جمعتني صدفة في مناسبة اجتماعية، برجل واكب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في بداياته، ليبتعد بعد الحرب الدامية عن كل العمل السياسي، حاملاً في قلبه وفق ما يؤكد “شغف وطن ناضلنا لأجله ولم نصله يوماً، وحباً لجعجع الصلب والشجاع الذي ناديته ليتراجع آلاف المرات ولم يستجيب”.
“تمنيت على الحكيم أن يتراجع، خصوصاً بعد خروجه من المعتقل، عرفت أن المواجهة كلفته وستكلفه غالياً تباعاً، لأن لا رجال دولة في هذا الوطن، وكنت أعرف أنه سيقف هناك وحيداً كالجبل في وجه رياح التبعية والذميّة والدويلة والدولة الفاقدة لهيبتها”، يقولها بحسرة كبيرة.
“شخصية الحكيم قادرة على المواجهة منذ طلعته، هو صلب لا يخاف شيئاً، وله مبادئ لا يراهن عليها. يشعر المحيطون به بالخوف عليه لأنه لا يهادن، في حين يُحكم لبنان منذ أكثر من 30 سنة من قبل طبقة قادرة على تمرير كل شيء وتغطيته بالشعبوية. جعجع حقيقي الى حدود مؤذية أحياناً، يضع يده على الجرح مباشرة، يتخذ مواقفه المقتنع بها، حتى لو لم تقنع جمهوره، الشعبوية في قاموسه عدم، وهو ما يصعّب مسيرة القوات السياسية، كما أنه لا يساير أبداً حتى في علاقاته الشخصية”، وفق ما يؤكد.
نظرة المتحدث سوداوية للوطن، يرى أن “كيان لبنان قضية خلافية منذ نشأته، وهو يُنحر يومياً آلاف المرات من قبل حاملي الهوية اللبنانية، ولا علاقة لهم بفكرة الوطن الكيانية النهائية”، ويعتبر أن “القوات بآدائها الحالي، استمرار لدور الكنيسة الفائق الأهمية في التاريخ اللبناني السيادي، ليس فقط من الناحية الإيمانية، بل كونها الشاهد الوحيد على أن المسيحية هي الثورة الثقافية الثانية بعد اللغة بتاريخ الإنسان. والقوات اليوم تؤكد أنها استمرار لهذه الثورة التي تحترم الانسان لأي جهة انتمى وتناضل في سبيل حقوقه حتى لو لم يكن نفسه واعياً لها”.
لماذا ابتعدت عن العمل السياسي إذاً؟، “تعبت، اعترف. عائلتي عانت الكثير من ظلم واضطهاد، شعرت أن واجباتي كأب وزوج بعد الحرب، أن ألزم عائلتي وأعوض لأفرادها عن أوجاع كثيرة. أقدر موقف من ثابروا واعتبر أنهم الحامون الحقيقيون لهذا الوطن. جعجع بطل ورفضه التراجع طبيعي لكل من عرفه عن قرب، ويبقى أملي أن يقدّر لبنان وشعبه هذه القامة الوطنية”.
قدّروه يا رجل، ألم ترى نتائج الانتخابات؟
“أعذريني، ربما لأنني أعرفه الى هذا الحدّ، أرى أن هذا التقدير قليل عليه”.