2023… الإتكال على حب الحياة وصراع البقاء

حجم الخط

كتب سيمون سمعان في “المسيرة” – العدد 1737

الأعياد أخرجت المطاعم من الإنعاش لأسبوعين

2023: الإتكال على حب الحياة وصراع البقاء

 

عام 2020 كان السؤال هل تقفل مطاعم لبنان؟ لم تقفل، لا بل صمدت بما كان لديها من مقوّمات وإرادة على تخطي الأزمة التي تضاعفت مع إنتشار كورونا وفترات الإقفال من جهة، وتدهور الوضع الإقتصادي من جهة ثانية.

عام 2021 بدأت المطاعم فعلاً موجة إقفال نظرًا لاستمرار تردي الوضع من دون ظهور بوادر حلول، لا حلول مركزية على صعيد الدولة ولا قطاعية على صعيد المطاعم.

وصولاً الى العام 2022 فقد استعادت المبادرة من جديد وأعاد القطاع بناء قدراته واستعادة أنفاسه، وهو دخل العام 2023 متخلّصًا تقريبًا من آثار الأزمتين الصحية والإقتصادية. فكيف بدا في فترة الأعياد وما بعدها، وماذا يخطط للمستقبل؟

تحرّكت القطاعات السياحية في فترة الأعياد سواء من المقيمين أو من الوافدين الذين كانت أعدادهم لافتة في الموسم الحالي. هذا الأمر أطلق بعض النشاط في شرايين قطاعات عانت من كل أنواع الأزمات، لا سيما قطاع المطاعم الذي لا يمكنه تحمّل فترات طويلة من الإقفال أو الإستمرار بعدد قليل من الروّاد، نظرًا لطبيعة عمله القائمة على تقديم المأكولات. ومعلوم أن المأكولات لا يمكن الإحتفاظ بها في فترات الإقفال بسبب الإنقطاع الكبير للكهرباء العامّة أو حتى كهرباء المولدات.

ينتظر القيّمون على هذه المؤسسات أن يكون موسم الأعياد قد أعطى إشارة الإنطلاق واستعادة النشاط وإرساء مقومات التخلّص من آثار الأزمات السابقة. ومن المؤشرات الإيجابية الدالّة في هذا المجال إعادة افتتاح عدد من المطاعم بعد إقفال لعام أو أكثر، واستعادة كثافة الحضور السابقة. فهناك مطاعم كانت ممتلئة بالكامل على مدى أسابيع في فترة الأعياد. حتى في الفترة الحالية وخارج أيام الذروة، تُظهر جولة سريعة على عدد من المطاعم أنها بالغة الحركة كاملة النشاط. ويؤكد أصحاب مطاعم أن «السوق استعاد توازنه تقريبًا والإقبال جيد والأسعار تناسب قدرة المواطنين الشرائية كما قدرة المطاعم على الإستمرار». ويعتبرون أن «المطاعم التي لم تشملها هذه الحركة بعد، فهي إما لأسباب خاصة تتعلق بها أو لأن السوق عمومًا لم يستعد عافيته واطمئنانه للمستقبل كما في السابق».

 

مطاعم الفينيق

في الشهر الأخير من العام 2020 أصدرت نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان بياناً، قالت فيه: «وعدنا بإفراغ صالات مطاعمنا من الطاولات والكراسي وترك ما نسبته 50 في المئة من القدرة الإستيعابية، لحل مشكلة الإكتظاظ ووضع الخرائط المثبتة لذلك على أبواب مؤسساتنا من أجل الشفافية المطلقة بالعمل والإلتزام بالتعاميم الرسمية الصادرة». (…). واعتبر البيان أنه «من غير المقبول أن يكون لبنان بمطاعمه وقطاع السهر فيه خارج الخارطة السياحية في موسم الأعياد وبالأخص في ليلة رأس السنة…»

وفي الشهر نفسه من العام2021  قالت النقابة إنّ «المسؤولية في مواجهة كورونا مشتركة وتتحملها الدولة والمطاعم المواطنون. وقامت بحملة تلقيح للعاملين في مؤسساتها وطلبت شهادات تثبت تلقيح رواد المطاعم. وذلك تمسكًا بخيط التغلّب على الأزمة وضمان البقاء. فعلى مستوى لبنان ككل، كانت نسبة إشغال الفنادق والمطاعم، في تلك الفترة، لا تتعدى الـ35 في المئة، وهذه نسبة متدنية. فيما لم تكن فترة الأعياد إلا إثبات وجود للمؤسسات، حيث لا أرباح يجنيها القطاع بسبب اشتداد الأزمة الإقتصادية وارتفاع التكاليف التشغيلية.

أما في نهاية العام 2022 فوصلت نسبة الحجوزات، خلال الأعياد، إلى 100 في المئة. وكان تمّ حجز 90 في المئة من مقاعد الطائرات قبل أكثر من شهر ونصف الشهر على حلول الأعياد. وقال نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر جان عبود «إن التقلّبات السياسية لم تعد تمثّل قلقاً للوافدين إلى لبنان، بل تؤدّي إلى التأخير في الحجز». فيما اعتبر رئيس اتحاد النقابات السياحية بيار الأشقر «أن فترة الأعياد ليست موسمًا سياحيًا، بل عطلة 10 أيام ينتعش فيها القطاع. ولم يكن الاتحاد ينتظر أعدادًا غير طبيعية، كما أن معظم المحتفلين بعيد الميلاد أمضوه في المنازل مع العائلات».

 

بصيص أمل مضيء

أن ترى الرضى ولو المحدود على وجوه أصحاب المطاعم ومديريها ليس أمرًا صعبًا. ومن التقتهم «المسيرة» لاحظت هذه السيماء على وجوههم. وكان هناك إجماع على أن فترة الأعياد وبداية السنة الحالية مقبولة بكل المقاييس، ولو أن الوضع لم يعد بعد إلى ما كان عليه قبل انطلاق الأزمة وتدحرج كل مقوّمات التعافي. ويشير هؤلاء إلى أن السماح لهم بالتسعير بالدولار خفّف من متاعبهم وجنّبهم الخسائر الناتجة عن تقلّب سعر الصرف. وفي المقابل فإن الوافدين من المغتربين والسياح ساهموا في إنتعاش القطاع كونهم أنفقوا بالدولار، عدا عن أن قسمًا كبيرًا من اللبنانيين المقيمين بات يتقاضى مداخيله بالعملة الأميركية. وعليه فهو إن دفع بالدولار أو بالليرة سيكون قادرًا، ما جعل المطاعم تستعيد بعض أنفاسها وعافيتها».

 

لكن ماذا عن المرحلة الحالية والمقبلة؟

يؤكد أصحاب المطاعم «أن الصعب بات وراءنا وأن اللبناني سهل التأقلم مع الأوضاع، وهو يتصرّف اليوم كأن لا أزمة في البلد. لكن طبعًا هذا لا يعني أننا في أفضل حال، خصوصًا أن هذا الوضع غير المستقر سياسيًا يُنذِر دومًا باضطرابات في الشارع، وهذا ما ينعكس سلبًا على الحركة في المطاعم. يضاف إلى ذلك الأزمة الأم وهي أزمة عدم تأمين التيار الكهربائي ما يُكبِّد القطاع السياحي ومؤسساته تكاليف كبيرة تُشكِّل عبئًا على الأرباح. إلا أن بصيص الأمل يبقى لامعًا في الأفق وبهديه نسير، وعسى أن يكون المستقبل أفضل».

لكن الملاحظ أنه في فترة الأعياد كانت الإعلانات المروِّجة لسهرات رأس السّنة تحتلُّ مساحات واسعة من الوسائط الإعلانيّة على مُختلف المنصّات. وكان الإقبال كثيفًا لدرجة أن معظم المطاعم طلب حجزًا مسبقًا، ليس لليلة رأس السنة فقط، بل لكامل الفترة الممتدة تقريبًا من ما قبل عيد الميلاد إلى ما بعد رأس السنة. وكانت طيلة هذه الفترة مكتظة بالفعل. ومن الجدير ذكره أن هذا الواقع لا ينطبق على جميع المناطق اللبنانية، ولهذا أسبابه المعروفة، ولا حتى على جميع المطاعم في المنطقة الواحدة. وخارج حركة الحضور إلى المطاعم، يلفت القيمون على القطاع، إلى «زيادة كبيرة في حركة الطلبات إلى المنازل، والتي زادت في فترات الإقفال السابقة واستمرت في الزيادة في الفترة الحالية».

 

كسب معركة البقاء

في السياق، يرى نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان خالد نزهة، إن «رفع الدولار الجمركي من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة إبتداءً من أول شباط سيؤثر على أسعار المواد الأساسية المستوردة، وسيؤدي إلى رفع الكلفة والأسعار. وهذا الأمر يُفقدنا القدرة على المنافسة مثلًا مع تركيا ومصر القريبتين منا، بسبب دعم هذه الدول للقطاعات السياحية كافة».

إنما على الرغم من كل المعوقات، ففي كانون الثاني الحالي عرض قطاع المطاعم على المواقع الإعلانية أنه في حاجة لملء 112 وظيفة شاغرة في مؤسساته. ولهذا الأمر دلالة واضحة على بدء تعافي القطاع بعد أن عرف على مدى سنتين حالات صرف موظفين لا بل إقفال بالكامل.

لكن الثغرة الكبيرة بقيت، وهي أن الإتكال ما زال بنسبة عالية على مجهود فردي من أصحاب المؤسسات، وعلى الزبائن من اللبنانيين مقيمين وزائرين، وما زال مؤثرًا جدًا غياب الإستقرار السياسي وصورة لبنان البلا دولة حتى في أبسط مظاهر حضورها، لصالح الفوضى وتسلّط «حزب الله» واضع البلد في عزلتين عربية ودولية. فهذا العامل ما زال ناسفًا للإستقرار والأمان، وطاردًا للسياحة الخارجية والخليجية تحديدًا، وهؤلاء هم من كانوا يأتون مع عائلاتهم ويشكّل إنفاقهم القسم الأكبر من المداخيل التي كانت تحققها المطاعم، وتؤمّن لها سبب نهوضها وقوة استمرارها وتوسعها. وإلى أن يعود لبنان «الحلو» المنشود، ستبقى المطاعم، كما باقي القطاعات، في حال صراع البقاء، وسيبقى الإتكال على حب اللبناني للحياة ورفضه للخضوع، وهما أقوى من الأزمات!

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل