانين اللبنانيين من تراجع المستوى الفني في البلد والوطن العربي. وإلى جانب الأوضاع الاقتصادية والسياسية السائدة، لا بدّ من إلقاء الضوء على الأسباب الفنية لهذا التراجع. ولا تُخفى انتقادات البعض وانزعاجهم من الوضع الفني الحالي. موقع “القوات اللبنانية” توقف مع الفنان معين شريف أمام هذه المعضلة لنستوضح منه أسباب نقمته على الأوضاع الفنية وما آلت إليه، وحتى السياسية.
يعتبر شريف، أن “ما يحصل في بلد وديع الصافي والرحابنة وفيروز والأعمال التي كانت تُشرِّف أمماً، هو غضب من الله. فتدنِّي المستوى الفني في لبنان والوطن العربي إلى هذا الحدّ، يُنهي الفن”.
ويرى، في حديث عبر موقعنا، أن “الإعلام من العوامل الرئيسية التي أدَّت إلى هذا التدهور، إذ أن معظم الإعلام المريض والمأجور، بحسب وصفه، لا يلقي أضواءه الأساسية على الأعمال ذات المضمون التي بدأت بالانحلال، وهذا يُعتبر مؤامرة و(الصالح يروح بعزا الطالح)”.
ويوضح، أنه “لو تركَّز الاهتمام والدعم نفسه لكل المستوى الفني، لما كنا وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. لا بل نرى أصحاب القرار على الصعيد الفني، في لبنان والوطن العربي، يهتمون بالمستوى المنحطّ للوصول إلى هذا الانحدار”، مشدداً على أن “الفن سلاح، والفوز اليوم لمن لديه الإمكانيات المالية. ولو كان لدي المال لكنت أنهيت كل هذه الموجة، وسلّطت الأضواء على كل الموهوبين العرب”.
ويلفت شريف، إلى أن “هناك إقصاء متعمّداً لنجوم الصف الأول، وهناك جهات متموّلة تشتري الهواء وتفرض النمط الفني الحالي. ولا ننتظر خيراً من شعب يسمع هذا المستوى الذي يقدّمونه له اليوم، وخذوا حضارة الشعوب من فنونها. ففي بلد يسوده المستوى السياسي القائم في بلدنا اليوم، من الطبيعي أن يكون مستواه الفني مشابهاً”.
ويتابع، “عندما يضرب الفساد البلد يضربه بكل المجالات، واليوم وصلنا إلى ضرب الأخلاق. فهناك فنانون يحاولون العودة إلى الساحة، إنما تمويلهم مشروط بإخلاء مضمون فنِّهم وفرض أي كلام يُلهي عن الواقع الذي نعيش فيه. لأنه عندما يسلِّط الفن على هدف معيَّن نستطيع أن نخلق حالة تغيير عند الشعوب، فكلماتنا الملحّنة مسموعة أكثر وتصل للعقول. بالتالي دخل علينا اليوم مفهوم توظيف الفنون في أماكن لا تليق بها، لصالح المصالح السياسية”.
ويشير الفنان شريف، إلى أنه “بحالة نداء دائمة لزملائي، لكن لا حياة لمن تنادي، ولن أرجو أحد لإنتاج أعمال لها قيمتها. علماً أنني قدَّمت مبادرة عبر الإعلام، غير أن لا صدى ولا تجاوباً. فالطقم الفني الذي يشبهني قد رحل مع رحيل الموسيقار ملحم بركات، وأنا أشعر أنني يتيم”.
وينوِّه، إلى أن “هناك موضوعاً واحداً يشغل الفنانين هو الغزل والغرام، علماً أننا لسنا ضد هذا الموضوع نهائياً، لكن الغزل لا يجب أن يكون من النظرة الشيطانية، وهذا لبّ الخلاف وانتقاداتي اليوم”، مضيفاً، “أستطيع الغزل من منظار إلهي جميل، لكن الفنّ اليوم تحوّل لمصلحة إبليس وأدواته في هذه الدنيا”.
وبالنسبة لعمل النقابات الفنية في لبنان، يؤكد شريف أن “عند اتّحادها يصبح لها كلمة. ولا ينقص لبنان أي شيء ليكون مثيلاً لأشقائه العرب كالأردن وسوريا ومصر. فهناك لديهم نقابة واحدة تجمع كل الفنانين، ولديهم وزير وصوت فعّال، ونحن لدينا 8 نقابات وتفرقة بين عناوين فنانين ومشرذمين. علماً أنني حاولت كثيراً توحيد النقابات لكن (إيد وحدها ما بتزقّف)”.
وإذا أردنا الخروج من النقد الفني، ننتقل مع شريف إلى الواجهة السياسية، إذ يعتبر أن “السكون في هذه المرحلة هو الغنيمة، خصوصاً لأنني لا أستطيع مجاملة أحد. ويضيف، “هناك قهر كبير لكنه مُترافق بصبر أكبر، وإيمان بأن الله لن يترك شعباً مثل الشعب اللبناني المظلوم منذ ولادته، ولعلَّ هذا الشعب سيقول كلمته في نهاية المطاف”، مطالباً “الشعب اليوم، بإعادة النظر بما وصلنا إليه، وأن نبدأ بالتفكير لمصلحة هذا الوطن والتوقّف عن تمزيقه. وأتمنَّى أن تتّحد الرؤية لهذا البلد، لأننا أغنياء بثروات لا تُقدّر على كل الأصعدة”.
ويؤكد شريف بشكل حاسم، أنه “لن ينسحب من الساحة أبداً. والأعمال الجديدة تتحضّر في كل الأوقات، والانسحاب ليس عادتي”، ويضيف، “منذ طفولتي وأنا أنادي للوطن الواحد الذي يجمع الجميع مدى الحياة، ولا أزال أنادي حتى الساعة ولم ولن أملّ. فقضيتي قيام الدولة العادلة ووضع استراتيجية دفاعية جامعة ليصار بعدها إلى حصر السلاح الرادع بيد الدولة، فالقناعات لا تُباع ولا تُشرى. لعلَّ وعسى أن يكون هناك آذان صاغية”.