لبنان والمسيحيون

حجم الخط

يوم أتمّ مسيحيو لبنان إنشاء أولى مطابع الشرق، التي شكلت أبرز منصات المعرفة فيه، كان أهله منشغلين بالتخلص من تسرب أمطار الشتاء من أسطح المنازل المبنية من الطّين والقش.

ويوم نشرت تلك المطبعة أوّل كتبها في هذا الشرق، كانت دكاكينه تلّف حلوياتها للشّارين بورق الكتب، التي هضم رهبان الأديرة علومها.

يوم كانت مدارس الراهبات تعدّ أولى دفعات خريجيها للالتحاق بجامعات العالم، كان الشرق منشغلاً بجدل حول سن زواج القاصرات، لا بل لم يكن أيّامها مطروحاً بتاتاً تعليمُ البنات فيه.

نعم نحن اليوم نواكب مسيحيي لبنان بأشكال البيوت وأثاثها، وبالملابس، وطرق تناول الطعام والتجارة.

لكن علينا أن نقرّ أن الجبل العلمي والمعرفي الذي راكمه مسيحيو لبنان يجعلنا ندرك أهميته كنموذج لنهضة هذا الشرق.

وليس ما ورد في هذه المقالة جلد للذات الشرقية، بل هو إقرار بالفضل لصاحبه.

لذلك علينا كي نُنجز وطناً حقيقياً اسمه لبنان، أن نتخلص من عقد النقص التي تتحرك فينا ضد التفوق المسيحي في لبنان، وأن نتوقف عن الادعاء، وأن نعمل لنؤمن لهم ضمانة، توفّر كل ما يُمَكّنهم من الاستمرار في مشروعهم الحضاري الذي بدأوه منذ قرون.

كما علينا أن نستبدل ثقافة الإدانة التي نروج لها في مجالسنا الخاصة، بثقافة الحب، والحثّ على الاقتداء بالسلوك الوطني والمدني الذي نشأ المسيحيون عليه، وبالتزامهم بالحقوق والواجبات.

ففي الوقت الّذي قدموا فيه آلاف الشّهداء لأجل بناء الدولة، قدمنا نحن آلاف الشهداء لهدمها، وتقويضها، وحشرها وراء مشاريع شوّهت لبنان، وفي الوقت الذي تؤدي فيه النسبة الكبرى منهم واجباتها تجاه الدولة وتحافظ على القانون والمؤسسات من خلال دفع الرسوم والضرائب التي تعود علينا جميعاً بالخدمات، تقوم النسبة الغالبة منّا بالتجاوزات، وتمتنع عن تسديد ما عليها، متسببة بعجز وفساد يعود شره علينا جميعاً.

ليس عيباً أن نكون متأخّرين عنهم في تبنّي فكرة الدولة، وفي فهم متطلبات العيش ضمن مؤسساتها، إنما ما يعيبنا، أننا نسعى لمنافستهم في كل ما تحتاجه الدولة من حرص ووعي ومسؤولية لا نملكها كما يملكون.

لذا نحن بحاجة ملحة إلى الإقرار بالفارق المعرفي، الذي يشكل حتماً ركيزة انطلاق حقيقية نحو وطن نحتاجه جميعاً.  ​

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل