القطاع التربوي في لبنان… “القوات” تبادر وتسعى

حجم الخط

كتبت لميا شديد في “المسيرة” – 1738

القطاع التربوي في لبنان: تحديات وهجرة كفاءات

… و«القوات» تبادر وتسعى

 

القطاع التربوي في أزمة. نعم. أزمة قد لا يخرج منها كل من الطلاب والأساتذة إلا مدمَّرين. ثمة من يقول إن واقع القطاع التربوي لا يختلف عن واقع القطاعات الأخرى التي أنهكتها الأزمة الاقتصادية في لبنان، وهو يواجه أزمة عنيفة في ظل الأزمة المالية الحادة وانهيار الليرة، بحيث إن الإتجاه كارثي بالنسبة الى التعليم واقتصاد المعرفة في لبنان الذي كان رائدًا تربويًا في المنطقة.

أبرز تداعيات الأزمة على القطاع التربوي هجرة الكفاءات والمعلمين والأساتذة البارعين بأعداد كبيرة ما يهدد التعليم الذي بات في خطر، في ظل الإضرابات وتوقف الدروس في كافة المؤسسات التربوية. وبالتالي فإن عدم إنتظام العملية التربوية سيؤثر على مستقبل طلاب لبنان. وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه فلبنان سينضم قريبًا الى قائمة الدول التي تعاني من «الفقر التعليمي»، وهذا خطير على مستوى الأجيال القادمة.

ولعل الحلقة الأضعف في العملية التربوية هي المعلم الذي بات غير قادر على الإستمرار والصمود لإكمال العام الدراسي، من دون عملية إنقاذ وخطة متكاملة لإنصاف المعلمين وتأمين أبسط مقوّمات الإستمرار وبأسرع وقت لإعادة الطلاب اللبنانيين الى مقاعد الدراسة.

لأن التحديات التربوية جسيمة، لا بد من العمل لإنقاذ ما تبقى من قطاع مهدد بالإنهيار بشكل كامل، والعمل على ضم حق المعلمين وتحسين قدرتهم المعيشية بالحد الأدنى ليتمكنوا من القيام بوظيفتهم وتأدية رسالتهم. فكيف السبيل الى ذلك، وماذا يقول المعنيون؟

 

حبشي: لا حل بغياب الدولة

النائب أنطوان حبشي يشير الى أن الأزمة التربوية في لبنان هي أزمة كبيرة وتطال كل القطاع التربوي، وتطال الأهل الذين لم يعد بإمكانهم تسديد الأقساط ولا يمكنهم اللجوء إلى المدارس الرسمية بسبب تعطيل الدروس والإضرابات، كما تطال الأساتذة لأن المردود الذي يتلقونه لا يكفيهم للذهاب إلى المدرسة، وتطال الإدارات التي لا تستطيع أن تحصّل من الأهل في ظل إرتفاع كلفة المصاريف. ويضيف «أن هذه المشكلة لا يمكن حلها إلا بوجود دولة وفي ظل تفكك الدولة، إن كان حزب «القوات اللبنانية» أو غيره، يستطيع أن يساعد ويقوم بمبادرات ولكن لا يمكن أن يكون محل الدولة. فـ «القوات» تقوم اليوم بمبادرات وقد حاولنا في أكثر من مكان، إن من خلال اللجان التربوية للمدارس الخاصة أو إيجاد طرق لإنقاذ القطاع ولكن، في الوقت نفسه الأزمة أكبر من أن يحلها حزب أو أن أي مساعدة تعطى للأهل قد لا تفي بالغرض».

يتابع: «القوات اللبنانية قامت بتشكيل لجنة زارت عدة جامعات خاصة وبحثت مع الإدارات كيفية إيجاد حلول للأزمة. ولكن، للأسف، إن الإدارات في أزمة والطلاب أيضا، خصوصًا أن الجامعات، لكي تتمكن من القيام بمسؤولياتها الإدارية، رفعت الأقساط على الطلاب، وبعض الإدارات رفعتها بالليرة اللبنانية وبعشرة أضعاف. وما قبلت به إدارات الجامعات هو مساعدة الطلاب الذين هم بحاجة عبر مكتب المساعدات الاجتماعية، والسماح للطلاب الذين لم يسددوا أقساطهم بإجراء الإمتحانات، بالإضافة إلى جدولة الأقساط. وفي كل الأحوال، هذه الحلول ليست جذرية وفعلية للأزمة بالنسبة للطلاب وأهاليهم». وأردف: «تبلّغنا من الإدارات أنها غير قادرة على الإستمرار وتقديم مستوى تعليمي جيد إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه بالنسبة للأقساط. وكما في المدارس كذلك في الجامعات، الأزمة هي نفسها ولا يستطيع حزب بمفرده أن يحلها، وهذا بحاجة لعملية إعادة إنتظام على المستوى العام ومعالجة جذرية للوضع الاقتصادي والمالي في البلد».

وعن تداعيات الأزمة قال حبشي: «من أبرز نتائج الأزمة أن كل أستاذ كفوء لديه فرص في الخارج لا يتأخر عن قبولها»، مشيرًا إلى أن «في بداية الأزمة شهدنا هجرة كبيرة جدًا للأساتذة من لبنان، خصوصًا الأساتذة الذين حصلوا على فرصة عمل  في مجالهم. ولكن هناك مشكلة أخرى وهي أن بعض الأساتذة يفضل العمل في مجالات أخرى على البقاء في التعليم الجامعي في حال أمن لهم ذلك مردودًا ماديا جيدا». وأشار إلى وجود أزمة لدى إدارات الجامعات وهي أن عدم دفع رواتب تسمح للأساتذة الجامعيين بتأمين متطلبات حياتهم سينعكس سلبًا على المستوى التعليمي، لأن الأساتذة سيحاولون البحث عن موارد أخرى، وبالتالي هذه الإشكالية لا تزال مطروحة وموجودة».

«في بداية الأزمة سُجلت نسبة عالية لهجرة الأساتذة واليوم بدأت تنخفض، ونحن نشهد عودة ولو جزئية لهم، نتيجة تزامن الأزمة اللبنانية مع أزمة اقتصادية شاملة، ومع إنكفاء في النمو على المستوى العالمي». ويختم حبشي «إن التكتل يتابع اللقاءات مع نقابة المعلمين للوصول بهذه التشريعات الى خواتيمها، فتكون «القوات» الصوت الصارخ في سبيل إحقاق الحق».

 

«القوات» تبادر وتسعى

حيال هذا الواقع يتابع تكتل «الجمهورية القوية» مطالب المعلمين والقوانين التي تساعد في تحسين أوضاعهم، في ظل الأوضاع التي تنعكس بقسوتها وانهيارها السريع على كل القطاعات المنتجة ومن ضمنها القطاع التربوي، بحيث باتت كلفة وصولهم الى المدارس تفوق رواتبهم الشهرية.

وَتفاديا لما يهدد إستمرارية الطالب بعامه الجامعي، يقوم وفد التكتل بطرح حلول عديدة، بدءًا من إعادة جدولة الأقساط، مرورًا  بضرورة الأخذ بعين الإعتبار وضع الطلاب، وصولاً الى فتح باب المساعدات. وسوف تُستكمل هذه الطروحات مع كافة الجامعات، بالإضافة الى إطلاق صرخة واقتراح على الصعيد التشريعي بغية التخفيف عن كاهل المواطنين.

ويعمل الحزب وتكتل «الجمهورية القوية» ضمن حدّين، الأول هو المحافظة على الإرث التاريخيّ للجامعات الخاصة في لبنان، فيما الثاني يكمن في بقاء الشاب اللبناني في الجامعات التي من الواجب عدم إفراغها  من الأساتذة وكفاءاتهم.

ومن الأفكار التي يتم تداولها أيضًا، هي الدولار الطالبي الداخلي، بمعنى أن يستحصل كل طالب في الجامعات الخاصة على كمية من الأموال المودعة في المصارف اللبنانية ليؤمن بعضاً من الفريش دولار الذي يُطلب منه دفعها للجامعة، أي بين الـ500 وألف دولار أميركي، وهذه الفكرة لاقت قبولاً من قبل إدارات الجامعات. من هنا، سيستكمل بحثها بانتظار تبلورها  لتصبح إقتراح قانون داخل مجلس النواب، وفي حال أُقرَ القانون تحوّل المبالغ المالية مباشرةً من حسابات الأهالي الى حسابات الجامعات لتغطية هذه الزيادات المبررة بنظر الجامعات للمحافظة على مستوى التعليم العالي.

كما يسعى حزب «القوات اللبنانية» بشتى الوسائل لتأمين راحة المؤسسات التربوية إضافة الى ذوي الطلاب، والموضوع التربويّ ستبقى تحمله «القوات اللبنانية»، مع التشديد على دعم الجامعة اللبنانية كحلّ وطني لإبقاء الرأس المال البشريّ بأفضل النوعية التي كانت تمثلها الجامعة الوطنية.

 

عبدالله: تعافي التعليم من التعافي الاقتصادي

عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبدالله يرى أن «القطاع التربوي شأنه شأن كل القطاعات الخدماتية والاجتماعية والصحية، يعاني من أزمة الشح المالي بعد الإنهيار الاقتصادي والنقدي المتفاقم. وأصبح من المستحيل أن تتم تلبية كل طلبات وحاجات هذا القطاع بسبب نقص الإمكانات المالية وإحجام المنظمات الدولية عن تقديم المعونات، خصوصًا أنها وضعت شروطاً قاسية باتجاه هذا الأمر، وبشكل أساسي حول موضوع الدمج بين التلاميذ النازحين واللبنانيين، وهذا الأمر دونه عقبات في لبنان. ويحاول وزير التربية، وقد دعمه أخيرًا رئيس الحكومة في مجلس الوزراء، إتخاذ بعض القرارات التي ربما تلبي جزءًا من حاجات هذا القطاع. ولكن برأيي كل هذه الحلول هي حلول مؤقتة، وبالتالي هذا القطاع لا يمكن أن يتعافى من دون تعافٍ اقتصادي ومالي شامل في لبنان».

ويشير عبدالله الى أن «التعليم في لبنان أساسًا مرّ في حالة حرجة خلال فترة جائحة كورونا وتراجع، ولم ينجح التعليم عن بعد كبديل عن التعليم الحضوري، لذلك للأسف هناك جيل تخرّج خلال السنتين الماضيتين وينقصه الكثير من معايير المستوى العلمي المطلوب. لذلك يجب ألا يتكرر هذا الأمر في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والإضرابات المتكررة من معلمي الملاك أو المتعاقدين، خصوصًا ما يحصل على مستوى الجامعة اللبنانية. الأزمة الاقتصادية انعكست برمتها على كل القطاعات في لبنان، ولكن قد يكون القطاع التربوي هو الأكثر تأثرًا إلى جانب القطاع الصحي»، معربًا عن أسفه لأنه «في كل الأزمات المماثلة كل الكفاءات من كل القطاعات تهاجر، ونحن نشهد هجرة كفاءات مهنية، طبية، هندسية، محامين وحكمًا أساتذة جامعيين. اليوم هناك نقص كمًا ونوعًا في كافة ميادين الحياة الاقتصادية والتربوية والصحية في لبنان».

ولا ينتظرعبدالله «أي حلول جذرية لا في التربية ولا في الصحة، وكل الحلول التي تُستخدم هي حلول ترقيعية. ومن دون حل سياسي وخطة تعافي اقتصادي ونهوض وإعادة بناء المؤسسات وإطلاق عجلة تحفيز اقتصادي، لا حلول جذرية في ظل التفاوت بين المداخيل وحاجات الناس. وكما في القطاعين العام والخاص كذلك في التعليم الرسمي والخاص».

 

محفوض: راتب الأستاذ يساوي صفيحة بنزين

بدوره نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمه محفوض قال: «في ظل الإنهيار الذي أصاب لبنان، وفي ظل هذه المنظومة التي أخذت لبنان إلى جهنم، شهدنا إنهيارات في القطاعات الواحد تلو الآخر. وفي ظل الإنهيارات المتتالية لا يمكن لقطاع بمفرده أن يصمد، وللأسف وضع الجامعة اللبنانية والتعليم الرسمي في الحضيض. وهناك محاولات في التعليم الخاص الذي يشكل 75 في المئة من التعليم في لبنان للمحافظة على ما تبقى، لذلك هناك حاجة للحد الأدنى من مقوّمات الإستمرار أي المأكل والمحروقات والكهرباء، وهذه المقوّمات باتت غير مؤمنة لدى أكثر من 60 في المئة من أساتذة المدارس الخاصة. وكلفة هذه المتطلبات وحدها تساوي حوالى 15 مليون ليرة وراتب المعلم في أكثر من 20 في المئة و30 في المئة من المدارس لا يزال يتراوح بين المليون ونصف والثلاثة ملايين ليرة من دون أي مساعدة بالدولار».

محفوض أكد أن «النقابة حاولت البحث مع أصحاب المدارس لإيجاد الحلول ومنها إعطاء راتبين إضافيين، كما حصل مع أساتذة التعليم الرسمي ومنحة دولار وصفتها بسلفة فاتورة الكهرباء، بالإضافة الى تغذية صندوق التقاعد. وتوافقنا على هذه النقاط، ولكن للأسف العديد من المدارس لم يطبقوا هذا الإتفاق، ونحن بانتظار مجلس النواب لعقد جلسة تشريعية لإقرار الزيادات والمساعدات».

وتناول صرخة الأهالي ضد رفع الأقساط قائلا: «لماذا لم يصرخوا ضد إرتفاع أسعار المحروقات، والكهرباء، والإتصالات، والمواد الغذائية؟ وسأل: «لماذا وحده راتب الأستاذ في المدارس الخاصة يجب أن يبقى بالليرة اللبنانية؟ ولماذا القسط المدرسي يجب أن يبقى ثابتاً، في حين أن كل الأسعار تبدلت وارتفعت بالنسبة للأهالي؟» وأردف: «إذا كان الأهالي حريصين على تعليم أبنائهم عليهم أن يتجاوبوا، ونحن لا نطالب بحقنا لأن حقنا هو الحصول على راتب مضروب بـ 45 مرة، ولكن ما نطالب به هو أننا نريد أن نأكل لكي نتمكن من إعطاء الدروس كما يجب، ونريد أن نملأ خزانات سياراتنا بالوقود لكي نذهب إلى المدارس. أما الكهرباء فهي حاجة ملحة للمعلم في منزله لكي يحضّر درسه ويصحّح المسابقات. على الأهل أن يقدّروا هذه المطالب، لأن إدارات المدارس مضطرة لأن تدفع منحة بالدولار للمعلمين لكي يتمكنوا من الصمود وعلى الأهل ان يتفهموا هذا الأمر».

وسأل: «هل يُعقل أن يساوي راتب الأستاذ الثانوي صفيحة بنزين؟ إنها مهزلة، والرواتب في 30 في المئة من مدارس لبنان لا تزال بالليرة اللبنانية، وهي متدنية ولا تتجاوز المليونين ونصف المليون، في حين أن الحد الأدنى للعمال يبلغ 4 ملايين ونصف، وهناك مدارس تدفع 50 أو 70 أو 100 دولار، ولكن هذا المبلغ لا يكفي لتسديد فاتورة الكهرباء. نحن لا نطالب بحقوقنا بل بالحد الأدنى من مقوّمات الصمود لشهرين او ثلاثة أشهر لإكمال العام الدراسي. وفي حال لم يُقرّ مجلس النواب الزيادات ولم يتجاوب أصحاب المدارس لتنفيذ الإتفاق، فالعام الدراسي سيكون طبعًا بخطر، لأنه لن تكون لدينا القدرة والإمكانات للذهاب إلى مدارسنا».

وتابع: «الأزمة التي يمر فيها القطاع التربوي دفعت بأصحاب الكفاءات إلى الهجرة والبحث عن فرص عمل في الخارج. 20 في المئة من المعلمين في المدارس الخاصة تركوا المهنة ومنهم من غادر لبنان. وهناك نسبة لا يُستهان بها من الباحثين عن فرصة عمل أخرى في مجالات أخرى في لبنان أو في أي دولة من دول العالم. وفي حال بقي الوضع على ما هو عليه سنكون أمام قطاع تربوي من دون معلمين وأساتذة، وكل الكفاءات التربوية ستهاجر، وهذا الأمر سينعكس سلبًا على المستوى التربوي والتعليمي. هذا لبنان بلد الإشعاع والنور والحرف، مدرسة الشرق وجامعة الشرق سيصبح في الحضيض في حال استمرت هذه السياسة في التعاطي مع رواتب المعلمين كما تتعاطى بقايا السلطة السياسية في البلد».

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل