معركة وادي أبو جميل… سرعة ومباغتة

حجم الخط

تاريخ من تاريخ…

لأننا واجهنا ببسالة دفاعاً عن لبنان، ولأننا نصرّ على بناء الدولة وعلى ألا يتكرر الماضي، نسترجع من ذاكرة الزمن أحداثاً خبرناها، لتكون العبرة لمن اعتبر.

نعم، هي الذكرى للعبرة وليس استفزازاً، الذكرى للقاء عابر مع أبطال صنعوا مجد لبنان ويستحقون العودة إليهم عبر صفحات الوقت. الذكرى لتكريم من كانوا متراساً بأجسادهم ليموتوا هم، ويحيا لبنان.

 

تزامن استمرار الاجتماعات والاقتراحات في القاهرة لصياغة قرار بوقف إطلاق النار في لبنان وتسهيل عمل “قوات السلام العربية” المشتركة، مع وضع أمني كان يشهد تصعيداً على كل الجبهات. كانت الفصائل الفلسطينية تظن ألا مفرّ من احتلال لبنان “لتصل بعدها إلى استعادة فلسطين”، فكانت مع حلفائها تشعل الجبهات، تارة بقصف مجنون وطوراً بقنص الأبرياء والآمنين في منازلهم، لا سيما الموجودون على خطوط التماس ولا يملكون الإمكانيات لينتقلوا الى أماكن أخرى حيث الهدوء وحماية أنفسهم.

في هذه المرحلة، كانت الدولة مشلولة وقد تركت شعبها يعاني غزو الغرباء من دون أن تحرك ساكناً، بسبب الانقسام السياسي والطائفي وتوارث المشكلات، حتى انفجرت أخيراً بوجهها، ولكن من تحمّل العواقب هم المواطنون العزل الذين دفعوا أثماناً باهظة.

كانت مدرسة “الأليانس” في وادي أبو جميل تقع في ذلك الوقت ما بعد خطوط التماس المرسومة في باب ادريس صيف العام 1976، ومن هناك، كان القنص الذي راح يوقع شهداء وجرحى من سكان المنطقة، شبه يومي.

شهدت الحرب في تلك المرحلة تطوراً عسكرياً بارزاً وغير مسبوق عندما اتُخذ قرار عبور الخط الفاصل على الجبهة، وكان المسؤول عن تنفيذه رئيس منطقة الرميل الشهيد فرج عبيد الذي أخذ يُعدُّ العدة والخطة واللوجستية، لإطلاق هجوم نوعي على المدرسة وتحريرها، وجعل مقاتلي الفصائل الفلسطينية يتراجعون إلى الوراء لإراحة السكان الآمنين من أعمال القصف المباشر والقنص. أوعز عبيد إلى الرفيق خريستو حصري آمر فصيلة في منطقة التباريس، نيته الهجوم على مدرسة “الأليانس” في وادي ابو جميل.

نظر خريستو إلى فرج نظرة الواثق من نفسه، وكان الأخير يتوقع الا يرفض رفيقه المهمة الصعبة، نظراً لموقع المدرسة والتحصينات الفلسطينية، خصوصاً أن قتال الشوارع من الأصعب نظراً للالتحام القريب بين المقاتلين.

استمهل خريستو رئيسه لتجميع الشباب وشرح الخطة والتأكد أن كل عنصر في الفصيلة يعرف دوره في مراحل الهجوم كافة، وبعد اكتمال التحضيرات اللوجستية، حُدّدت ساعة الصفر التي كانت تقضي بتركيز دوشكا تطال الأماكن الظاهرة من المدرسة والتي تشكل خطراً على المقاتلين، وعند إطلاق أول صندوق ذخيرة يبدأ الهجوم الجبهوي الذي كان محوره يمتد حتى مدخل المدرسة، وهنا، تحرف أسلحة المساندة نيرانها على المتاريس التي تشكل عائقاً لتقدم المهاجمين.

بدأ التقدم على محور واحد، وفتحت نار جهنم على المقاتلين الفلسطينيين الذي كان عددهم حوالي الـ120 وفق رواية أحد الجرحى الفلسطينيين، وما هي إلا خمس دقائق حتى كانت الفصيلة المُهاجِمة على مدخل المدرسة بإمرة خريستو، حيث دارت معركة من غرفة إلى أخرى. فرّ شباب الفصائل غير مصدقين بأن رجال المقاومة اللبنانية قاموا بهجومٍ جبهي واخترقوا دفاعاتهم وأصبحوا داخل متاريسهم بعدد صغير من المقاتلين.

بعد تحرير المدرسة وتطهير كل الطوابق والغرف والممرات والتأكد من عدم وجود أي مسلّح غريب، تكشّفت قوة المعركة، وتبيّن سقوط 20 قتيلاً من “شباب المنظمات” وعدد من الجرحى.

أراد خريستو أن يستكمل لحظات النصر. قرّر بعد التشاور مع رفاقه إكمال الهجوم، لكن تبيّن أن شباب المنظمات الفلسطينية تراجعوا مسافات كبيرة إلى الوراء، إلاّ أن خريستو أكمل الهجوم حتى وصل الى برج المر ما اعتبر حدثاً غير مسبوق في الحرب اللبنانية. وبعد أوامر حازمة بالانسحاب، جمع خريستو فصيلته وغادر إلى مقره في التباريس، في حين بقيت هذه الخطوط حتى انتهاء الحرب اللبنانية. أمّا هدف الانسحاب فكان لحصر الانفلاش وتركيز الجبهة، مع الإشارة الى أنه لم يسقط أي شهيد أو جريح في هذه المعركة.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل