لا يختلف اثنان حول الوضع الراهن الذي بات في عنق الزجاجة. فالمشروعان المتصارعان في لبنان ينحسران في مَن يريد الدّولة الحديثة القادرة والمتطورة، ومن يريد الحفاظ على هذا الأنموذج “المزرعاتي” الذي نعيش فيه راهناً. وهذا المشروع الأخير الذي يحاولون فرضه علينا عبر إسقاط النهج الديمقراطي الذي تقوم عليه دولة لبنان.
نجح محور الممانعة بالسيطرة على السلطة التشريعيّة، أمّا السلطة التنفيذيّة فعطّلها. تبقى السلطة القضائيّة التي سيطر عليها عبر تعيينه القضاة الموالين للعهد في أماكن القرار. وعندما تمّت مواجهة هذه السلطة بأحد القضاة النزيهين، توجّه هذا المحور بشكل مباشر لضرب مفاعيل قدرته وبالقضاء نفسه. وهذا ما جعل لبنان في نظام “الديكتاتوريّة الصامتة” التي يقودها هذا المحور من طهران إلى الضاحية.
ما نعيشه ليس حالة طبيعيّة. إنّها العصفوريّة بعينها. ولا يمكن أن نستمرّ بما نحن عليه اليوم. المطلوب إيقاف هذه المهزلة لأنّها تطاول اللبنانيّين كلّهم. فالأزمة الإقتصاديّة لا تستثني أحداً. أضف عليها هذا الانحطاط القضائي الذي ضرب الـ”System” بالكامل.
عندما دخل ونستون تشرشل إلى مجلس وزرائه بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية، وهدف الجلسة كان البحث في كيفيّة استعادة بريطانيا عافيتها بعد الحرب العالميّة الثانية، توجّه إلى وزير العدل قائلاً، “هل القضاء بخير؟” فأجابه، “نعم”، فقال تشرشل، “إذا كان القضاء بخير فبريطانيا كلّها بخير”. من هذا المنطلق بالذات لبنان اليوم ليس بخير.
فالتوجّه لطلب المساعدة من أيّ ركن من أركان هذه المنظومة المصانَة من قبل المنظّمة هو كمن يرجو من العوسج تيناً. هذا الانقسام العامودي في البلد يترجم راهناً في السلطة القضائيّة التي نجح محور الممانعة بتحويلها أداة طيّعة بيده. وذلك عبر تعطيل التشكيلات القضائيّة التي تمّ أسرها في درج الرئيس السابق، فضلاً عن تعطيل قانون استقلاليّة القضاء الذي تمّ تعطيله من قبل السلطة التشريعيّة الممسوكة من الثنائيّة الشيعيّة.
المخطّط الدنيء بات واضحاً كالشمس: المطلوب تفكيك السلطات كلّها للإنتقال من السيطرة على الدولة العميقة في النظام الديمقراطي إلى الدّولة التي تعتمد الديكتاتوريّة الصامتة التي لا سلطة فيها إلا للبوليس الأمني الذي ستكون أولى ضحاياه الحرّيّة التي طبعت وجوديّة لبنان عبر السنين كلّها.
المطلوب اليوم إحقاق الحقّ لأنّ ما ينتظر لبنان خطير جدّاً إن لم يستكمَل ملف التحقيق في قضيّة تفجير مرفأ بيروت. لكن هذه السلطة لن تستسلم بل ستعمد إلى عمليّة تفكيكيّة للعناصر السياديّة الموجودة في القضاء توصّلاً إلى إخضاع هذه السلطة بالكامل.
وما يجب التوقّف عنده في ما يحصل كلّه هو أنّ المواكبة الشعبيّة والسياسيّة لهذه القضيّة هي التي لا تزال تبقيها حيّة. وهذا ما سيؤدّي حتماً إلى الوصول حتّى الحقيقة. لذلك، هذا القضاء لن يكون مكسر عصا لهذا النّظام الذي يمارس الديكتاتوريّة الصامتة مستخدماً النمطيّة البوليسيّة نفسها التي تستخدمها الأنظمة البعثية والشموليّة والفاشيّة والنازية. لكن لا بدّ للقيد أن ينكسر طالما بقي مَن هو مصمّم على قولة ” لا”، وعلى المواجهة مهما كانت العواقب.
لذلك كلّه، هذا النّظام هو الذي سينكسر تحت قوس القضاء وليس العكس. المهم عدم اليأس والإحباط لأنّ ذلك يشكّل نوعاً من الاستسلام غير المباشر. وهذا ما يسعى هذا المحور إلى تحقيقه ليصل إلى عمليّة الاخضاع الكلّي التي ينتج عنها في نهاية المطاف الاستسلام. حذارِ اليأس والاستسلام. فما من ظالم يستمرّ وما من ظلم يدوم المهمّ ألا نوقف مواجهتنا لهذه السلطة تحت أيّ ضغوط كانت. لذلك مقاومتنا مستمرّة. ومن يصبر إلى المُنتَهَى يخلص.