أزمة لبنان… ظاهرة المافيوية السلطوية

حجم الخط

يجمع الفكر السياسي على أن المجتمع المنظم لا يستقيم من غير سلطة. وتتجلى السلطة مادياً من خلال فئتين: فئة تحكم وتمتلك مقومات الحكم الاقتصادية والعسكرية والسياسية وفئة أخرى محكومة تخضع وتطيع.

هكذا تنتظم الجماعة في مجتمع منظم خاضعة لفكرة القانون الملزم لتحقيق الصالح العام الذي لا يتحقق إلا بالتصالح بين الغرائز الفردية والغرائز الاجتماعية في الإنسان.

المشكلة في لبنان أن السلطة المفترض تجسيدها في نصوص الدستور عبر المؤسسات التي تبتغي الصالح العام تمت مصادرتها من قبل الأحزاب الموالية لأجندات إيران الإقليمية والمتمحورة حول عقيدة دينية دولتية ثورية والتي اختصرت في شخصها وفي أحزابها الصالح العام المجزأ والمقسم على قياس جماعة محددة من اللبنانيين في مواجهة باقي اللبنانيين.

وبالتالي بات الصالح العام لدى هذه الجماعة نسبياً تبعاً لمعيار تلبية شروط ومصالح الراعي الإيراني. فما يصلح لهذا الراعي ولمصالحه بات بنظرهم يصلح للبنان في تماهي فكري جماعي مع أجندة نقيضة لتاريخ المنطقة ولبنان. وقد بلغ هذا التماهي حد التطابق والتبعية العمياء لدرجة أن المفترض أن يكون مشتركاً بينهم وسائر اللبنانيين، أي لبنان بات وجهة نظر نقيضة تقف على طرف معاكس لحقيقة الدولة والدور والموقع والرسالة.

السلطة تحولت بالتالي الى أداة ليس لتأمين التصالح بين الغرائز الفردية والغرائز الاجتماعية في الإنسان بل لتكريس الغريزة الفردية بحب السلطة للسلطة والتسلط كما هو حاصل حالياً مع الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر.

هذه الظاهرة المرضية في كينونة السلطة أدت إلى نشوء سلطتين في لبنان: سلطة دولة هيكلها مغتصب وسلطة ميليشياوية تحكم فعلياً وتتحكم بمفاصل الدولة.

علم الاجتماع السياسي يجمع على اعتبار أن وجود سلطتين على إقليم واحد مسبب للصراع وبانتصار أحدها على الأخرى ترتسم معالم الغلبة للأقوى، والا فالذهاب الى التقسيم إذا لم يسفر الصراع عن انتصار أحد الطرفين.

فهم السلطة السياسية يجبرنا على التمييز بين صاحب السلطة ومن يمارسها: فصاحب السلطة السياسية هي الدولة الدستورية والمكونة من الحكام والمحكومين أما الحاكم أو الفئة الحاكمة فهي ليست أكثر من ممارس لهذه السلطة.

فالصيغة في لبنان مقلوبة: الدولة باتت ممارسة لسلطة فارغة من مضامينها فيما الحاكم أو الفئة الحاكمة هم أصحاب السلطة السياسية لدولة اغتصبت واختطفت وتم تطويعها لخدمة أجندات أجنبية لا تمت بصلة مع لبنان ومصالحه.

اهم الأسس التي يفترض توفرها في السلطة هي الحكمة والمعرفة والقانونية الشرعية والمشروعية والقوة والقدرة والمشاركة والتوازن.

فأي إخلال في احدى هذه الأسس يؤدي الى انحراف السلطة: فالسلطة في لبنان فقدت مشروعيتها لأنها فقدت رضا وقبول قيم من المحكومين المفترضين الذين لا يجدون في تلك السلطة ما يرضيهم ويحملهم على القبول بها.

والسلطة في لبنان فقدت القوة والقدرة لأنها جيرت القوة والقدرة للسيطرة والغلبة من فئة على فئة أخرى وباتت تلك القدرة والقوة بيد اوليغارشية ميليشياوية وحلفاء لها في مواجهة قسم كبير من اللبنانيين.

ونتيجة الخللين أعلاه وصل لبنان الى خلل آخر ألا وهو: فقدان المشاركة والتوازن.

فالمشاركة هي في أساس العقد الجامع بين مختلف مكونات الوطن أو البلد فاذا انتفت تحولت المعايشة الى انفصال وابتعاد وانقسام تعزل فئة لحساب أخرى وتزيد بالتالي من الشعور بالقلق والخوف على الوجود ما يسهل معه إشعال نار الفتن.

والمشاركة هي التي تجعل الشعب مصدر السلطات جميعاً، وبالتالي بانقسام الشعب تنقسم السلطات وتنقسم على نفسها وهذا ما هو حاصل حالياً في القضاء على سبيل المثال لا الحصر.

وباختلال المشاركة يختل التوازن الوطني وأفضل مثال حالي الشغور الرئاسي الذي ليس أزمة مسيحية مسيحية بل أزمة وطنية يتحمل مسؤوليتها القابضون على القرار السلطوي والغاصبين لصلاحيات السلطة الدستورية.

انطلاقاً من مجمل الملاحظات أعلاه يتبين أن السلطة في لبنان تحولت إلى ظاهرة سلطوية بدل أن تكون سلطة مؤسساتية وانتقلت من كونها ظاهرة اجتماعية سياسية قانونية الى ظاهرة ميليشياوية ومافياوية قابضة على مجلس النواب والحكومة والإدارة العامة لأغراض صالح فئوي بدل أن يكون صالح عام.

ومن هنا إذاً ضرورة التصدي لهذا النمط السلطوي وإعادة حكم المؤسسات الدستورية ومن خلالها إحلال السلطة القانونية الدستورية المعبرة عن سلطان إرادة كل مكونات الجماعة، تلك السلطة الأصلية غير المشتقة أو التابعة.

بمعالجة هذا الاختلال السلطوي نبدأ بمعالجة نقاط الخلل البنوي في النظام برمته.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل