!-- Catfish -->

ارتدادات دولية على أنقاض زلزال القرن

كتب جو حمورة في “المسيرة” – العدد 1738

ارتدادات دولية على أنقاض زلزال القرن

«شفقة» أميركية تجاه سوريا… القرار 23 من دون أثر

 

«بعض الكوارث فرص». الزلزال الضخم الذي ضرب تركيا وسوريا مثال، إذ أعطى النظام السوري فرصة لتخطي العقوبات الدولية المفروضة عليه، وتحديداً تلك الأميركية منها. صحيح أنه لم يُفلح في تحقيق ذلك بشكل كبير، إنما كان له «شرف المحاولة» والأمل. على المقلب الآخر، تتمتع تركيا بالكثير من الدعم الدولي لمواجهة آثار الزلزال الذي ضربها، من دون الحاجة إلى شفقة الدول الأخرى.

في مقارنة سريعة لكيفية تعامل الجانب السوري والجانب التركي مع الزلزال الذي ضربهما صبيحة السادس من شباط، يمكن استخلاص الكثير. الدولة التركية حاضرة وجاهزة للإغاثة ولململة الآثار، فيما الدولة السورية ضعيفة، واهنة وغير قادرة على إتمام وظيفتها بعد الكارثة. الشعب التركي موحّد، فيما السوري منقسم عمودياً. الدولة التركية تملك الإمكانات الذاتية، فيما سوريا بحاجة إلى دعم خارجي غير متوفر. دول العالم هبّت لمساعدة تركيا، فيما رذلت معظم الدول سوريا وشعبها، بحجة العقوبات الدولية المفروضة عليها.

بعد أعوام بسيطة من اندلاع الحرب في سوريا، فرضت الولايات المتحدة الأميركية سلسلة من العقوبات عليها، كان أهمها «قانون قيصر». وينص هذا «القانون» على منع الحكومات أو المؤسسات المالية الدولية من تقديم المساعدات إلى سوريا، كما حظر توريد الأسلحة، وحظر تصدير معظم السلع الأميركية إليها، بالإضافة إلى حظر التجارة في مجال المشتقات النفطية السورية. فيما الأهم كان حظر التعامل مع الوزارات السورية ومصرف سوريا المركزي وغيرهما من مؤسسات الاقتصاد السوري، ومنع المصارف الأميركية من توفير الخدمات المالية والمصرفية إلى مصارف وشركات سورية. بكلمة أخرى، تم إخراج سوريا من النظام المالي العالمي، حيث بات من شبه المستحيل تحويل الأموال إلى سوريا نت دون رقابة وعقوبات من الجهات الأميركية. وبما أن لعالم المال «ربٌ واحد»، قلّة تجرأت على تخطي القرار الأميركي.

على أثر الزلزال الضخم، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية القرار رقم 23، وذلك «للمساعدة في جهود التعافي من كارثة الزلزال». هذا وورد في القرار «السماح بالتحويلات المالية للأغراض المسموحة للتعافي من الكارثة» حتى تاريخ الثامن من آب 2023. إلا أن القرار لا يبدو، حتى الساعة، قابلاً للتطبيق بسهولة، وذلك بسبب انقطاع العلاقات المصرفية بين المصارف السورية وتلك الأجنبية، إضافة إلى تجميد أرصدة تلك المصارف لدى المصارف المراسلة، ما يجعل من موضوع تحويل الأموال إلى سوريا أمراً صعباً وبحاجة إلى إجراءات كثيرة ومعقدة.

هذه «الشفقة» الأميركية على سوريا، سبقتها محاولات عديدة من النظام السوري لمحاولة تخطي العقوبات، حيث سعى النظام بما تبقى له من شبكة علاقات دولية ودبلوماسية من أجل الضغط بهذا الاتجاه، كما الاتكال على الداعم الروسي لخرق الحظر، إضافة إلى تنظيم بعض «العراضات» المحلية في سوريا ولبنان الداعية لـ«رفع الحصار». لا ريب أن بشار الأسد ظهر مبتسماً ضاحكاً في اليوم التالي من كارثة الزلزال، والأمل يغمره بإمكانية رفع العقوبات عليه وعلى نظامه، إلا أن الأمل سرعان ما تلاشى وتحوّل إلى خيبة، إذ لم تثمر «الشفقة» الأميركية الكثير من الإيجابيات.

حتى على الصعيد الفردي، أي إن أراد أحدهم إرسال الأموال إلى سوريا لـ«فك الحصار» أو لـ«مساعدة الضحايا»، فإن صعوبة كبيرة تعتري هذا الأمر. ومنها، بشكل أساسي، تحديد شركات التحويل سقف أربعمائة دولار المرسلة إلى الداخل السوري، فيما العمولات على هذا المبلغ الضئيل جداً عالية كثيراً. والجدير ذكره أن الكثير من السوريين، وحتى الأفراد العاديين منهم، قد تم تجميد أموالهم في المصارف العالمية، وذلك لعلاقاتهم مع النظام السوري المعاقب من دول العالم.

على المقلب الآخر، تبدو الأمور مختلفة جداً في تركيا. الكثير من الدول تساعد أنقرة في محنتها وتقدم ملايين الدولارات ومئات الأطنان من المساعدات. حتى الشعب التركي نفسه، قدّم مليارات الدولارات في حملات إعلامية وتبرّعات يمكنها، حقاً، أن تصنع أثراً طيباً في مواجهة هول الكارثة. من المؤكد أن حجم الكارثة وضخامتها في تركيا أكبر بكثير من تلك التي حلّت بسوريا، لكن الأكيد كذلك أن معظم الدول هبّت سريعاً ومن دون حسابات مصلحية لمساعدة أنقرة عقب الزلزال. حتى لبنان، المقسوم على نفسه والذي يعيش في خِضم أزمة اقتصادية وسياسية كارثية، لم يتوانَ عن إرسال فرق الإنقاذ للبحث عن المفقودين ولملمة جراح المصابين وتضميدها.

الفروقات بين أثار الزلزال في سوريا وفي تركيا كبيرة جداً. في تلك الأخيرة دولة قوية ساعدت الكثير من الدول في الماضي، وأرسلت المساعدات إلى دول الشرق الأوسط، وأفريقيا والبلقان والقوقاز وبعض دول أوروبا وآسيا خلال مِحنها، فيما العالم اليوم «يرد الجميل» ليساعدها في محنتها، وذلك بشكل عادي من دون منّة أو شفقة. أما سوريا، فلم ترسل في السنوات الماضية إلى العالم سوى اللاجئين والقذائف وبعض الإرهابيين، فتحوّلت، خلال الحرب، إلى بؤرة خطرة غير آمنة أو تحبذ أن يمد أحد لها يد العون، هذا طبعاً باستثناء الدول المرذولة من العالم كإيران ولبنان وغيرها.

أزمة النظام السوري مستمرة إذاً. لا رفع للعقوبات الأميركية إلا بشكل محدود جداً وقليل الأثر. أما محنة الشعب السوري فمختلفة وأكثر عمقاً. فبعد الحرب الطويلة المستمرة طيلة 13 عامًا، يأتي الزلزال ليشكّل أزمة إضافية على أزمة السوريين، وسط ركود سياسي وحالة من الفوضى والعسكرة لا تزال قائمة في البلاد، وسعي إلى الاستمرار في القتال وتهجير الناس من قِبل النظام السوري وأعدائه، وسط غياب أفق لحل حقيقي للأزمة السورية وضياع في الأولويات وطموحات الفرقاء المحليين غير الممكنة. أزمة تلو أزمة، والفرد السوري وحده يدفع ثمن خيارات حاكمه. حتى شفقة العالم على حال سوريا ومواطنيها لم تعد أمراً يهم أحدًا في العالم تقريباً.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل