أُمَّة مارون إرتفعت به ومعه… القداسة والحريَّة والشهادة

حجم الخط

كتب ميشال يونس في “المسيرة” – العدد 1737

أُمَّة مارون إرتفعت به ومعه

… القداسة والحريَّة والشهادة

راهبُ رهبانِ القرِن الرّابعِ، الآراميُّ المَهدِ والزُّهدِ المعروفِ بالسيِّدِ الصَّغير أَوقَد نجمةَ الصُّبحِ سراجًا لناظرَيه وترنيمةً لِفَمِه، ونهضَ نازحًا عن مخادع الأضواء وكمائنِ الضَّوضاء مُرتقيًا هِضاب قورش أرتقاء أنبياء مُترهِّبينَ للرؤيا الألمع إشاراتٍ وعلاماتٍ والأغزر معانيَ وأهداف. ولم يكُن قورشُه إلاَّ جبلٌ منذورُ العُلوِّ والأرتفاعِ للمزمور المائةِ والحادي والعشرين: «رفعتُ عينايَ إلى الجبالِ، مِن حيثُ تأتي إعانتي، معونتي من عند الربِّ صانع السماواتِ والأرض»!

 

مارون القِمَّة

مارون القمَّةُ يسكنُ الشاهقَ الجُرديَّ المُتجرِّدَ عن كلِّ ما ليس له قيمةً ومقامًا في عينِ سيِّده الذي لا يملكُ حَجرًا يُتكي عليه رأسه، فالأحجارُ الوسائدُ في مشاعاتِ أملاك الأرض الأميريةِ لا تُعطى إلاَّ لمَن تملَّكوا حظوةً في عيون أُمراء الزَّمان، ولِمن تملَّقوا حُجّابَ القصور! «فكان غيمةً تُظلِّلُ عالمَه المرتفعَ المُترفِّعَ تُلوِّنُه فصلاً بألوان الشعاع وفصلاً بألوان الثلج والمطر، وكان غيمةً تمرَّسَ وإياها على فهمِ أسرارِ خميس صعود الأبنِ عائدًا إلى أبيهِ على مَتنِ سحابة السَّماء!

عندَ مُستَقَرِّ ذلك الفَوقِ الذي لا فوقُ فوقَه إمتلكَ مارونُ الرَّائدُ الزَّاهدُ ثلاثةَ سقوفٍ مُتوازيَّةٍ مُتآلفةٍ مُتفاهمةٍ، أوَّلُها سقفُ إسكيمٍ ملائكيٍّ مِن نسيجِ مَظالِ يوم التَّجلّي تلكَ التي ألهَبَت حماسةَ سمعان بطرس المُجاهرَ عاليًا المُصارحَ معلِّمَه: «حَسَنٌ أن نبقى ههنا يا مُعلِّم». وثانيها سقفُ خيمةٍ خاليَّةِ الأساسِ خاويَّةِ الرفاهيَّةِ، ثَريَّةٍ بأرصِدةِ معاني ومُعاناةِ التَّخلِّي الكُلِّيِّ عن كلِّ راحةٍ وأستراحةٍ واسترخاءٍ، تجابهَ فيها وتواجهَ مع هجير شمس الصَّيفِ وقارسِ صقيع الشتاء. وأمَّا ثالثُ سقوف مورون الألهي فكان غَيمةً تُظلِّلُ عالمَه المرتفعَ المُترفِّع تُلوِّنُه فصلاً بألوان الشُّعاعِ  وفصلاً بألوانِ الثّلجِ والمطر!!

 

مارون الأمّة

مارون الأُمَّةُ، أمَّةٌ ارتفعت به ومعه ارتفاع الأرز في لبنان والسَّروِ في حَرَمون، أُمَةٌ تكوَّنَت وجودًا وحدودًا ونشيدًا بِالبنيانِ الأقدمِ دهورًا لِسِفرِ الأناشيد: «هلُمِّي معي من لبنان، أيَّتُها العروسةُ، من جبالِ النمور ومرابض الأسود. «والعروسةُ في أُمَّة مارون تُعرَفُ بثلاثة أسماء: القداسةُ والحريَّةُ والشَّهادة. وهذا الثالوثُ اللبنانيُّ الأقدس هو الذي أنزلَ إلى شعبه لوحَ وصايا قد خُطَّت عليه وصيَّةٌ واحدةٌ وحيدةٌ: أنا هو لبنانُ وطنَك فلا يكن لكَ وطنٌ غيري!

مارونُ الأرضُ، أرضُ الإنتماء الجذريِّ الجزوريِّ لصوتِ الربِّ الجَّهيرِ الآمرِ النّاهي موسى القديمِ وكلِّ موسى مُستجدٍّ: «إخلع نعليكَ من رِجليكَ فالأرضُ الواقفُ عليها هي أرضٌ  مُقدَّسة».  ما كانت بالأمسِ البعيدِ والقريبِ ولن تكون في الغَدِ الأقرَبِ والأبعدِ جائزة ترضيَّةٍ لأي مركزِ قرارٍ محليٍّ وأقليميٍّ وعالميٍّ، وهذا ما أثبَتَته الوقائعُ والمواقعُ منذ 1600 سنة، كانَ فيها العليُّ القديرُ وحدُه أَمينًا على حماية وبقاء وصمود «قطيعٍ صغيرٍ» لم يخشَ طوال أجياله عواتيَ الدهرِ وأهوالَه وتهويلاتِه ما دام الربُّ راعيَّه وسندَه في أمانةِ المحافظةِ على وديعةِ الأيمان. ولأجل هذه الأمانة الأبدية قد أولدَه آباؤه الأوَّلون في مزواد الصَّخور والكهوف وأضجَعوه على فُرشِ الشّوكِ وقمَّطوه بلحائف الغيوم والرياح!

 

القوروشيّة الحاضرة أبداً

مارون الديار والأديار ذات القوانين المُصطفاةِ من تلامذتِه الأوَّلين الأفذاذ تلاميذُ مدرسةِ القورشيّةِ المعروفين «بأصفياء الله» الذين أعطوا كلَّ ما تملكُ خياراتهم وأختياراتهم لألههم القدوس ولم يعطوا قيصر شيئًا لا من عقولِهم ولا من ضمائرهم ولا من حواسِّهم ولا من بصائرهم ولا من أسماعِهم ولا من أياديهم. وإنَّهم في حاليّاتنا الرهبانيّة اللبنانية يتجدَّدون ويتجذَّرون ويتنشَّأون في العيشةِ القورشيّةِ داخل رهبانية بيت مارون!

مارون البيعةِ والكنيسةِ، إنَّ بيعتَه وكنيستَه هذه الأيام تستدعيَه من قورشِه ومحبسة خيمتِه ليبحث معها عن صخرةٍ لبطرسِها لا تهتزّ عليها ثقة المعلم يسوع به.. وليبحث معها عن بُطرس لصخرتِها يحوزُ على كامل ثقة الروح القدس وثِقَتِه وثقةِ بطريرك أمَّتِه الأول يوحنا مارون وثقةِ أحبارِ عصيِّ الخَشَب ونفوس الذّهب!

 

يسوع الصوت والسوط

مارون الوطنُ الدَّارُ العميق التأسيس الكامل الأساس بالذي أقتناه له قدّيسوه ونسّاكُه وأبطالُه وشهداؤه قد تحطَّم اليومَ أو يكادُ يتحطُّمُ بالكراسي والدواوين.. قد أُنهِكَ اليومَ أو يكادُ يُنهكُ بأثقال المناصبِ وأوزار الرئاسات ونُصُبِ الأصنام ..قد تلاشى اليوم خبزًا ودواءً وكرامةً أو يكادُ يتلاشى بمخازي الشركةِ التجاريَّةِ لاستيراد وتصدير «حقوق الموارنة وسائر المسيحيين» التي لم تجد حتَّى الساعةَ مَن يغلِقُها بمفتاح يسوع الغاضب الصَّافعِ بالصَّوتِ والسّوط تجار الهيكل اللبناني وصيارفَتَه وآكلي أموال أيتامِه وأراملِه!

مارون لبنان ولبنان مارون هو غيرُ المُتسكِّعِ على مداخل وردهات مكاتب سفارات الهجرة أو التهجير اللاهث خلفَ جوازات السَّفرِ لُهاثَ الأبن المُتخلِّي عن أبيه في محنتِه… مارون لبنان أو لبنان مارون، هوَّ ذاتُه لبنان الساكن وصيّة عظيم أنطاكيا وسائر المشرق وكبير صرح مجد لبنان مار نصرالله بطرس صفير: «الأوطانُ لا تُحمَلُ في الجيوب، مَن حملَ وطنَه في جيبِه لا وطن له»!!!

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل