ثقافة المظلومية ونهج التغلّب (1)

حجم الخط

كتب جهاز التنشئة السياسية – “المسيرة” – العدد 1738

ثقافة المظلومية ونهج التغلّب

حزب الله: النشأة والعقيدة والممارسة (1)

يشكل «حزب الله»، من دون منازع، القوة العسكرية الأكبر في لبنان. لا مفر من الإقرار بذلك، أو الإجتهاد في إثبات هذا الأمر، طالما هو الحزب الأوحد الذي يحمل سلاحاً على الأراضي اللبنانية. ويتلقى الدعم غير المحدود من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث اصطفى لنفسه قضية محاربة إسرائيل بعدما حارب كل من حاربها يوماً.

تأسس «حزب الله» في ظروف سياسية إستثنائية، وتأثر بثلاثة عوامل جعلت من نشأته ممكنة. ساهم الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وفشل ردعه من القوى والميليشيات الفلسطينية واللبنانية، بإخلاء الساحة لـ»حزب الله»، فيما ساهم إنتصار الثورة الإسلامية في إيران، بشكل مباشر، بوجود الحزب. بالإضافة، طبعاً، إلى عامل التغيير الذي حدث في المجتمع الشيعي اللبناني في بداية ثمانينات القرن الماضي، والتأثيرات التي أدخلها الإمام موسى الصدر عليه قبل تلك الفترة. والتحوّلات التي نتجت عن الحرب الأهلية ونضال القوى الإسلامية في تلك المرحلة.

إن كان تاريخ تأسيس «حزب الله» قد تأثر بعوامل سياسية، عسكرية واجتماعية، يبقى أن عقيدة الحزب قد تأثرت بشكل كلي، بالبعد الديني، وما أرساه الإمام الخميني من أفكار طبعها في هوية إيران بعد العام 1979 وفي صلب «حزب الله» نفسه. مرد هذا الأمر يعود إلى أن تأسيس «حزب الله» كان بإرادة وتوجيه إيرانيين بشكل أساسي، وغير نابع من رغبة لبنانية أو شيعية عامة، حيث لم يكن لتلك الأخيرة سوى خيار تلقف نشأة «حزب الله» سلباً أم إيجابياً، ومن ثم الإنخراط فيه بالإقتناع، بالإكراه، أو بحكم الحاجة.

على العموم، تبقى العقيدة الدينية والسياسية لـ»حزب الله» إستثنائية بالمقارنة مع مختلف العقائد التي حملتها أو تحملها الأحزاب اللبنانية عامة، أكان اليوم أم في الماضي. هذه الإستثنائية هي ميزة إيجابية بقدر ما هي سلبية، إذ إن إستثنائية الشيء دليل على فرادته من ناحية، كما، من ناحية أخرى، على اغترابه عن الهوية اللبنانية العامة، والإطار الذي حكم ويحكم الأفكار والعقائد السياسية والدينية اللبنانية في الماضي والحاضر.

تمتاز العقيدة الدينية والسياسية لـ»حزب الله» بأنها شمولية وشاملة. إن الشمولية مردها إلى إهتمام «حزب الله» بالجماعة على حساب الحقوق الفردية، وبظروف الأمة على حساب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الخاصة، وبمعاداة أميركا والغرب على حساب تنمية المجتمع المحلي وتطوّره. بالإضافة إلى أن الهرمية التنظيمية هي جدّ صارمة داخل المؤسسة الحزبية: السياسية والعسكرية. تجد الشمولية موطئ قدم لها عند «حزب الله»، كذلك، عبر تقديمه أفكاراً دينية توجيهية للجمهور، وهي أفكار وعقائد الربط بين البعد الغيبي والبعد الزمني، وتجد منبعها في التاريخ بشكل عام، وفي التجارب الشيعية الأساسية بشكل خاص.

أما في أن العقيدة شاملة، فهي تأخذ من الإسلام، والعقائد الشيعية الخاصة مراجع لها، وتقدم تفسيراتها للحياة والتاريخ والقيم والفن والفلسفة والقانون والصراعات والأفكار من منظار ديني بحت، وهو منظار جامد إيديولوجيًا، قليل التطوّر، وشامل التصوّر. وهكذا، تشرح الأوراق السياسية التي نشرها «حزب الله»، وتحديداً «الرسالة المفتوحة إلى كل المستضعفين في العالم» (1985)، و»الوثيقة السياسية» (2009)، عقيدته، ونظرته الشاملة لكل ما تواجهه الأمة الإسلامية والعربية، لبنان، والأفراد من مخاطر وفرص، فيما مضمون أفكاره تجاه كل تلك القضايا، لا يحيد عن منظار الفهم الإيديولوجي الجامد المشبع بالأفكار الدينية، والذي يشكل المنطلق الفلسفي لفهم «حزب الله» لكل قضية من القضايا.

فيما يلي، تهتم هذه الورقة البحثية في دراسة أربعة مواضيع فرعية تباعاً، حيث تشكل كلها مداميك لفهم بنية «حزب الله» في العقيدة والممارسة، وبالتالي في الهوية. الموضوع الأول هو عن حال المجتمع الشيعي اللبناني ما قبل نشأة «حزب الله»، والتطورات السياسية والديموغرافية والدينية التي حدثت فيه. أما الثاني، فهو عن تاريخ تأسيس الحزب وأعماله العسكرية خلال الحرب اللبنانية، مع ما رافق تلك المرحلة من قتال بينه وبين قوى أخرى، لبنانية وأجنبية، وصولاً إلى مرحلة إتفاق الطائف وإنخراط «حزب الله» لاحقاً، في العمل العسكري المنفرد في وجه إسرائيل ووجه اللبنانيين، وفي العمل السياسي الداخلي اللبناني.

فيما الثالث، هو عرض لأبرز الأفكار العقائدية التي يحملها «حزب الله»، وذلك عبر الإستناد إلى مضمون الوثائق السياسية الأساسية التي أصدرها الحزب نفسه. وختاماً، يقوم الموضوع الرابع على لحظ ممارسات «حزب الله» في السنوات القليلة الماضية، وكيفية تقويضها لسيادة الدولة اللبنانية، النظام السياسي اللبناني والحياة السياسية بشكل عام، كما ممارسته وحمايته لسلسلة من الموبقات الاجتماعية التي يعيشها لبنان والمجتمع اللبناني عمومًا، والشيعي خصوصًا.

 

– أولاً: تطوّر المجتمع الشيعي اللبناني ما قبل «حزب الله»

1 – التهميش المفترض وأسبابه

ترى الأفكار العميقة لدى المسلمين الشيعة في لبنان، أنه منذ إستقلال البلاد عام 1943، سيطرت طائفتان على النظام السياسي: المسيحيون الموارنة والمسلمون السنّة، والذين وضعوا يدهم على أرفع المناصب في الدولة، وهيمنوا على القطاع الخاص. إن نُظر إلى توزيع السلطة في لبنان من زاوية طائفية بحتة، يمكن التوافق على جواز صحة الرأي الذي سبق. إلا أن المؤكد هو أن الطائفة الشيعية لم تلعب، في حينها، دوراً رائداً أو قيادياً في النظام السياسي اللبناني أو في عملية صنع القرار. وعلى عكس الرواية الشيعية المعمّمة ولدى «حزب الله»، لم يكن هذا التهميش ناجماً عن نوع النظام السياسي أو توزيع السلطة فيه أو حتى ميلاً إنتقامياً من الطوائف الأخرى، بل كان عائداً لأسباب أكثر تشعباً، ومرتبطة بشؤون اجتماعية، سياسية، دينية، اقتصادية، وجغرافية عميقة.

خلال العقود الأولى من القرن التاسع عشر، واجهت الطائفة الشيعية في لبنان مشكلة خطيرة تتعلق بغياب العدد الكافي من العلماء ورجال الدين. كانت النظرة إلى رجال الدين الشيعة سلبية داخل مجتمعهم الخاص، بينما كانت الأسر الغنية تميل إلى توجيه أبنائها لدراسة التخصصات العلمية أو متابعة دراستهم في الخارج. كان المجتمع الشيعي مجتمعاً شبه إقطاعي خلال العقود الأولى من القرن الماضي، مما دفع بعض الفقراء وحملة الشهادات العلمية وأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية من لبنان للانتماء إلى الأحزاب اليسارية.

يتوزع انتشار الطائفة الشيعية في لبنان بشكل أساسي في المنطقة الجنوبية من لبنان، وفي سهل البقاع، الواقع شرق البلاد بالقرب من الحدود السورية. في العاصمة، كان عدد قليل من الشيعة يعيشون قبل سبعينات القرن الماضي، وبشكل رئيسي في الضواحي (حي السلم، حارة حريك، النبعة، إلخ). إن حقيقة وجودهم الديموغرافي الذي كان محصوراً، في تلك الفترة، في بعض المناطق وبعيداً عن العاصمة في دولة شديدة المركزية كلبنان، أدى إلى ضعف تأثيرهم كجماعة في شؤون البلاد داخل النظام السياسي وفي عملية صنع القرار. وذلك على عكس الموارنة أو السنّة المتمركزين ديمغرافياً في المدن الكبرى وعلى مجمل الجغرافيا اللبنانية.

بمعنى آخر، إن حالة المجتمع الشيعي السياسية والاجتماعية والدينية والديموغرافية، خلال تلك المرحلة، كانت السبب الأساسي في تهميشهم المفترض، ولم يتم إقصاؤهم عن لعب دور مميّز في النظام السياسي عن سابق تصوّر وتصميم ماروني أو سنّي. إنما كانت أوضاع الجماعة الشيعية، في دولة شديدة المركزية كلبنان، سبباً كافياً لعدم قدرتهم على خوض غمار الحياة السياسية المؤثرة كبقية الطوائف الكبرى الأخرى.

2 – موسى الصدر واستنهاض الطائفة

كان الإمام موسى الصدر، القادم من العراق، قد استقر في لبنان منذ عام 1959. سعى الرجل إلى نهضة المجتمع الشيعي اللبناني، فيما ساعدته شخصيته الدينية الرفيعة المستوى، وبكونه رجلاً يتمتع بشخصية ذات سمات كاريزمية. منذ ذلك الحين، أظهر أفراد كثر من الطائفة الشيعية في لبنان اهتماماً بتعلم الدراسات الدينية، فتم إرسالهم إلى العراق وإيران للقيام بذلك. أنشأ الصدر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عام 1967 كمؤسسة دينية رسمية مسؤولة عن شؤون الطائفة الشيعية، كما هاجم الشخصيات الإقطاعية التي مثلت المجتمع الشيعي في الحياة السياسية اللبنانية. عمل الرجل، كذلك الأمر، على تعزيز الهوية الدينية والثقافية للشيعة، ورفع الصوت في وجه حرمانهم من المناصب في الإدارة والنظام السياسي والقطاع الخاص، حتى أنه أنشأ «حركة المحرومين» من أجل إزالة الحرمان الذي يعاني منه الشيعة والشباب، وأنشأ أفواج المقاومة اللبنانية (أمل) كجناح عسكري للحركة بهدف حماية المجتمع الشيعي ومصالحه.

ساعدت ظروف اجتماعية واقتصادية الصدر على تحقيق هدفه باستنهاض طائفته. بين الستينات والسبعينات، أصبحت بيروت مدينة ليبرالية متطوّرة، مما شجع العديد من أفراد المجتمع الشيعي على الانتقال إلى العاصمة من أجل العمل والعيش في ضواحيها. زاد هذا النزوح من حجم المجتمع الشيعي في العاصمة وأقام مناطق ذات أغلبية شيعية، مثل الضاحية الجنوبية لبيروت.

بالمقارنة مع الأحزاب اليسارية التي كانت منتشرة في المجتمع الشيعي، هيمن خطاب الصدر على المجتمع، وتزامن عمله في النهضة الدينية والثقافية وشعاراته عن الحرمان والظلم والمظلومية، مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي كان يعيشها أبناء القرى وضواحي بيروت، فتم إحياء هوية المجتمع الديني وتقويتها خلال تلك السنوات. في نهاية المطاف، كانت الطائفة الشيعية مستعدة، منذ الأيام الأولى للحرب الأهلية، لمواجهة أول حارميها حسبما افترضت، النظام السياسي اللبناني.

3 – الحرب اللبنانية وظروف نشأة «حزب الله»

نشأ تحالف هجين غير متجانس خلال السنوات الأولى من الحرب اللبنانية: منظمة التحرير الفلسطينية، اليساريون، بعض الشيعة بعض السنّة، وبعض الدروز، والكثير غيرهم في وجه «الجبهة اللبنانية». أراد الفلسطينيون حكماً لبنانياً مرتهنا يدعم قضيتهم ويشرعن سطوتهم على لبنان. أراد اليساريون العدالة الاجتماعية والسطوة على السلطة. أراد السنّة والشيعة والدروز. وكل بشكل منفصل، حصة أكبر في النظام السياسي والاقتصادي اللبناني.

قاتلت ميليشيا «أمل» في العديد من المناطق ضد كل من الجيش اللبناني والقوى المسيحية. أدت الحرب إلى عسكرة المجتمع الشيعي، والقضاء على ما تبقى من النظام شبه الإقطاعي فيه، وظهور «طبقة جديدة» داخل المجتمع مكوّنة من رجال دين محافظين يمتلكون قوة تأثير عسكرية، اجتماعية، سياسية، حيث سينشأ «حزب الله» لاحقاً، من رحم هذه «الطبقة».

لم يتغيّر النظام السياسي بسبب توازن القوة العسكرية بين الجماعات المقاتلة. اجتاح الجيش السوري بعض مناطق لبنان عام 1976، وتبعه الجيش الإسرائيلي الذي سيطر على أجزاء من المنطقة ذات الأغلبية الشيعية في الجنوب عام 1978، مما أدى إلى موجة جديدة من نزوج لأبناء الطائفة الشيعية إلى ضواحي بيروت. خلال العام نفسه، اختفى الصدر واثنان من مساعديه بعد مغادرتهم إلى ليبيا للقاء مسؤولين حكوميين بدعوة من الرئيس معمر القذافي.

أدى فقدان الطائفة الشيعية لزعيمها، إلى البحث عن قيادة جديدة، حيث تم انتقاء حسين الحسيني لبضعة أشهر ثم نبيه بري. ونتيجة لذلك، بدأ العديد من أعضاء حركة «أمل» في إظهار العداء لقيادتهم الجديدة بسبب ميلها إلى التصالح مع الحكم والقوى المسيحية بين عامي 1980 و1982. وخلال نفس الفترة، كان الخميني يؤسس نظاماً جديداً في إيران بعد نجاح ثورته، ويتعهّد بنشر الثورة الإسلامية في العالم. هذا في وقت كانت إسرائيل تجتاح لبنان وتسيطر على بيروت عام 1982.

كل الظروف المحلية والإقليمية كانت مناسبة لنشأة «حزب الله» إذاً: نجاح الثورة الإسلامية في إيران، الاجتياح الإسرائيلي للبنان، انتهاء النظام شبه الإقطاعي في المجتمع الشيعي، الحرب الأهلية وعسكرة الشباب الشيعي، الفشل في تغيير النظام السياسي، ظهور طبقة من الشخصيات الدينية المحافظة، اختفاء الصدر، ورفض سياسات قيادة «أمل» الجديدة. أما عملياً، فقد تُرجم هذا الأمر بانشقاق بعض قادة حركة «أمل» عن الميليشيا وإنشاء «حركة أمل الإسلامية» عام 1982، ثم اندماجها مع بعض الجماعات الشيعية الأخرى التي تم تدريبها على يد «الحرس الثوري» الإيراني في منطقة البقاع، ومجموعة أخرى من روابط وتجمّعات لرجال دين، فأنشأت المجموعات الثلاث، «حزب الله» في العام نفسه، لكنها تريثت في الإعلان عن وجوده بشكل رسمي إلى العام 1985.

 

ـ ثانياً: سطوة «حزب الله» على لبنان

1 – تأمين الهيمنة عبر القوة

بعد انسحابهم من بيروت عام 1982، ازدادت الهجمات ضد الجيش الإسرائيلي من قبل جماعات يسارية، فلسطينية، وبعض الفصائل الشيعية. إلا أن هجمات «حزب الله» تميزت عن غيرها من حيث الأثر والأسلوب. انتهج الحزب، خلال تلك الفترة، أسلوب العمليات الانتحارية، حيث كان يُرسل بعضاً من أنصاره لتفجير أنفسهم في وجه الآخرين. على سبيل المثال، أدت الهجمات الانتحارية ضد مقر الجيش الإسرائيلي في مدينة صور عام 1983، إلى مقتل 71 جندياً إسرائيلياً. كما أسفرت هجمات أخرى استهدفت السفارة الأميركية وقواعد القوات المتعددة الجنسيات في بيروت عن مقتل 241 من مشاة البحرية الأميركية و58 مظليا فرنسياً عام 1983.

الهجمات الانتحارية «أعطت معنى جديداً لمفهوم التضحية المتأثر بنمط أعمال الثورة الإيرانية». هذا وأخذ «حزب الله» العديد من الدبلوماسيين والصحفيين ورجال الأعمال ورجال الدين الأميركيين والفرنسيين والروس كرهائن خلال منتصف ثمانينات القرن الماضي. أما طريقة استخدام الرهائن في عالم السياسة، فكانت عبر استغلالهم كوسيلة للضغط على الحكومات الغربية ضد تمويل أو تسليح العراق في حربه ضد إيران، أو لمنح إيران أفضلية في مفاوضاتها مع الغرب.

في عام 1985، كان «حزب الله» يسيطر على أجزاء صغيرة من الضاحية الجنوبية لبيروت وبعض المناطق الأخرى في المنطقة الجنوبية من لبنان. ومع ذلك، فإن هذا الحد الأدنى من السيطرة لم يلبِّ طموحات المنظمة الساعية إلى الهيمنة على الأرض اللبنانية ولو بالقوة. وهكذا، خاض «حزب الله» بين عامي 1986 و1990، العديد من الحروب الداخلية ضد الفصائل والميليشيات الأخرى من أجل بسط سيطرته. منذ عام 1986، بدأ التنظيم في الاشتباك مع الشيوعيين والميليشيات اليسارية وميليشيات الحزب السوري القومي الاجتماعي في جنوب لبنان وفي بيروت، واغتال العديد من الكوادر اليسارية والشخصيات المعارضة له.

تم الإعلان عن هدف «حزب الله» من هذه الحروب في مناسبات عديدة. ومنها إعلان الزعيم المستقبلي للحزب حسن نصرالله خلال هذه الاشتباكات أن: «استراتيجيتنا هي بناء مستقبل لأنفسنا من خلال المواجهة مع العدو. فليتركنا (الشيوعي) وشأننا لمحاربة إسرائيل […] يجب ترك منطقة الحدود لنا». من هنا، يمكن فهم هدف «حزب الله» من الدخول في حروب متنقلة مع القوى التي تتشابه معه في نية قتال إسرائيل، وهو هدف يريد منه بناء مستقبله وتعزيز هيمنته على لبنان وعلى الآخرين ليزيد من قوته، وليصبح الميليشيا الوحيدة التي تقاتل إسرائيل.

إلى جانب الشيوعيين والسوريين القوميين الاجتماعيين، واصل الحزب معاركه، عام 1987، ضد حركة «أمل». كانت المواجهات معها هي الأطول والأكثر ضراوة، واستمرت إلى العام 1990. اندلعت المعارك في مناطق واسعة تسيطر عليها تقليدياً حركة «أمل» أكان في بيروت، ضاحيتها الجنوبية أم جنوب لبنان. في نهاية المطاف، سيطر «حزب الله» على العديد من المناطق الجديدة وهيمن على حركة «أمل» التي لم تبلِ البلاء الحسن في القتال. وتم توقيع وقف إطلاق النار بينهما تحت إشراف سوريا وإيران.

إلى جانب سيطرته السابقة على بعض نواحي سهل البقاع، أدت هذه المعارك إلى هيمنة لا لبس فيها لـ»حزب الله» على المنطقة الجنوبية من لبنان وأجزاء واسعة من بيروت وضاحيتها الجنوبية. منذ عام 1989، أصبح «حزب الله» القوة الفعلية الوحيدة التي لها مهمة محاربة إسرائيل. وفي وقت لاحق، أعطى القتال مع إسرائيل «حزب الله» مزيداً من الشعبية والهيمنة، وبالتالي المزيد من السيطرة والسطوة على لبنان والطائفة الشيعية.

عام 1989، اجتمعت معظم الجماعات السياسية اللبنانية والميليشيات المقاتلة من أجل إنهاء الحرب. تم توقيع اتفاقية الطائف بإشراف المملكة العربية السعودية وسوريا والولايات المتحدة الأميركية، وتم الاتفاق على نظام سياسي جديد للبلاد. في البداية، رفض «حزب الله» النظام المقترح لكنه عاد واعترف به بشكل موارب. في عام 1990 تم توقيع اتفاق السلام المؤقت بين اللبنانيين تحت شعار «لا غالب ولا مغلوب»، فيما واصل «حزب الله» محاربة إسرائيل منذ ذلك الحين، وأصبح المنظمة الوحيدة التي احتفظت بسلاحها وببنيتها العسكرية، فيما حلّ كل الآخرون بنيتهم العسكرية وسلّموا أسلحتهم الثقيلة للجيش اللبناني.

2 – العمل السياسي والعسكري في زمن السلم

بعد ضمان دعم حكومي بأن يكون الجهة الوحيدة التي تقاتل إسرائيل، واجه «حزب الله» المعضلة التالية: المشاركة في النظام السياسي اللبناني الجديد أم البقاء خارجه؟ عارض الأمين العام للحزب عباس الموسوي نظام ما بعد اتفاق الطائف الذي ترك للمسيحيين، وغيرهم من الطوائف غير الشيعية، وجوداً وصلاحيات ومقاعد في السلطات التنفيذية والتشريعية، فلم يوافق على المشاركة في الانتخابات النيابية لعام 1992، على اعتبار أن مشاركة «حزب الله» ستعطي شرعية للنظام الجديد. سُمع خلاف عقائدي وسياسي داخل «حزب الله» بين من يؤيد المشاركة في الانتخابات ومن يعارضها، فكان الاقتراح هو الرجوع إلى القيادة الإيرانية للوقوف على رأيها والتصرّف تبعاً له، فوافق الخميني وأيد وجهة نظر المشاركة في الانتخابات ووافق عليها. ونتيجة لذلك، شارك «حزب الله» في الانتخابات وفاز بـ12 مقعداً من أصل 128، وشغل منصب أمينه العام الجديد حسن نصرالله بعد اغتيال الأمين العام السابق عباس الموسوي.

هيمنت الأحزاب الإسلامية الموالية لسوريا والموالية لإيران على البرلمان ثم على السلطة التنفيذية في ما بعد، بينما قاطع الانتخابات أولئك الذين عارضوا الوجود والهيمنة السورية على لبنان، كالقوات اللبنانية، الكتائب اللبنانية، وأنصار قائد الجيش السابق ميشال عون. نتيجة لذلك، لم تتمكن الأحزاب المسيحية من تأمين مقاعد لها ولم تعطِ شرعية للحكم الجديد. بينما، في المقلب الآخر، منحت مشاركة «حزب الله» في انتخابات 1992 وغيرها من الانتخابات، النظام السياسي اللبناني كما السلطة اللبنانية المزيد من الشرعية، فيما الأهم من ذلك، كان إعطاء السلطة اللبنانية لـ»حزب الله» شرعية كحزب سياسي وليس مجرد ميليشيا فقط.

في حينها، لم تطغَ المشاركة في الانتخابات على أولوية الاهتمام بالمصدر الشعبي الأساسي لشرعية «حزب الله» كمنظمة. قاتل الحزب إسرائيل بأسلوب حرب العصابات بين عام 1992 حتى الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000. وخلال تلك السنوات، انخرط «حزب الله» وإسرائيل في مناوشات مدروسة ومنظمة ضمن قواعد محددة، حيث أعقب كل عملية عملية مضادة بنفس الشدة، كما تم الاتفاق عام 1996، على عدم استهداف المدنيين من قبل الطرفين، وفق ما يُعرف بـ»تفاهم نيسان». أعطى هذا النوع من القتال «حزب الله» شعبية أكبر في المجتمع الشيعي واللبناني بشكل عام، وتوسع دعمه مالياً وسياسياً وعسكرياً من سوريا وإيران.

عام 2000، غادر الجيش الإسرائيلي المنطقة الجنوبية التي سيطر عليها منذ 1978 و1982 من دون اتفاق مع لبنان أو «حزب الله». دخل الحزب المنطقة من جانب واحد، مما منحه مزيداً من الشعبية ومراكز السيطرة. اعتقد كثر، بما فيهم دول أجنبية وقوى محلية، أن الحاجة إلى السلاح لمحاربة إسرائيل لم تعد ضرورية منذ أن غادرت إسرائيل الأراضي اللبنانية، إلا أن «حزب الله» ادّعى أن مطلب نزع سلاحه غير ممكن أو وارد، ما دامت إسرائيل تحتفظ بأجزاء صغيرة من الأراضي اللبنانية كمزارع شبعا، على الرغم من أن هذه المنطقة تابعة، في القانون الدولي، للجانب السوري.

بعد عام 2000، عمل «حزب الله» على تعزيز حضوره الاجتماعي من خلال خلق أو زيادة الأموال لمؤسساته ومنظماته الاجتماعية والاقتصادية. أنشأ التنظيم مؤسسات في جميع المجالات تقريباً، كما عمل على زيادة تأثيره على الشيعة اللبنانيين الذين يعيشون في الخارج وأنشأ خلايا مقاتلة هناك تعمل على التجنيد وجمع الأموال. بالإضافة إلى ذلك، ازدهرت الأعمال المخالفة للقانون التي ارتبط إسم «حزب الله» فيها من تهريب للمخدرات، ونقل الأسلحة، وتبييض الأموال، وزعزعة استقرار الكثير من الدول، الأمر الذي دفع العديد من دول العالم إلى تصنيفه كمنظمة إرهابية عابرة للحدود.

3 – «حرب تموز» واجتياح بيروت والجبل وسوريا

في عام 2006، اندلعت «حرب تموز» بين إسرائيل و«حزب الله»، واستمرت لـ33 يوماً. بدأت الحرب عندما ارتكب الحزب خطأ حسب قول أمينه العام بعد نهايتها، حين شنّت ميليشياته هجوماً عبر الحدود أسفر عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وخطف إثنين. ردت إسرائيل بغارات جوية وقصف مدفعي، وطالت أهدافاً عسكرية للحزب كما البنية التحتية اللبنانية، بما في ذلك مطار بيروت، ثم شنّت حملة برية محدودة في جنوب لبنان، بعدما فرضت حصاراً جوياً وبحرياً. هذا ويُعتقد أن الحرب هذه قد أدت إلى مقتل أكثر من ألف لبناني وألحقت أضراراً بالغة بالبنية التحتية اللبنانية وشرّدت ما يقرب من مليون شخص.

في 11 آب 2006 وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع على القرار رقم 1701. دعا القرار الذي وافقت عليه الحكومتان اللبنانية والإسرائيلية، إلى نزع سلاح «حزب الله»، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، ونشر القوات المسلحة اللبنانية في المنطقة الحدودية، وتوسيع نطاق وعديد قوات «اليونيفل» في الجنوب، بما في ذلك القدرة على استخدام القوة لضمان عدم استخدام منطقة عملياتها في أنشطة عسكرية.

على الرغم من الادعاءات التي غالباً ما يطلقها «حزب الله»، إلا أنه خسر «حرب تموز»، ليس لأن الكلفة البشرية والمادية عليه وعلى لبنان كانت أكبر من الكلفة على إسرائيل فقط، إنما، ببساطة، لأن إسرائيل قد حققت أهدافها من الحرب. لقد استطاعت إسرائيل إعادة رفات جنودها، كما فرضت، عبر الأمم المتحدة، حصاراً بحرياً على «حزب الله»، وعززت من قوات «اليونيفل» في الجنوب. أما الأهم، فهو تنعّم إسرائيل بسلام وأمن مستدامين منذ تلك الحرب وحتى اليوم، فلا معارك ومناوشات وعمليات عسكرية وأمنية مع «حزب الله»، إنما هدوء وتوافق ضمني بين الجميع على عدم الدخول في مواجهات عسكرية قرب الحدود.

نتيجة للقرار الدولي رقم 1701، خسر الحزب الإمكانية الواقعية لقتال إسرائيل بأكلاف ضئيلة كما كان يفعل قبل الحرب. فبات توجهه نحو الداخل اللبناني، ومن ثم نحو الانخراط في الصراعات الإقليمية في سوريا، العراق واليمن. ومع انخفاض النزاع بين «حزب الله» وإسرائيل إلى الحد الأدنى، شارك في الحكومة اللبنانية ببضعة وزراء، ثم غزا المناطق ذات الأغلبية السنيّة المناوئة له في بيروت، والدرزية في القسم الجنوبي من جبل لبنان عام 2008 بعد أزمة حكومية داخلية.

ساهم «حزب الله»، بشكل أساسي، في توريط لبنان بأزمات سياسية وخارجية كبيرة نتيجة لتدخلاته الإقليمية، فدفع لبنان ثمن ذلك مع تفاقم الأزمات فيه. وساهم «حزب الله»، عن قصد أو عن غير قصد، في الأزمة الاجتماعية العميقة داخل المجتمع الشيعي. كما الأزمات الاقتصادية المرتبطة بشكل مباشر بسوء العلاقة بين لبنان ودول العالم. بالإضافة إلى الأزمة السياسية الحالية في لبنان، وعمل الحزب على تقويض أي مسعى شعبي تغييري وأي اتفاق سياسي بين قوى لبنان المؤثرة. هذه المواضيع وغيرها سيتم التوسّع بها، بعد عرض أبرز مضامين العقائد الدينية والسياسية لدى «حزب الله».

 

– ثالثاً: هوية «حزب الله» العقائدية

1 – أركان الهوية الدينية لـ»حزب الله»: الإسلام، الجهاد، وولاية الفقيه

بعد إقرار اتفاق الطائف، تبنّى «حزب الله» موقفاً براغماتياً وبرنامجاً سياسياً من أجل الحفاظ على نفوذه في النظام الجديد. وعلى الرغم من أن عقيدته لم تتغيّر من حيث الجوهر، إلا أن «حزب الله» أعاد تفسيرها لتتلاءم مع الظروف المتغيّرة، وفصل بين برنامجه السياسي اليومي ومبادئه الإيديولوجية. كان ولا يزال أحد أهدافه الإيديولوجية هو إقامة دولة إسلامية في لبنان كما أعلن في «الرسالة المفتوحة» عام 1985، لكن هذا لم يكن شيئاً يسعى إليه «حزب الله» بشكل صريح وعلني في أنشطته السياسية اليومية.

استخدم «حزب الله» الإيديولوجيا من أجل خدمة مصالحه السياسية والتعزيز من قدرته على كسب المزيد من النفوذ في لبنان، من دون أن يعني ذلك تخلّيه عن العقائد لتبرير تصرّف ما أو موقف محدد. أما هويته العقائدية، فيمكن تحديدها بالرجوع إلى وثيقتيه الأساسيتين اللتين أطلقهما للتعبير عن أفكاره، أهدافه، ورؤيته للحياة والسياسة والحرب، وهما: «الرسالة المفتوحة إلى كل المستضعفين في العالم» عام 1985، و»الوثيقة السياسية» عام 2009.

تم تصميم إيديولوجية «حزب الله» لتكون متطابقة مع تعاليم مؤسس الجمهورية الإسلامية وأول مرشحيها: الخميني. أعلن «حزب الله»، في «الرسالة المفتوحة»، طاعته «لقائد واحد، حكيم وعادل». كما اعتبر نفسه استمرارا للثورة الإسلامية التي نصرها الله في إيران. اعتبر الحزب نفسه، كذلك، كياناً إسلامياً شيعياً عابراً للحدود يملي سلوكه ولي الفقيه، وليس حزباً مغلقاً في لبنان. بمعنى آخر، فإن قيادة الحزب وتوجيهه وتفويضه وقراراته بالحرب والسلام وما إلى ذلك هي بيد الولي الفقيه.

في أوائل التسعينات، بدأ «حزب الله» عملية تحديث لـ»الرسالة المفتوحة»، والتي تُوِّجت بإصدار «الوثيقة السياسية» عام 2009. لكن قيادة «حزب الله» أكدت طوال الوقت على ديمومة الرسالة ومبادئها، ولا سيما التمسك بولاية الفقيه. في مقابلة متلفزة، قال الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله، إن التحديث «سيأخذ في الاعتبار التغييرات […] التي حدثت في السنوات السابقة […] لكنه لن يُحدث أي تغيير كبير في عقائدنا وتوجهاتنا العامة». ثم في عام 2016، أعاد نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم التأكيد مرة أخرى على هذه النقطة، واصفاً الرسالة المفتوحة، وفي أكثر من مقابلة تلفزيونية، بأنها «وثيقة دائمة ومستمرة».

يرى «حزب الله» نفسه كحركة سياسية ومقاومة في آن، حيث تتشابه أنشطتها العسكرية إلى حد بعيد مع أنشطة منظمات حرب العصابات، وتتأثر إيديولوجيته بشدة بالإيديولوجية الدينية للقيادة الإيرانية. فيما يلي نظرة على العقيدة والهوية الدينية للحزب وأركانها الثلاثة: الإسلام، الجهاد وولاية الفقيه.

لم يتم التطرق إلى عقيدة «حزب الله» الدينية بتفصيل كبير في «الورقة السياسية»، باستثناء عرض موجز لها. يمكن العثور على أركان الهوية الدينية الأساسية له في «الرسالة المفتوحة» وفي كتاب نائب الأمين العام الحالي لـ»حزب الله»: «حزب الله: القصة من الداخل» (2005).

ينحدر «حزب الله» من الطائفة الشيعية. إن إيمانه بالإسلام الشيعي ليس سراً، لكن في الفصل الخاص بالإسلام، لا يقدم قاسم تفسيراً شيعياً محدداً للدين باستثناء بعض الإشارات إليه، وذلك، على الأرجح، من أجل تصوير «حزب الله» على أنه منفتح على جميع المذاهب الإسلامية. وعلى الرغم من أن «حزب الله» لم يذكر إنشاء دولة إسلامية في لبنان في وثيقة العام 2009، إلا أنه لا يزال ملتزماً بهذا الهدف الإيديولوجي. يشرح قاسم الأسباب التي تجعله، في الوضع الحالي، مشروعاً غير قابل للتطبيق. وكما في حالة «الرسالة المفتوحة»، فقد كتب أنه لا يمكن إنشاء نظام حكم إسلامي إلا على أساس «الاختيار المباشر والحر للشعب، وليس من خلال الفرض القسري».

ويضيف أن الدولة الإسلامية تمثل «العدالة المطلقة التي يطمح إليها الإنسان [و] التمثيل الأسمى للسعادة البشرية». لذلك، يسعى «حزب الله» إلى متابعة الأسلمة في لبنان، ولا يرفض إنشاء دولة إسلامية فيه، بل يرى أن الوقت الحالي غير مؤاتٍ لإقامتها.

الركن الثاني هو الجهاد. لا ينظر «حزب الله» إلى الجهاد على أنه يشير فقط إلى محاربة الأعداء عسكرياً ومواجهة الظلم (الجهاد الأصغر)، إنما أيضاً، النضال ضد «الأعداء الداخليين الداعين إلى الباطل وكل ما يؤدي إلى الكفر والفساد» (الجهاد الأكبر). وكما تميّز العقيدة الدينية لـ»حزب الله» وولاية الفقيه بين أنواع الجهاد، يتم التمييز، في داخل الجهاد الأصغر بين الجهاد الهجومي والجهاد الدفاعي. إن الجهاد الهجومي، بحسب ما نصّا عليه، لا يمكن أن يمارسه إلا النبي والأئمة الإثني عشر. وبما أنهم غير موجودين، فإن هذا النوع من الجهاد ممنوع. وهذا ما يترك الجهاد الدفاعي متاحاً لممارسته، فيما القرار بشأنه لا يمكن اتخاذه إلا من قبل الولي الفقيه الذي يشغله حالياً المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران.

علاوة على ذلك، يرتبط الجهاد عند الشيعة ارتباطا وثيقاً بالاستشهاد. فبالإضافة إلى مركزيتها في الفكر الديني للمجتمع الشيعي، فإن ثقافة الاستشهاد تولّد الشجاعة والشعور بالجرأة لدى المشاركين في الجهاد الأصغر. إن تعزيز ثقافة الاستشهاد لا يخدم كأداة تعبئة وتحفيز لدى «حزب الله»، أو يعزز القدرات العسكرية الفردية لديه فقط، إنما يعطي فكرة عن ثقافة الموت المنتشرة عنده، وكيفية استغلال موت الأفراد لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية وعقائدية.

أما الركن الثالث والأخير في الفكر الديني لـ»حزب الله»، فهو ولاية الفقيه التي تشير إلى حكم ووصاية الفقيه على كامل تصرفات وعقائد «حزب الله». علاوة على ذلك، يُنظر إلى سلطة الولي الفقيه على أنها استمرار لسلطة النبي والأئمة الإثني عشر المعصومين، وهو الذي يتحكم بقرارات وعقائد «حزب الله» تبعاً لإقرار هذا الأخير بولايته ووصاية الولي عليه كما تقر «الرسالة المفتوحة»: «إننا أبناء أمة «حزب الله» التي نَصَرَ الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم. نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني (دام ظله)، مفجّر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة».

إن هوية «حزب الله»، في العقيدة والممارسة، المرتبطة بشكل عقائدي بالجمهورية الإسلامية لإيران، لا تشكل، بمطلق الأحوال، عيباً لدى الحزب، أكان عند قيادته يوم النشأة عام 1982 أو اليوم. إلا أنها تشكل، بحكم الواقع، عيباً بحق وجود وقدرة الدولة اللبنانية وسيادتها، وارتهان أفكار وتصرفات جزء من أفرادها إلى دولة أجنبية.

– يتبع –

الجزء الثاني ـ مواقف «حزب الله» العقائدية – مكتب الأبحاث ـ دائرة الإعداد والتدريب ـ جهاز التنشئة السياسية ـ حزب القوات اللبنانية

 

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل