!-- Catfish -->

باسم الشعب اللبناني… ذكرى تفجير سيدة النجاة

على الرغم من مرور 29 عاماً على تفجير كنيسة سيدة النجاة في الزوق وعلى الرغم من صدور حكم مبرم من أعلى سلطة قضائية (مبدئياً) عن هذه القضية، لا يزال التفجير والحكم وما سبقهما ولحقهما من تحقيقات وتسريبات، نموذجاً يضرب السياسيون والاعلاميون والمواطنون ـ من القريبين من القوات والبعيدين ـ به المثل في مجال الفبركات الأمنية والقضائية والإعلامية للوصول الى غايات سياسية تشويهية للنيل من الخصوم وزجهم في السجون. وهذا ما يجعل التحقيقات والأحكام ساقطة بردة الفعل الجماعية اللبنانية بكافة شرائحهم منذ لحظة التفجير والتوقيف وصولاً الى النطق بالحكم عن خطأ “بإسم الشعب اللبناني”، انطلاقاً من أن  كمّاً كبيراً من الجرائم ارتكبت “باسم الشعب اللبناني” في هذه القضية وقضايا أخرى، اتهمت فيها “القوات اللبنانية”، ـ ولو ألبست لبوساً قانونية وقضائية وأمنية ـ ولا بدّ لنا من استعادة بعض المحطات التي تبيّن أن محكمة الشعب منذ ما قبل التفجير فهمت وكشفت أخطاء منطوق حكم الكنيسة وغيرها من الأحكام قبل وبعد صدورها.

نبدأ بما سبق تفجير الكنيسة من تحضيرات لزيارة بابا الفاتيكان للبنان وما سبقها من مواقف في 29 كانون الأول من العام 1993: تبادل دبلوماسي بين الفاتيكان وإسرائيل تبعه في 30 كانون الأول من العام 1993، هجوماً عنيفاً من “حزب الله” على الفاتيكان جاء فيه: “الى الذين يرون في الفاتيكان مرجعية لهم، يمكن أن ينظروا الى الخطوة على أنها مثال للاحتذاء، انها خطيئة تاريخية ترتكب ضد المسيح والانسانية جمعاء”.

في 3 كانون الثاني من العام 1994، “تجمع العلماء المسلمين، الدائر في فلك حزب الله، خرج بالموقف التالي: “زيارة البابا للبنان أمر لا فائدة منه إطلاقاً، وندعو جميع القوى والشخصيات الشريفة في البلد الى مقاطعة الزيارة، تعبيراً عن رفض هذا الاتفاق.

أيضاً، في 9 كانون الثاني من العام 1994، اعتبر الأمين العام السابق لـ”حزب الله” الشيخ صبحي الطفيلي أنه “بعد الاعتراف، تصبح زيارة البابا الى لبنان تأسيساً للشر ولعمل لا يصب في مصلحة اللبنانيين”.

بعد تفجير سيدة النحاة، رأى الفاتيكان أن “انفجار الكنيسة قصد به الاحتجاج على العلاقة الدبلوماسية بين الكرسي الرسولي ودولة اسرائيل، وأن روما كانت تلقت في كانون الأول من العام 1993 تحذيرات بقرب وقوع اعتداء على هدف مسيحي في الشرق الاوسط”، وهذا الأمر يتقاطع مع المعلومات التي أوردها مدعي عام جبل لبنان القاضي طربيه رحمة يوم تفجير الكنيسة إذ قال إنه، “لدى الأجهزة المختصة علماً بوجود مخطط لتفجير أماكن العبادة استناداً إلى اعترافات بعض الموقوفين لدى القضاء”، وبعض الموقوفين هم: جولان ضيا ومكرم مرسي علي اللذين كشفا عن مخطط لـ”حزب الله” لتفجير الكنائس، ليعود القرار الظني في تفجير الكنيسة ليبرئهما وإخراجهما من الملف وعدم التعمق بالتحقيق معهما.

كذلك يدخل في هذا الإطار ما نقلته الصحف عن أحد الوزراء في جلسة مجلس الوزراء بقوله، “أتمنّى ألاّ تكون للذين عارضوا زيارة البابا إلى لبنان، يد في الجريمة”، كما تعليق الرئيس أمين الجميل ومفاده، “إنها تدخل في سياق متوالي منذ مدة، من إقامة مسجد في قانا على مزار مسيحي، إلى توزيع مناشير تحرّم على المسلمين تهنئة المسيحيين بأعيادهم، إلى تكسير الصلبان في مدافن المنصورية، إلى متفجرتي البلمند والصيفي”.

وبالانتقال الى مواقف الرئيس ميشال عون في قضية تفجير الكنيسة وغيرها من القضايا التي طاولت “القوات اللبنانية” نقرأ:

في 27 شباط من العام 1994 يقول ميشال عون، “أحمل المسؤولية الأمنية بالتفجير للسلطات الأمنية السورية، فسوريا هي التي تشعل الحرائق لإطفائها”.

في 27 نيسان من العام 2001، يقول عون، “إنهم منهمكون في الحفر عميقاً تحت القوات اللبنانية لتحويلها شراذم وفتافيت، وأحذر من تمادي الأجهزة في اعتداءاتها. كنيسة سيدة النجاة أخرى لن تمر”.

في 28 آب من العام 2001 يقول عون، “تاريخ الاستخبارات الحالية لا يوحي بالثقة ابداً، وفي سجلهم جريمة كبرى لغاية الآن لم نعرف كيف حدثت، واتهمت بها القوات اللبنانية وهي كنيسة سيدة النجاة، ووقتها خلقوا جواً مؤاتياً، قنبلة من هنا وقنبلة من هنا وشائعات، حتى في النهاية القوا القبض على سمير جعجع وحاكموه بقضاء انتقائي استنسابي لا مثيل له في العالم”.

في 18 أيار 2005، يضيف عون، “المحكمة التي حاكمت سمير جعجع لم تكن حرة، بل كانت خاضعة للنفوذ السوري”.

كذلك نقرأ موقف دوري شمعون من المحاكمات التي سيقت ضد “القوات” والدكتور سمير جعجع في قضية أخيه والكنيسة، ففي 13 آب من العام 2013 قال، “بالنسبة للمحاكمة، جرت في ظل الاحتلال السوري، ومن كانوا يفبركون الأخبار التي أعطيت للأجهزة وللقضاة هي الشعبة الثانية التي كانت تحت القبضة السورية، والبرهان على ذلك أنهم فبركوا فخاً لجعجع من ملف كنيسة سيدة النجاة، فلم تفلح الأمور، فعمدوا الى الاستعانة بملف اغتيال داني الذي كان على الرف وألصقوا التهمة بجعجع، وجوهرها كان يعتمد على جهاز الموتورلا الذي خلفه القتلة وراءهم. وأنا حسب خبرتي وفهمي للقانون، أقول إن أي محاكمة تجري في ظل الاحتلال لا اعترف بها، ولا أؤمن بها، لأنها حتماً لن تكون محاكمة عادلة وعندما يُعطى القاضي معطيات محددة لا بد أن يحكم على أساسها”.

وهنا لا بدّ أن نتوقف عند ما جرى مع وليد جنبلاط بعد حادثة قبرشمون وعن خطة لتوقيفه، وكان نموذج كنيسة سيدة النجاة للفبركة والتسييس حاضراً في ذاكرة اللبنانيين جميعاً وليس فقط المسيحيين. ففي 8 تموز من العام 2019، نبّه وائل أبو فاعور قائلاً، “إن منطق سيدة النجاة لا يزال يتحكم بعقول البعض”.

ولأن حكم الشعب سبق ولحق ونقض حكم المحكمة “الخاضعة للنفوذ السوري”، لم يقم أي من أهالي شهداء ومتضرري تفجير كنيسة سيدة النجاة بتقديم دعوى ضد “القوات اللبنانية” أو الدكتور جعجع أو حتى على مجهول، على الرغم من أن كثراً من جماعة سلطة الوصاية حينها زاروهم وضغطوا عليهم لذلك. بل أكثر من ذلك، ففي 10 آذار من العام 2017 وبزيارة وفد من اهالي شهداء تفجير كنيسة سيدة النجاة لرئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، عبّر الأهالي عن أنهم “لم يقبلوا الظلم يوماً لإدراكهم براءة حزب القوات ورئيسه”، مشيرين الى “أنهم يرددون دوماً أن “جعجع يبني الكنائس ولا يهدمها”.

كذلك في 27 شباط من العام 2016 قال الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية سابقاً، الذي أصيب إصابة بالغة في تفجير كنيسة سيدة النجاة، عندما كان يترأس الذبيحة الإلهية في 27 شباط 1994 لمجلة “المسيرة”، الأباتي انطوان صفير، “قلتا وبعدني على قناعاتي. فجروا الكنيسة ت يحلّوا الحزب ويفوتوا سمير جعجع ع الحبس. بس القوات لا فجروا كنيسة ولا بيعملوها. من فعلها؟ يمكن النظام السوري يمكن أجهزة أمنية مش لبنانية ويمكن الشياطين. بس التمن كان غالي غالي كتير”.

وكون النطق بالحكم كان سيبدأ بعبارة “باسم الشعب اللبناني”، أرسل البطريرك  الماروني مار نصرالله بطرس صفير الى الرئيس الياس الهراوي في 25 حزيران من العام 1996، رسالة خطية عن قضية سمير جعجع قبل الحكم في قضية الكنيسة، جاء فيها: “تابع الرأي العام اللبناني، وبخاصة المسيحي، مراحل المحاكمة بشأن الكنيسة، وما تداخلها من ملابسات، وما قدمه وكلاء الدفاع من دفوعات لم يؤخذ بها، مما حملهم على الانسحاب، فتتابعت المحاكمة من دون محامينِ، وهذا ما ولّد لدى الرأي العام اللبناني، وبخاصة المسيحي، شعوراً، لا بل يقيناً، أن هذه المحاكمة سياسية أكثر منها قضائية، فضلاً عن أنه لا ادعاء شخصياً، وإذا حكم على الدكتور جعجع في هذه الحادثة، بقطع النظر عن الأحكام السابقة التي صدرت بحقه، فإن الرأي العام المسيحي سيشعر بأنه هو من حكم عليه ظلماً بتفجير كنيسته، وذلك إمعاناً في إذلاله وتحقيره، لأن الحكم، والحالة هذه، سيتعدى شخص المتهم ليتناول جميع المسيحيين، ولا حاجة بنا الى الاعراب لفخامتكم عما سيكون لهذا الأمر من عواقب وخيمة على المجتمع المسيحي واللبناني”.

ولا يغيب عن بال أحد أن العفو الصادر في القضايا التي سيقت بحق “القوات اللبنانية” والدكتور سمير جعجع، أملته ضرورات المصالحة الوطنية وإزالة آثار حقبة النظام الأمني السوري ـ اللبناني وصوّت عليه 100 نائب من ممثلي الشعب اللبناني بكافة طوائفه وأطيافه.

ولا يغيب عن بال أحد أيضاً، أن الوكالة الشعبية المعطاة للقوات اللبنانية، بعد سنوات القهر والتجني والافتراءات والأحكام، في الانتخابات الطالبية والنقابية والبلدية والنيابية، خير دليل على أن محكمة الشعب أسقطت الأحكام التي فبركت بالظلم وفي الظلام.

وللخلاصة نقول مع السيد المسيح، “ما مِن خَفيّ إلّا سَيُظهَر، ولا من مكتومٍ إلّا سَيُعلَم ويُعلَن”.​

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل