استمر العهد السابق حتى اللحظة الأخيرة في التسويف والمراوغة حتى دنت الساعة الأخيرة من ولايته ولم يكن للبلاد رئيس خلف بحيث سلم الرئيس السابق ميشال عون السلطة للفراغ والمجهول.
هذا الفراغ الذي شارك في إحداثه الى جانب الثنائي الشيعي، التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل بمباركة عون، طمعاً في وصول باسيل إلى السدة الرئاسية الأولى ما لبث أن انقلب عليه وعلى تياره كابوساً، تجلى في آخر مراحله خلافاً مستحكماً مع الحليف الشيعي حزب الله على أولوية دعم ترشيحه على ما عداهم من مرشحين وفي طليعتهم صديقهم وحليفهم المسيحي الآخر سليمان فرنجية.
وتظهرت الصورة البشعة والمقيتة في جلسات مجلس النواب الفولكلورية والتي من المفترض أن يكون بحسب المادة (75) من الدستور في حالة التئام كهيئة انتخابية لا هيئة تشريعية ما يرتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أو أي عمل آخر.
فالشروع حالاً يفترض انعقاد جلسات متتالية حتى انتخاب رئيس للجمهورية. والشروع حالاً يفترض أن يكون هناك على الأقل مرشحان يتنافسان، والا مرشح توافق عليه الكتل النيابية، الأمر المستحيل حالياً في لبنان مع التركيبة القائمة.
والشروع حالاً يفترض ألا ينفض عقد المجلس قبل التوصل الى انتخاب رئيس على قدر ما يلزم من جلسات متتالية ومتتابعة لا يخرج خلالها النواب من القاعة قبل انتخاب رئيس جديد.
لكن أين نحن من كل هذا الدستوري والقانوني؟
حزب الله قرر خوض معركة “اللاانتخاب” رئيس للجمهورية، وهو على الرغم من كل مواقفه الظاهرية المعلنة يسعى جاهداً إلى أن يكون الرئيس عون آخر رئيس للبنان الذي نعرفه ما لم تأت دمية بين يديه الى قصر بعبدا كما كان الحال طوال ست سنوات عجاف.
المادة 74 من الدستور كما المادة 75 لم تشترطان عقد طاولات حوار لانتخاب رئيس، بل الذهاب الى انتخاب رئيس تحت قبة البرلمان وبحسب المادة (74) … ولأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فورا بحكم القانون إذا خلت سدة الرئاسة لاي سبب… ما يعني أن الوجهة الدستورية والآلية التي تكلم عنها الدستور وجهة والية مؤسساتية وشرعية لا يمكن الإطاحة بها من أجل الولوج الى حوار أساسه مستحيل في ظل الانقسام العامودي في البلاد.
فأي رئيس نريد؟
نحن كسياديين نريد رئيساً سيادياً مستقلاً وإصلاحياً بعيداً كل البعد عن أي تأثير أو تأثر بحزب الله وأجندته الإيرانية في لبنان والإقليم.
نحن كسياديين نريد لبنان يشبهنا من حيث الانفتاح والازدهار والسلام والاستقلال والرسالة التاريخية الفريدة للبنان، والسيادة للبنانيين دون سواهم… أما هم فيريدون رئيساً مطواعاً ومتعاوناً يساعدهم على استكمال الإطباق الكلي على أي أمل بلبنان خدمة لمصالح وسياسات إيران في المنطقة.
نريد رئيساً يحكم باسم اللبنانيين من أجل اللبنانيين بينما هم يريدون رئيساً يحكم باسم إيران في لبنان ولصالح إيران على حساب مصلحة لبنان.
نريد رئيساً يحيي الثقة العربية والدولية بلبنان، لا رئيساً تقتصر الكرة الأرضية لديه على الجمهورية الإسلامية في إيران وسوريا.
نريد رئيساً يعيد لبنان على خريطة العالم الثقافي والتربوي والاستشفائي والفندقي والسياحي والفني والفكري والإعلامي في المنطقة والعالم. لبنان مزدهر اقتصادياً ومالياً لا لبنان تابعاً لإيران مفلساً ومنهاراً.
لقد أظهر حكم حزب الله في لبنان مساوئه الكوارثية طوال فترة حكم عون، بحيث انهار في ظل حكمه كل شيء في لبنان وبات الشعب اللبناني في أكثريته الساحقة تحت خط الفقر… وفي حالة مزرية من الفاقة والجوع والحرمان.
دولياً، حكم حزب الله عزل لبنان بالعقوبات التي انهالت عليه نتيجة مصادرته القرار اللبناني واختطاف سيادته لصالح أجندة طهران الإقليمية.
عربياً، حكم حزب الله عزل لبنان عن أشقائه والعرب والخليجيين نتيجة أعماله العدائية ضدهم باسم ولحساب ولصالح أجندة طهران الإقليمية التوسعية.
لبنانياً، حكم حزب الله دمر الاقتصاد والتجارة والمالية والاستثمارات كافة، وبغض النظر عن انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 الذي قضى على الأخضر واليابس بسبب الأمونيوم والنترات التي أدخلت الى لبنان ولا يزال الحزب يحارب التحقيق والمحقق العدلي ويحمي المتهمين من نواب ووزراء ومسؤولين على اعلى المستويات.
حزب الله الذي جاهر بقتله رئيس الحكومة رفيق الحريري وشهداء ثورة الأرز، واعتبر القتلة قديسين جهاراً هو نفسه الحزب الذي يقتل وبدم بارد وطناً بكامله ويحاول تغيير وظيفته وثقافته ووجهه الحضاري ودوره الإقليمي والعالمي.
فعن أية جمهورية نتكلم لأي رئيس لتلك الجمهورية على أهمية الاستحقاق الدستوري وأولويته؟
لا يمكننا الاستمرار بعد اليوم في مثل هذه الجمهورية التي فرضها علينا الحزب، فهذه الجمهورية لا تشبهنا كلبنانيين مسلمين ومسيحيين ولا تشبه قسم جبران تويني في العام 2005.
لا يمكننا بعد اليوم الاكتفاء بمعالجة القشور وتدوير الزوايا على قاعدة أننا أم الصبي، وقد ذبح الصبي على مذبح الأنانيات والمصالح الشخصية والفساد والسلاح وفلتان الحدود المحمية والمصادرة من الحزب وتهريب الكبتاغون وتصدير القباحات الى الأشقاء والأصدقاء ودول العالم.
هل ندرك أن الليرة اللبنانية فقدت رسمياً نحو 90% من قيمتها بعد قرار المصرف المركزي بتحديد سعر الصرف للدولار الواحد بـ15 الف ليرة؟
هل ندرك أن نسبة ثمانين بالمئة من الشعب اللبناني تعيش تحت خط الفقر؟ وقد وصلت نسبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الى 1200 % وهذا الجنون في الأسعار انعكس بطبيعة الحال على أسعار المحروقات بتخطي المليون ليرة ثمن الصفيحة؟
والواضح والجلي أن انهيار العملة اللبنانية يتزامن مع انهيار العملة الإيرانية نفسها تلك العملة التي يريدنا حزب الله أن نستحضر نموذجها ونموذج اقتصادها وقد رأينا ولا نزال نتائج الكارثية لربطنا بإيران وأجندتها.
العملة السورية انهارت أيضاً وكذلك العراقية والصدف أنها عملات الدول المحتلة من إيران.
وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة لوموند الفرنسية أن الهلال الشيعي المؤلف من العراق ولبنان وسوريا والذي أنشأته إيران يمر بمرحلة سيئة ويمكن أن تكون هذه المرحلة قاتلة مضيفة أن هذه الدول المصنفة على أنها تشكل محور المقاومة تبدو مع بداية العام 2023 مهددة أكثر من أي وقت مضى بالاضمحلال لسبب مرتبط بندرة الدولار أكثر من ارتباطه بالهجمات العسكرية لأعدائها… واعتبرت الصحيفة أن الدول الأربع؛ ايران والعراق وسوريا ولبنان مفلسة بحكم الأمر الواقع.
لذا على حزب الله أن يفهم ويستوعب أن لعبة السيطرة على لبنان واستمرار هيمنته على القرار اللبناني انتهت، وأن الجمهورية التي نريد لها رئيساً هي غير نموذج جمهوريته والرئيس الذي نريده لجمهوريتنا اللبنانية هو غير الرئيس الذي يريده عميلا له ومطية لهيمنته والإمعان في إمساكه بمفاصل الدولة وتدمير ما تبقى من الحجر والبشر.