بين الضفة وأصفهان والبو كمال: سيناريوهات بدء الصراع العسكري

حجم الخط

سجلت الساعات والأيام القليلة الأخيرة في المنطقة، تطورات عسكرية تزامنت مع تصاعد التوتر في إسرائيل ولو على خلفية حادثة كنيس بني يعقوب في القدس الشرقية. وهذه المرة، صبّت هذه التطورات العسكرية بشكل مركز على الداخل الإيراني وعلى مواقع الحرس الثوري شرقي سوريا.

علماً أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، وضعت منذ تشكيلها نصب أعينها البرنامج النووي الإيراني. وبالأمس، صدرت مواقف لافتة من إدارة البيت الأبيض ومن المفاوض الأميركي في الملف النووي روبيرت مالي، أكدت كلها أن الخيار العسكري يبقى الملاذ الأخير في حال فشل الدبلوماسية مع إيران وان واشنطن لن تسمح باي حال من الأحوال لإيران بامتلاك السلاح النووي ولو اضطرها الى استخدام الورقة العسكرية.

كلام أميركي عالي النبرة تزامن مع زيارة وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن لمصر ومن ثم الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، عمودها الفقري لجم التصعيد بين الإسرائيليين والفلسطينيين والدفع باتجاه مزيد من التطبيع مع الدول العربية.

ولأن استكمال التطبيع مع الدول العربية فضلاً عن كونه ضرورة ملحة لواشنطن كما لتل أبيب، والأمر يتطلب قبل أي شيء البت بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وبما أن لا تطبيع ممكن خارج هذه المعادلة، وبما أن حصول الفلسطينيين، لو تم، على دولتهم، ينهي الدور الإيراني المهيمن على القرار الفلسطيني الموالي لطهران بحجة القضية الفلسطينية والاحتلال والصراع. وبما انه من المستحيل جعل التطبيع يأخذ مجراه الطبيعي والإيجابي في ظل التوتر والتصعيد والاقتتال بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فتكون بذلك إيران مصلحة مباشرة في قطع الطريق أمام التطبيع من خلال إشعال الجبهة الفلسطينية.

ويلاحظ أن التوتر هذه المرة وإشعال الجبهة الفلسطينية جاء من الضفة الغربية لا من قطاع غزة، الأمر الذي يؤكد التحاليل السابقة من أن ايران وبعد استيلائها على قطاع غزة، من باب الدعم والمساندة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، إنما تريد أيضاً وضع اليد على القرار الفلسطيني في الضفة أيضاً في لحظة ضعف وترهل رئاسة محمود عباس وقيادته وغياب القيادة الفلسطينية القادرة على اتخاذ القرارات، ما سيرتب بعد التصعيد ترتيبات أمنية سياسية تعيد الضفة والقدس الشرقية إلى كنف الإدارة الهاشمية الأردنية فيما تلحق غزة بإدارة مصرية، قطعاً للطريق أمام التوغل والسيطرة والهيمنة الإيرانية على الضفة التي تهدد ليس فقط امن إسرائيل المباشر بل وأيضاً أمن الأردن الذي لطالما حذر الملك عبدالله من خطره على الحدود مع الأردن شمالاً من الأراضي السورية وغرباً من الضفة الغربية.

فمن خلال هذه المشهدية العامة أعلاه، وبصورة مفاجئة بالمبدأ، ومنذ أيام قليلة، قفزت مدينة أصفهان الإيرانية في واجهة الأخبار وتصدرت عناوين الأخبار من باب الصراع الإيراني الإسرائيلي، الذي بدأ يخرج الى العلن، إذ نفذ هجوم على مركز تصنيع حربي في المدينة وسط إيران. ووقع الهجوم على المجمع الصناعي، حسب البيانات الرسمية الإيرانية، مساء السبت الماضي.

واللافت، إثر وقوع الهجوم أسلوب تعاطي وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية وشبه الرسمية مع الحدث والذي اتصف بالخروج عن الكتمان، لتنشر بيان وزارة الدفاع الإيرانية، فيما لاحظت  وسائل إعلام غربية أن طهران لم تتكتم عن الهجوم، وتضمن البيان نقاط أساسية دلت على الصفة غير المسبوقة للحدث، إذ ورد في البيان الرسمي الإيراني أن الضربة استهدفت منشأة عسكرية في مدينة أصفهان وأحد مجمعات الصناعات الدفاعية التابعة للوزارة في أصفهان تعرض لهجوم فاشل بأجسام طائرة صغيرة (مسيرات) أصيب إحداها من قبل الدفاع الجوي للمجمع فيما انفجرت الاثنتان الأخريان.

واعتبر البيان الرسمي أن الهجوم (التي وصفته بالفاشل) لم يسفر عن وقوع ضحايا فيما لحقت أضرار طفيفة بسقف المصنع، ولم تتسبب في إحداث خلل في معدات ومهمات المجمع.

صحيفة “نيويورك تايمز” من جهتها أكدت أن إسرائيل هي التي نفذت الهجوم عبر طائرات مسيرة، ما أسفر عن انفجار كبير في وسط مدينة أصفهان السبت وبحسب الصحيفة، يقف جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلية “الموساد” وراء العملية.

صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلت عن مسؤولين أميركيين وأشخاص مطلعين على الأمر أن الذي نفذ الهجوم على أصفهان هو إسرائيل فيما القناة 12″ الإسرائيلية أكدت أن الهجوم استهدف منشأة لصناعة الطائرة المسيرة “شاهد 136”.

فالهجوم المشار إليه وفضلاً عن كونه فريداً من نوعه وغير مسبوق، إلا أنه يحتمل اكثر من إشارة تترابط مع أكثر من ملف إقليمي ودولي لا سيما أن مدينة أصفهان لطالما اعتبرت مركزاً لصناعة الصواريخ الإيرانية وأبحاثها وتطويرها وحيث تجمع فيها صواريخ متوسطة المدى مثل “شهاب” ومن تلك المصانع يتم تصنيع المسيرات التي ترسل الى روسيا في حربها على أوكرانيا، ما يمكن أن يدفع إلى القول إن من بين أهداف الهجوم الإسرائيلي إيصال رسالة الى الروس بعدم رضى الولايات المتحدة عبر إسرائيل على التعاون الروسي الإيراني في موضوع تزوُّد موسكو بالمسيرات الإيرانية، في وقت تبحث واشنطن وتل أبيب في سبل مواجهة برنامج إيران النووي، ومن هنا أهمية كون هذا الهجوم الأول في حكومة نتنياهو اليمينية الجديدة.

ولم تكد الأخبار تكتفي بتغطية الهجوم على أصفهان حتى سجل حدث أمني عسكري خطير وعلى جانب كبير من الأهمية تمثل بالأمس في الهجوم الذي نفذ بطائرات مسيرة على رتل شاحنات بالمنطقة الواقعة تحت سيطرة الحرس الثوري في سوريا حيث استهدفت طائرات مسيرة قافلة شاحنات في منطقة واقعة تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني شرقي سوريا في لحظة عبور الشاحنات من العراق إلى الأراضي السورية.

المرصد السوري لحقوق الإنسان أفأد بان هذه الطائرات المسيرة من التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وأضاف أنها استهدفت ست شاحنات مبردة في هذا الهجوم. وأعلنت هذه المجموعة أن هذا الهجوم تسبب أيضًا في وقوع إصابات إذ أمكن رؤية سيارات الإسعاف وهي تهرع الى مكان الهجوم. وأفيد لاحقاً أن الهجوم استهدف شاحنات تحمل أسلحة وصواريخ الى منطقة تعتبر قاعدة للمليشيات المدعومة من إيران.

ولفت هذا الهجوم في توقيته، وقوعه بعد وقت قصير من استهداف طائرات مسيرة محملة بالقنابل مصنعاً عسكريا في مدينة أصفهان. فبنظرة استراتيجية الى الأحداث المندلعة في الضفة الغربية والى الهجومين الكبيرين على مصانع أصفهان العسكرية وشاحنات البو كمال المحملة بصواريخ الى حلفاء ايران في الداخل السوري يمكن القول إننا دخلنا مرحلة التصعيد العسكري بين إسرائيل وايران في المنطقة مع ما سيستتبعه ذلك من خلط أوراق جديد وإعادة ترتيب أولويات إقليمية تمهيداً لمواجهة العاصفة العاتية التي ستغير الكثير من المعادلات وتطيح الكثير من المقدسات والثوابت وخصوصاً في سوريا والضفة الغربية الساحتين الأساسيتين للمواجهة قد تتوسعان اذا ما كتب للهيمنة الإيرانية على دول المنطقة المحتلة من طهران أن تنتهي.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل