لم يكد اجتماع باريس الخماسي، والذي ضمَّ الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر للبحث في مساعدة لبنان على إنجاز الانتخابات الرئاسية لتنطلق بعدها مرحلة مدّ اليد له للخروج من أزمته، حتى اشتعلت حملة عنيفة شرسة غير مسبوقة على قائد الجيش العماد جوزيف عون، محاولةً إثارة الغبار والشكوك حوله للنيل من سمعته وإلصاق ممارسات معيّنة مخالفة للقانون به.
ثمة صُدف في الحياة تحصل. لكن في لبنان، ومع التجارب والدروس التي راكمها الشعب اللبناني على مدى السنوات، يتراجع احتمال “الصدف البريئة” بالنسبة إليه في الحياة السياسية، خصوصاً إن أتت من مصادر ملتبسة أساساً. لذلك، ليس من الصدفة بالتأكيد تزامن انطلاق الحملة المسعورة على العماد عون في المناخ السياسي والإعلامي المقرَّب من الثنائيّ الشيعي، فضلاً عن النائب جبران باسيل، إثر النتائج والتفاهمات التي أفضى إليها اجتماع باريس الخماسي.
مصادر مطلعة مواكبة لكواليس الانتخابات الرئاسية، توضح أن “أسباب الحملة العنيفة التي تستهدف قائد الجيش، والتي استعرت في الأيام الأخيرة ولا تزال، تعود لأن الثنائي الشيعي، خصوصاً حزب الله، والنائب جبران باسيل، وكلٌّ لأسبابه، خلُصا إلى نتيجةٍ أن العماد عون بات المرشحّ الأساسيّ لرئاسة الجمهورية، وأن حظوظ النائب السابق سليمان فرنجية باتت غير موجودة، كما ظهر من مداولات اجتماع باريس الخماسي”.
وتشدِّد المصادر ذاتها، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، على أنه “بالتأكيد، لا الثنائي الشيعيّ يريد العماد عون ولا النائب باسيل. فالأخير، يخشى من انهيار تيّاره بشكل دراماتيكي وانحسار دوره على الساحة السياسية في حال وصول العماد جوزيف عون. والدليل ليس بعيداً، إذ حين أقدم باسيل منذ فترة قريبة على مهاجمة العماد عون، انهالت الاعتراضات عليه من داخل التيار الوطني الحر”.
وتضيف، أن “الأمر ذاته بالنسبة للثنائي الشيعي، خصوصاً حزب الله الرافض للعماد عون. وآخر الدلائل ما أعلنه النائب محمد رعد بوضوح، إذ قال (نحن لم نفصح عن مرشّحنا، لكن لدينا من نرغب في أن يكون رئيساً للجمهورية، ونريد أن نطرحه لإقناع الآخرين به). لكن بطبيعة الحال ليس سرّاً أنه يقصد فرنجية، ولا معنى لهذه المناورات”.
وتنوِّه المصادر عينها، إلى نقطة أساسية، هي أن “الحملات تصاعدت بعد اجتماع باريس الخماسي، لأن الاجتماع أطاح كلّياً اسم فرنجية فيما تقدَّم اسم عون”، كاشفةً عن أن “الفرنسي طرح صراحةً في الاجتماع اسم فرنجية، (بالمشبرح)، لكن السعودية رفضت ولحق بها الباقون، وقالوا إنه لا يمشي. لكن حين طُرح السؤال عن العماد عون، الجميع لم يمانعوا. على الرغم من انزعاج فرنسيّ خافت، إذا صحَّ التعبير، لكن بالتأكيد لا يمكن أن يقول الفرنسيون لا لاسم جوزيف عون”.
وتشير، إلى أن “هذه الأجواء لم تتأخَّر لتصل إلى بيروت، مباشرة بعد الاجتماع، لذلك هبَت الحملة الشرسة على العماد عون بشكل كبير. ومن ضمنها، كان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله عنيفاً بكلامه، بما معناه، لا تفرضوا علينا، وعليكم أن تتحدَّثوا معنا، (ومش ماشي الحال هيك). والحملة الإعلامية التي تشنُّها بعض وسائل الإعلام اللصيقة بحزب الله على العماد عون، تأتي من هذه الخلفية”.
وتوضح، أن “ما أثار غضب نصرالله، أن اسم العماد عون لم يأتِ من ضمن صفقة أو تسوية مع حزب الله. بل إن الخارج الصديق والمهتم بلبنان قال كلمته في المعايير والمواصفات المطلوبة لرئيس الجمهورية العتيد، فضلاً عن الوضعية المنتظرة مستقبلاً، حكومياً ومؤسساتياً وإصلاحياً، إن كان لبنان يريد من العالم مساعدته. وأن هناك اسمين طُرحا، وانطلاقاً من المعايير، هناك واحد مرفوض والآخر مقبول. وإذا ظهر اسم ثالث نتحدَّث بشأنه، لكن لم يظهر أحد حتى الآن”، مشيرة إلى أن “هذا ما دفع حزب الله إلى التصعيد، لأن ذلك حصل من دون صفقة يطلبها الحزب مع الخارج”.
وتكشف المصادر نفسها، عن أن “الجانب الفرنسي حاول التسويق لفكرة مفادها، فريق حزب الله يسمِّي رئيس الجمهورية والفريق الآخر يسمِّي رئيس الحكومة. لكن السعودي، مع إشارته إلى أن لا مشكلة مع فرنجية على المستوى الشخصيّ لكن مستحيل أن يمرّ على المستوى السياسيّ، أكدَّ على رفض مجرد التفكير في هذه الفكرة التي جُرِّبت سابقاً وفشلت فشلاً ذريعاً. وإذا أردتم السير بما شابه، يمكنكم فعل ما تشاؤون، لكن انسونا ولا تتَّكلوا علينا ولا تعملوا حسابنا في ذلك. علماً أن الجانب القطري والآخرين وافقوا السعودي على ذلك، فتراجع الفرنسي”.
أما لناحية ما يتردَّد عن أن انتخاب الرئيس ليس بعيداً جداً، وخلال شهرين أو ثلاثة على الأكثر، ترى المصادر عينها، أن “المسألة اقتربت، لأن الأوضاع في البلد لم تعد تحتمل. وحتى أن نصرالله ذاته قال إنه لا يمكننا أن نطيل كثيراً، وبأنه موجوع بشكل أو بآخر، حين تحدث عن (الإيد اللي بتوجعنا)”.
لذلك، تضيف المصادر، “حين قرأ نصرالله وفريقه أن إنجاز الانتخابات الرئاسية بات قريباً، والمسألة باتت جدّية واقتربت من الاستواء، والمطروح بالنسبة للخارج اسم العماد جوزيف عون فقط، انطلقت حملة الاستهداف العنيفة على عون وتتصاعد تدريجياً، سواء من قبل مناخ الحزب أو النائب باسيل. فالطرفان أمام هذا الواقع صعَّدا الحملة، لعلَّهما بذلك يستدرجان مراعاتهما من خلال صفقة ما، تحفظ لهما مكاسب ومصالح معيّنة تضمن وضعيّتهما في المرحلة المقبلة”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية