خديعة لجم الدولار بالأمن… “تركيب طرابيش وبهلوانيات”

حجم الخط

ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطة للتعامل مع أزمة ارتفاع الدولار ومحاولة لجم ارتفاعه المضطرد، منذ اندلاع الأزمة في تشرين الأول العام 2019، من زاوية أمنية بوليسية قضائية، فقط. هذا بغضِّ النظر عن ضرورة وواجب ملاحقة المضاربين على الليرة، الذين يثرون على حساب لقمة عيش اللبنانيين وانهيار قدرتهم الشرائية.

لكن خديعة لجم ارتفاع الدولار عبر الأمن فقط شيء، ومحاولة التنصُّل من تحمّل المسؤولين لمسؤولياتهم ومعالجة الأسباب الفعلية للانهيار شيء آخر تماماً. فهل يمكن لكتاب المدعّي العام التمييزي غسان عويدات الذي وجَّهه إلى النائب العام المالي علي إبراهيم، طالباً فيه تسطير استنابات قضائية فورية إلى أفراد الضابطة العدلية كافةً، لإجراء التعقّبات والتحقيقات الأولية والعمل على توقيف الصرّافين والمضاربين على العملة الوطنية والتسبّب بانهيارها… أن يوقف ارتفاع الدولار؟

علماً أن كتاب عويدات يأتي بعد الاتفاق على هذه الخطوة، بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في الاجتماع الذي ضمَّهم نهاية الأسبوع الماضي.

الجميع يذكر حملة التوقيفات التي شنَّتها السلطة الحاكمة في أيار العام 2020، والتي طاولت عدداً كبيراً من الصرّافين وصولاً إلى ختم شركات كبرى للصرافة بالشمع الأحمر، بحجة عدم الالتزام بالسعر الرسمي للدولار على 1.500 ليرة. في حين كانت السوق تعاني من شحّ بالسيولة ومصرف لبنان لا يؤمِّنها، ما أدَّى إلى ارتفاع طبيعيّ للدولار في السوق الفعلية، التي باتت تُعرف بالسوق السوداء أو السوق الموازية. وماذا كانت النتيجة؟

المفارقة أن الدولار في نهاية أيار العام 2020 كان ما دون الـ4.000 ليرة، لكنه مع بدء تطبيق قرار لجمه بالتوافق بين السلطات النقدية والمالية والسياسية من خلال الوسائل الأمنية واعتقال عدد من الصرافين، قفز في نهاية حزيران إلى نحو 6.000 ليرة. علماً أن الأمر لم يطل، وأُطلق لاحقاً سراح جميع الموقوفين. في حين استمر الدولار بتصاعده، وصولاً إلى تخطِّيه قبل أيام عتبة الـ63.000 ليرة، قبل أن ينخفض مجدداً نحو 4.000 ليرة، حيث يتمّ التداول به حالياً عند معدّل الـ58.000 ليرة تقريباً.

الخبير المالي والاقتصادي لويس حبيقة، يؤكد أن “محاولات لجم الدولار بالوسائل الأمنية لا توصل إلى نتيجة”. ويستدرك أنه بالتأكيد “مع تطبيق القوانين المرعية الإجراء على هذا الصعيد حيث تدعو الحاجة، لكن هل تطبيقها سيحلّ المشكلة المطروحة؟ أكيد لا”، معتبراً أن “ما يقوم به المسؤولون هو عملية تضييع للوقت، أو (فشّة خلق)، للقول إنهم يقومون بشيء ما ويطبِّقون القوانين”.

ويعتبر حبيقة، أن “المشكلة تعالَج في غير موقعها”، مشبِّهاً ما يحصل بـ”مريض يعاني من مرض عضال في المعدة، والطبيب لا يعلم ما هو العلاج المناسب، أو أن العلاج صعب ومستعصٍ، فيلجأ إلى علاج أوجاع الرأس التي يعانيها المريض كمضاعفات للمرض بإعطائه (بندول)، فربما ينسى أوجاع المعدة. وإن زادت أوجاع المريض يعطيه إبرة (مورفين)”.

ويلفت، إلى أن “المسألة ليست في وجود صرّافين، قانونيِّين أو غير قانونيِّين، مع التشديد على تطبيق القوانين. لكن إذا أزحنا اليوم ما يعرف بالصرّافين غير القانونيِّين من السوق، هل ينخفض الدولار إلى مستويات متدنيّة؟ أكيد لا، بل لعلَّ هؤلاء يلبُّون حاجة لدى الناس”.

ويشرح، أنه “حتى ولو لم يكونوا قانونيِّين، هم يوفّرون الدولار للمواطن أو التاجر الذي يحتاجه. وربما إذا تم توقيف هؤلاء الصرّافين عن العمل، يرتفع الدولار أكثر، إذ ستهجم الناس على الصرّافين الشرعيّين وسيتضاعف الطلب على الدولار لديهم إلى مستويات عالية، ما سيدفعه إلى الارتفاع حُكماً”.

ويضيف، “في هذه الحالة، كل مواطن يملك الدولار ربما يتحوَّل إلى صرّاف، ومن حقِّه أن يبيع الدولار لأي مواطن آخر إذا طلب شراءه منه، كما يريد وبالسعر الذي يراه مناسباً، لأن هذه دولاراته الخاصة ولا أحد يمكنه أن يلزمه ببيعها على سعر معيَّن”.

ويعتبر حبيقة، أن “لبّ الأزمة، في أن اللبناني اليوم خائف وقلق ولا ثقة لديه بأي شيء، لأن الوضع غير مطمئن، بل مخيف. بالتالي هو يتعلَّق بـ(حبال الهوا)، المتمثِّلة بالدولار، ليحمي نفسه ويحافظ على قيمة مدّخراته والأموال التي بحوزته، فيتهافت على شرائه كضمانة وحماية للمستقبل”.

ويشدد، على أن “المشكلة في لبنان معروفة، وهي سياسية ـ اجتماعية ـ أخلاقية، تنعكس على الاقتصاد. وطالما لا رئيس جمهورية، ولا حكومة، ولا مؤسسات، و(الزعبرة) سائدة والفساد ينخر على المستويات كافّة، (فالج لا تعالج). والأهم، أن موضوع الدولار خرج عن سيطرة مصرف لبنان، في حين يُطلب منه السيطرة عليه، بينما هو بالفعل غير قادر ولا يملك الأدوات والوضعية التي تسمح له بذلك. وجلّ ما يحاوله هو مجرّد تدخّلات، وألعاب بهلوانية، و(تركيب طرابيش)”.

وبرأي حبيقة، أنه “لو كنا في وضع طبيعيّ، كان يُفترض بحاكم مصرف لبنان، بغضِّ النظر عن الشخص وأيّاً كان، أن يقول للمسؤولين إن المشكلة في لبنان ليست نقدية وتطلبون منّي حلَّها على مستوى النقد. عذراً، هذا موضوع غير نقديّ ولا يُحلّ بالنقد، هذه استقالتي وتدبّروا أمركم”.

ويعتبر، أن “حاكم البنك المركزي، بطلبه تدخُّل كل الأجهزة الأمنية والقضائية لتوقيف المضاربين على الليرة قبل أن يتدخَّل للجم السوق، يلعب لعبة المسؤولين ذاتها التي يلعبونها ضدّه. بمعنى أن الطرفين يتقاذفان المسؤولية، هم يقولون لمصرف لبنان أنت لا تقوم بعملك كما يجب لضبط السوق، فيجيبهم أوقفوا المضاربين والصرافين غير الشرعيِّين أولاً ليؤتي تدخّلي نتائج إيجابية”.

وينوِّه، إلى أن “المعنيِّين يفهمون المسألة بطريقة مغلوطة. فبالنسبة لهم إن تمَّ الحدّ من مصادر الدولار في السوق، يتمّ السيطرة عليه، بينما (المبدأ بالمقلوب) والعكس هو الصحيح. فإن تمّ التخفيف من مصادر تأمين الدولار وتوفُّره في السوق بالكميات التي تطلبها الناس، يرتفع نتيجة الطلب ولا ينخفض”.

ويوضح، أن “الناس يتهافتون على الدولار لأن الوضع سيِّئ وغير مطمئن، كما أشرنا. بالتالي، ليحسنُّوا الوضع على المستوى السياسي والمؤسسات والانتظام العام، لا يعود اللبناني متعلِّقاً بالدولار إلى هذه الدرجة. فعرض الدولار يبقى أقل من الطلب عليه، لأن مالكيه لا يفرِّطون به نتيجة فقدان الثقة بالوضع القائم وانسداد الأفق”.

ويضيف، “هذه مسألة لا يمكن لمصرف لبنان حلَّها مهما اتَّخذ من إجراءات. وطالما لا رئيس جمهورية ولا حكومة ولا مؤسسات، وأخيراً برزت الأزمة الخطيرة في القضاء، فماذا يبقى في لبنان في ظلّ ما نشهده من تدمير الثقة بالمؤسسات، كالقضاء والبنك المركزي على سبيل المثال؟”.

ويلفت، إلى أننا “نحتاج إلى سنوات لاستعادة الثقة بمؤسساتنا، هذا في حال افترضنا أننا بدأنا اليوم بالقيام بكل ما هو مطلوب على صعيد الانتظام والاستقرار السياسي والإصلاحات”، مكرِّراً أن “المشكلة ليست نقدية بل في السياسة، ومصرف لبنان لا يمكنه حلَّها”.

بالتالي، يتابع حبيقة، “الدولار سيبقى على مساره التصاعديّ في المرحلة المقبلة، نتيجة الطلب. وربما نصل إلى مرحلة تُسعَّر كل السلع والبضائع في السوبرماركت وعلى محطات البنزين وغيرها، بالدولار، ويُطلب ثمنها بالدولار النقدي، لا بالليرة اللبنانية على سعر الدولار في سوق الصرف. فمن أين سنأتي بالدولارات إذا حدَّينا من مصادر تأمينه للسوق؟”.

أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانبة

خبر عاجل