كتبت جومانا نصر في “المسيرة” – العدد 1738
عودوا إلى التاريخ تأملوا في صفحاته…
باقون ثابتون متجذّرون.. هكذا نقاوم
أن تسأل لبنانيا عن كيفية صموده والتزامه مفهوم العيش بكرامة يأتيك الجواب… باللحم الحيّ.
نعم باللحم الحي يقاوم اللبناني الملتزم. بما يملك من فلس الأرملة والرجاء بأن القيامة لا بد آتية بعد مرحلة الجلجلة والصلب يقاوم وبالتزامه بتاريخه وإيمانه بخيار الثورة على كل ما هو ظلم… يقاوم.
باللحم الحي يقاوم لكن إلى متى؟ السؤال مشروع.
منذ اندلاع الحرب اللبنانية واللبناني يصارع ويكافح ليبقى الوطن. ومنذ انتهاء تلك الحرب، حروب جديدة تكدّست على رأس اللبناني احتلالات، اعتقالات، اغتيالات وصولاً إلى حرب الجوع أو بكلام أصح تجويع اللبناني بهدف تركيعه وتطويعه فـ… تهجيره.
قد يسأل البعض: ما هو الوطن. هل يكون الابن البار؟ الصبي المدلل الذي لأجله ولأجل بقائه في هذه البقعة من الأرض استشهد مئات الألوف من الشهداء ومن مطارنة وبطاركة وأبطال آمنوا بفكرة الوطن ليبقى ونستمر.
أيضا ثمة من يسأل: ما هو الوطن ولأي وطن نقاوم؟ هل يكون البقعة الجغرافية التي تعيش عليها مجموعة من الناس لديها تاريخ مشترك له عاداته وتقاليده وأفكاره، ونوع من إيمان وقضية؟
الوطن هو أن نتجذر عن قناعة لا عن غاية وتبعية، الوطن أوسع من أن يكون مجرد فندق أو دار حضانة، وأكبر من أن «نَعدَّ «أبناء كنيسته بالأرقام والنسب المئوية.
في هذا الوطن الذي نصبو إلى تحقيقه باقون، متجذرون. وهكذا نقاوم شاء من شاء وأبى من أبى.
ليس بالكلام وحده نستحق صفة «مواطن» وليس بالانتماء لبقعة جغرافية محددة نستحق الانتماء لوطن. صحيح أن بين المواطن اللبناني اليوم وبين الدولة هوة عميقة ومسافات، تخرقها عوامل عديدة تضرب مفهوم الدولة. أولها أننا بتنا نحيا في اللادولة ونعيش في دولة برأسين: الأولى يقاتل رجالاتها بلغة السياسة والدستور ويدافعوا بمطرقة القضاء الحر ويستعينوا بجيشهم ومؤسساتهم الأمنية لحماية حدود الوطن والحفاظ على أمن المواطنين، ويقاتلوا دفاعا عن مفهوم الدولة واستعادتها من فك المحتل. في الدولة الثانية يحتلون الدولة ومؤسساتها بالسلاح اللاشرعي ويعملون على سحب كل مقومات الدولة ووجودها من تحت أقدام الفئة الأولى.
هم يسعون إلى تدمير الدولة وهويتنا، وسيستمرون. نعم أخطأتم في المحاولة، لكن الجواب واحد أخطأتم العنوان. فوجودنا نابع من فعل المقاومة والانتماء إلى الكنيسة التي لا تترك شعبها عند وجود تهديد للكيان، وصراعنا ليس إلا صراعاً سياسياً على صورة لبنان وليس طائفيا كما يحلو للبعض ترويجه. صراعنا على منطق لبنان على فكر لبنان على حرية لبنان، على الأمن والأمان. لا يمكن لأحد أن يفرض علينا معادلة «إن أعطيتك أمناً آخذ حريتك. وإن أخذتَ أنت الحرية أهدم صرح أمنك وأبادلك بالفوضى». نحن نريد الحرية والأمن بهذه البساطة.
من ظلال الكنيسة المقاوِمة يستمد الأب هاني طوق فعل المقاوَمة، ومن جذوره المستمدة من أرض الأرز ووادي القديسين يأخذك إلى الوطن الذي لا تهزه احتلالات ولا تهزمه أزمات اقتصادية ومالية واجتماعية وصحية وتربوية، ويقول «فعل المقاومة الحقيقي ليس فقط بالصلاة أو بالسلاح. الفن مقاومة، والمدرسة مقاومة. المسرح، الإبداع، الرسم وكل ما يعبّر عن أحاسيسنا وأفكارنا هو نوع من المقاومة، مقاومة لعدم العيش في السواد والخضوع لأحد. نحن نقاوم بحضورنا ونقاتل من أجل لبنان، كل لبنان».
يضيف: «عندما حملنا السلاح إنما من أجل لبنان وكنا أول من سلّم سلاحه من أجل إعادة لبنان الذي نريده. لبنان التعددي والمنفتح على الشرق والغرب، لبنان رسالة السلاح والحضارة والثقافة». وللمشككين يقول الأب طوق: «عودوا إلى كتب التاريخ، اقرأوا في صفحاته بتمعّن. كلّ الذين ماتوا إنما ماتوا على أبوابنا. لم نتعدَّ يوماً على أحد، إنما كنا ندافع عن أنفسنا وقد دفعنا ثمن الحرية آلاف الشهداء. ليس لنا أخصام في الدين، متصالحون مع الجميع، لكن لن نسمح لأحد بأن يمحو هويتنا وتاريخنا».
قد يكون الخطر على لبنان أصبح وراءنا، كما قد لا يزال أمامنا. الأمر يتوقف على طريقة سلوكنا الوطني.
عام 1975 كانت هناك مؤامرة واجهها مسيحيو لبنان أساسا. قاوموا التوطين والتقسيم وتغيير النظامِ والميثاق وانتصروا عام 1982 وكان انتصارا بنّاءً وظّفه الرئيس الشهيد بشير الجميل في مشروعِ الدولة لا الدويلة، وفي مشروع الوحدة لا التقسيم.
عام 1975، كان مسيحيو لبنان أول ضحايا خارطة الشرق الأوسط الجديد. سبقوا كلدان وآشوريي العراق وأقباط مصر. وعلى رغم كل التضحيات ظلَ المسيحيون متمسكين بكيان لبنان، بالتعدديـة مع الاتحاد، وبالانتماء العربي.
في التاريخ اللبناني يبرز دور المسيحيين كجماعة تعطي لكلِّ انتصاراتِها مفهومَ المشاركة لا الاستئثار. يبشّرون بالعيش المشترك ويعملون على تحقيقه وتثبيته. «هكذا نقاوم وهكذا نصمد حتى لو وصل عددنا إلى أقل من 10 في المئة. فنحن ملتزمون بالطائف، وما حدا يوجهلنا رسائل. نحن حماة هذا الشرق. هذه أرضنا وهذا تاريخنا وسنقاوم».. يقول الأب طوق، ويضيف «في زمن السلطنة العثمانية كان المسيحيون قلّة ومع ذلك تمكنّا من إنشاء دولة. اليوم يريدون أن يجرّوننا إلى تأسيس دولة «على قدنا، على قياسنا» ونحن قادرون على ذلك لكننا لا نريد، ولن نسمح بأن يجروننا إلى ذلك. نريد أن نبني جسورا. رسالتنا السلام والتعايش. والبطريركية المارونية لم تقاتل يوما من أجل المسيحيين إنما من أجل لبنان والوطن وعندما يكون هناك وطن الكل يعيش بسلام».
خلال احتفال أقامه المرشح عن المقعد الماروني في دائرة بعبدا النائب بيار بو عاصي في بعبدا في 10 أيار 2022 قال رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع «المقاومة الفعلية هي التي تكون الدولة الاساس فيها وينسجم الشعب معها فيضع امكاناته في تصرفها ويترجمها في دولته. اما تصرّف «حزب الله» فليس سوى عملية غش، وكانه يظهر من خلالها استسلام اللبنانيين وعدم رغبتهم بالمقاومة، باستثناء جماعته، بينما الحقيقة أنه يستغل المقاومة للحفاظ على موقعه الحالي لدعم بشار الأسد، والأنظمة الديكتاتورية وإرسال مجموعات مسلّحة هنا وهناك.»… و«المقاومة الفعلية ايضاً ليست كناية عن مجموعات مسلحة، ففي مكان ما تصبح اشبه بعصابة، بل تلك التي تقوم بها الدولة اللبنانية عبر امكانياتها، وهي مجموعة تحركات ووسائل وفي طليعتها «الشرعية»، مع دعم المجموعة العربية والدولية، فضلا عن القوة العسكرية التي يكون الجيش اللبناني قوامها الاساسي، وكلنا معه والى جانبه وقت الحاجة». هكذا نقاوم.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]