رسالة سفراء “مجموعة الخمس”… “لا تنتظروا صفقة”

حجم الخط

تعدَّدت التأويلات والتفسيرات للرسالة التي نقلها سفراء الدول الخمس، الممثلِّين لأطراف لقاء باريس الأخير حول الوضع في لبنان، إلى رئيسَي البرلمان نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وذهب بعضها إلى حدِّ الحديث عن عودة “شبح عقوبات ما” على عدد من المسؤولين الذين يعطِّلون الاستحقاقات اللبنانية، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية، فيما لو استمرّ مسار التعطيل ومنع انطلاق ورشة إنقاذية إصلاحية شاملة، تواكبها الدول الصديقة للبنان ببرامج مساعدات لانتشاله من أزمته.

لكن معظم المفسِّرين اتَّفقوا على أن لهجة “رسالة السفراء” كانت مختلفة، نسبيّاً، هذه المرة، وعلى قدر كبير من الوضوح حول المطلوب من السلطة الحاكمة. علماً أن ما نقله المكتب الإعلامي لميقاتي عن السفراء، من أن لقاء باريس أبقى اجتماعاته مفتوحة ومستمرة للتشجيع على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأن الدعم الحقيقي للبنان سيبدأ بعد انتخابه ومن ثم متابعة تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، يشدِّد الخناق على المراهنين في السلطة على مساعدات دولية ما لمنع لبنان من الانهيار الكامل، بما يمدُّهم بشيء من الأوكسيجين لإعادة ترتيب وضعيتهم المنهارة.

لكن “الرسالة الأهمّ لاجتماع باريس الخماسي حول لبنان”، وفق المحلل السياسي علي الأمين، “هي تأكيد المؤكد لجهة رفض التدخل في موضوع أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية. بالتالي، هناك تأكيد إقليمي ودولي أن على اللبنانيين أن يقوموا بما عليهم من خطوات لانتخاب رئيس وخطوات إصلاحية، من أجل أن تلاقي الدول المهتمة لبنان في منتصف الطريق”.

ويوضح الأمين، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية، أن “الرسالة التي نقلها سفراء دول لقاء باريس الخماسي، مفادها أنه إذا كان البعض ينتظر الدخول في الأسماء، بما يعني الدخول في مقايضات وتسويات، فاللقاء الخماسي كمجموعة لا يريد أن يتحمَّل مسؤولية تزكية أو طرح أسماء، لأن هذا الأمر يظهر كأنه مطلب لبنانيّ، أو مطلب المعطِّلين سعياً وراء مقايضة ما”.

ويعتبر، أن “هناك تسليماً وتوافقاً بين الدول الخمس، على الرغم ممّا حُكي عن تباينات معيّنة، بأنها لا تريد أن تُستدرج إلى التفاصيل اللبنانية، بمعنى طرح اسم معيّن للرئاسة. وهي تشدِّد مجدداً على أن أي خطوة إيجابية نوعية، اقتصادية أو مالية أو سياسية تجاه لبنان، يجب أن تكون مرتبطة بخطوات تقوم بها السلطة تجاه الاستحقاقات المطلوبة”.

ويضيف، “أما، هل يعني ذلك الدخول في مسار ما يسمَّى عقوبات على المعطِّلين أو ما إلى ذلك؟ فلا أرى، حتى الآن، أن ثمة مؤشرات تدفع إلى القول إننا نتجِّه نحو مسار تصعيديّ من قبل المجتمع الدوليّ تجاه لبنان، لأن ما فيه من كوارث وأزمات تكفيه، وليس بحاجة إلى المزيد”.

وينوِّه الأمين، إلى أنه “إذا اعتبرنا، ونحن نقول ذلك، أن حزب الله يحاول أن يستدرج تدخُّلاً وأن يعقد صفقة مع الخارج لترتيب المرحلة المقبلة، فإذا كان هذا هو الرهان، يبدو من رسالة الدول الخمس أنه (مش ماشي). بمعنى أن حزب الله ينتظر من الخارج أن يطرح اسماً ما لرئاسة الجمهورية، كي يدخل في لعبة المقايضة، فيقول مثلاً، حسناً تريدون هذا الاسم، فماذا تعطونا في المقابل لنسير به؟”.

فحزب الله، بحسب الأمين، “لديه متطلبات، ومعنيّ بجملة أمور لها علاقة بتسيير الوضع الداخلي اقتصادياً ومالياً، لكن في الوقت ذاته ضمان وضعيته الأمنية والعسكرية في المرحلة المقبلة، وهنا إشكاليته الأساسية. في حين رسالة دول لقاء باريس الخماسي أوضحت أنها غير معنيّة بصفقات، وأن هذه مسؤولية اللبنانيين للقيام بواجباتهم، ونحن مستعدون للمساعدة على ضوء ذلك”.

لكن المحلل السياسي ذاته، يشدد، على أن هذا يدلّ في مكان آخر على أن المجتمع الدولي لا يضع لبنان في أولويّاته. فلو افترضنا أن هناك اهتماماً جدّياً وحقيقياً بالوضع اللبناني، وأن هناك مصلحة دولية باستنقاذ لبنان، لكُنّا رأينا حركة مختلفة”.

ويضيف، “هذا يؤكد أيضاً من زاوية أخرى، أن اللبنانيين عموماً يجب أن يقرُّوا بأننا لم نعد الطفل المدلَّل الذي يحظى برعاية واهتمام عربيّ ودوليّ كما في الفترات السابقة. بالتالي، هذا يؤكد أكثر أن على الأطراف المعنية بإنقاذ لبنان أن تبدأ بالتعامل مع الوضع اللبناني، بذهنية أنه (لن يحكّ جلدك إلا ظفرك)، وأن لا أحد سيمدّ يده لاستنقاذك من البئر”.

ويشدد، على أنه “لا بدَّ من عمل سياسي جاد وفاعل في اتجاه دفع الأمور نحو، على الأقل، إعادة الاعتبار إلى المؤسسات الدستورية بالحدِّ الأدنى. أي انتخاب رئيس جمهورية، واستكمال الخطوات التالية بعد ذلك، ومقاربة المسألة الاقتصادية والمالية بروح المسؤولية الوطنية”.

وبرأي الأمين، أن “حزب الله سيحاول أن يستنفد كل ما يمكن من أجل عقد صفقة مع الخارج. وإذا فشل هذا المسار، سيسعى بالضرورة إلى تنفيذ برنامجه السياسي، من خلال أنه يراهن على امتلاكه ترف التعطيل والانتظار أكثر من الآخرين. فصحيح أن الحزب غير مرتاح للوضع في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية، لكن اللبنانيين في وضع أسوأ منه بالتأكيد”.

ويضيف، “بالتالي حزب الله يراهن على تيئيس الآخرين، إذ يَفترض أن الأطراف المعترضة على مشروعه الآن، يمكن أن تتنازل بعد فترة”، لافتاً إلى أن “هذا الرهان لدى الحزب، يتأتَّى من أن الطرف المقابل المعارض لمشروعه، لا يبدو متماسكاً برؤية واحدة، ويخوض معركة ومواجهة حقيقية في هذا المجال”.

ويوضح، أنه “حتى الآن، نرى أن القوى السياسية المعارضة ليست على رأي وموقف ومسار واحد. بالتالي هذه نقطة ضعف تتيح لحزب الله أن يتأمَّل أكثر وأن يكون متفائلاً بإمكانية تحقيق أهدافه ومشروعه في ما يتعلَّق بانتخابات الرئاسة. فبالنسبة للحزب، إذا كانت قوى المعارضة غير متماسكة، يمكن بعد شهر أو شهرين أن تتصدَّع وتتفكَّك فيتمكَّن من اختراقها”.

ويشدد الأمين، على أنه “للمرة الأولى يمكن القول بمسؤولية، إن المسؤولية اليوم هي أكبر بكثير على الأطراف المعارضة لمشروع حزب الله في لبنان. لأن السيناريو بات واضحاً تماماً لناحية ترف الانتظار، ومحاولة إضعاف المعارضة من أجل أن تقبل بما يطرحه الحزب في وقت لاحق”.

ويؤكد، أنه “طالما الأمر كذلك، يجب على المعارضة في المقابل القيام بهجوم معاكس لإفشال رهان حزب الله وإحراجه، وجعله يتبيَّن بأن أفق مشروعه مقفل، ودفعه إلى مراجعة حساباته. أما الرهان على انتظار الخارج، سواء من قبل حزب الله، وهو رهان فاشل، أو من قبل أي طرف آخر يظنُّ بأن الخارج سيقوم بما علينا كلبنانيين القيام به، فرسالة لقاء باريس الخماسي واضحة بأنه رهان خاسر أيضاً”.

أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية          ​

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانبة

خبر عاجل