مارون غنّام ورفاقه في مواجهة أمواج الاحتلال السوري في قنات!

حجم الخط

تاريخ من تاريخ…

لأننا واجهنا ببسالة دفاعاً عن لبنان، ولأننا نصرّ على بناء الدولة وعلى ألا يتكرر الماضي، نسترجع من ذاكرة الزمن أحداثاً خبرناها، لتكون العبرة لمن اعتبر.

نعم، هي الذكرى للعبرة وليس استفزازاً، الذكرى للقاء عابر مع أبطال صنعوا مجد لبنان ويستحقون العودة إليهم عبر صفحات الوقت. الذكرى لتكريم من كانوا متراساً بأجسادهم ليموتوا هم، ويحيا لبنان.

 

تكتّل أهالي بلدة قنات وتجمّعوا للدفاع عن بلدتهم في مواجهة السوريين بهدف منعهم من دخول البلدة، وبعد 15 يوماً من صمود الأهالي ونخبة مقاتلي “القوات اللبنانية”، أرسلت القيادة إلى هناك مارون غنّام للقتال إلى جانب القوة التي كانت بقيادة رئيس قطاع الشمال سمير جعجع آنذاك. كانت معركة شرسة استمرّت أسبوعاً كاملاً دمّر السوريون خلالها البلدة لأنهم كانوا يقصفون منازلها بالراجمات.

في الأيام الأولى من المعركة، اشتبك الأهالي مع السوريين، ودعمتهم مجموعات من “القوات”، لكن بعد اتخاذ المعارك ابعاداً دراماتيكية، أوفدت القيادة تباعاً ثلاث فصائل من المغاوير، أي ما يقدّر بـ30 عنصراً، التي وصلت في 15 شباط من العام 1980، وأتى القرار بضرورة الصمود في قنات.

كان مارون غنّام يسير على رأس المجموعة مع “دالول”، وكل مقاتل يُمسك بحزام الآخر كي لا يتيهون في أجواء مناخية صعبة خلال شهر شباط. وصلوا إلى بيت نصفه مهدّم، وأمضوا ليل الجمعة ويوم السبت في مناوشات بينهم وبين السوريين. واعتباراً من السبت مساء بدأوا يسمعون على طريق بشري هدير الآليات السورية أي بما لا يقلّ عن 50 آلية عسكرية، فقال غنّام ليوسف بعقليني: “الليلة ليلتنا”. ثم توزّعوا على ثلاث مجموعات، كل مجموعة من ثمانية عناصر، انتشرت في ثلاثة مواقع.

في الرابعة من بعد ظهر الأحد 17 شباط، اشتد قصف الدبابات والمدفعية والرصاص على قنات. وبدا المشهد أمامهم لا يُصدّق إذ كانوا يقاتلون أمواجاً بشرية من المهاجمين. لم يتوقّف غنّام وبعقليني عن إطلاق النار، وقدّر عدد المهاجمين بما يزيد عن 120 عنصراً. وبعد ليلة فتح فيها السوريون جهنّم مدفعيتهم التي أتت مصحوبة بهجمات مستمرة، لم يتوقفوا عن إطلاق النار فيها، حتى أن غنّام لم يعد يسمع في أذنيّه.

استوقفه بعقليني قائلاً، “أسمع إطلاق نار داخل البلدة”، بعدها خرج الشباب من هذا البيت، محاولين الإنسحاب، لكن البلدة كانت قد تحوّلت ركاماً، فاضطر غنّام و”هواريو” وبعقليني وأبو نجوى إلى النزول عبر الوديان، وطلبوا من الرفاق أن يضعوا رصاصة واحدة في بنادقهم، مقررين إطلاق النار على أنفسهم إذا قبض عليهم السوريون لئلا يقعوا في الأسر.

مشى المقاومون ساعة ونصف الساعة في الوادي، وكان قد مضى على غنّام والشباب ليلتين من دون نوم، وعندما وصلوا إلى مزرعة بيت كساب التقوا بـ”الحكيم”، فطلب من الرفاق الاهتمام بهم وإطعامهم.

بعدما نالوا قسطًا من الراحة، طلب “الحكيم” من بعض المقاتلين الانسحاب إلى دير بلّا، ومن المغاوير أن يتوجهوا إلى نيحا. نفّذوا ذلك متحدّين الثلوج، لكن الرحلة كانت محفوفة بالأخطار، خصوصاً عندما طاردتهم المقاتلات السورية محاولة أن تصطادهم، فكانت القذائف تتساقط قريبة منهم والثلج يتدحرج عليهم. ووسط هذه الظروف الصعبة قال الرفيق حبيب نمور لغنّام: “لم أعد قادراً على السير، فارتكني وأكمل طريقك”. حاول غنّام أن ينصحه بالمتابعة لأنه “سيجلّد” وقد يجمّد الدم في جسمه. وقف معه ربع ساعة، لكن الصقيع بدأ يتسرّب إلى عظامه، وأخيراً اتفق معه ان يستمر في السير ويرسل له الشباب. لكن ما ان وصل غنّام إلى التلة حتى سقط على الثلج مغمياً عليه وأثناء سقوطه أطلق النار عمداً ليتمّ انقاذه، وصفع الرفيق ابراهيم ضاهر على وجهه طالباً منه الاهتمام بحبيب فوراً، الاّ انه طمأنه الى أنهم أحضروه.

دخلوا إلى بيت سيدة متقدمة في السن في نيحا، بادرت إلى ضرب اقدامهم بالحزام حتى تتحرك الدماء فيها.

ساعات صعبة أمضاها الشباب قبل أن تصل سيارة إسعاف أرسلها الشيخ بشير الجميّل لينقل غنّام إلى بيروت، وما إن وصل إلى الكرنتينا حتى وجد الشيخ بشير بانتظاره على الجسر، فقبّله وطلب منه الذهاب بسرعة إلى والدته المنهارة لطمأنتها.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل