فوق حيث المدى الأنطونيوسيّ يلهم محبسته العنّايانيّة للدخول يومياً إلى ذات البريَّة التي دخلها الراهب يسوع ابن الأنسان حبيساً لصيام جسديّ صارم، امتدّ وتمدّد أربعين ليلاً وأربعين نهاراً يصلّي فيهم ويصوم ويجرَّب!
فوق حيث كنيسة المحبسة مذبح أيقونة تجمع سمعان بن يونا صيّاد السّمك الجنّاشريّ بشاول الطرسوسيّ صيّاد الرؤوس المنتقلة من العهد القديم إلى العهد الجديد… ثم تجمع بطرس كيفا ببولس رسول الأمم، الأول يصلب صلباً رومانياً مقلوباً تنفيذاً لوصيته الأخيرة: “عدم استحقاقه لأن يصلب صلباً مستقيماً كمعلّمه”، والثاني يقطع رأسه بسيف أمبراطوريّ وثنيّ تنفيذاً لرغبته الأخيرة: ” حياتي هي المسيح والموت ربحٌ لي”!
فوق جبل محبسة مار بطرس وبولس اجتمع يوسف أنطون زعرور مخلوف البقاعكفري اجتماعاً عائلياً ديرياً بالأب شربل مخلوف بقاعكفرا الحبيس، يوسف راعي الماشية الدائم في علالي جرد بقاعكفراه، وشربل السّراج اللبنانيّ المسكونيّ المرفوع فوق مكيال شعوب المسكونة يهديها إلى المراعي الخصيبة!
يوسف وشربل يتَّحدان معاً للبناء، ومعاً يتعاونان على بنيان ملكوت أرضيّ من أعمال أسفار الرؤيا اللبنانية، ملكوتٌ مسقوف السقف بمسح شَعر نسكيّ لا يتقن حياكته وحكايته إلاَّ راعي ماعز أصيل، ومسقوف السقف بتسابيح شعريَّة أفراميَّة نسجها حبيس متمرّس متمكّن من قصائد أمير أمراء شعراء السّماء كنارة الروح القدس، أفرام الإلهي السرياني!
محبسة شربل حدود لكيان لبنانيّ مبتدئ من سفر نشيد الأناشيد، ومستمر بصروح بطريركيَّة لم تكن إلاَّ صوامع قياديَّة امتدت عبر الأزمنة الآلاميّة المضرَّجة بالصَّلب المبرّح ابتداء من بطريركية الدير العاصي المكلّف ثلاثمئة وخمسين راهب مقطوعي الرؤوس قطع رأس يوحنا المعمدان، ثم تواصلاً بصروح محابس وادي حربا عند أرض “تحومو دهايمونتو” حدود الإيمان صعوداً إلى كفرحي ويانوح وإيليج وصولاً إلى قنوبين عرين “اللاجئين إلى الكهوف والمغاور طوال السنين ليسلم لهم الأيمان بالله ولبنا”، أسكيم شربل أجواق ملائكة بقامة وهامة جبرائيل المرسل من لدن الله يبشّر شعب وأهل بلاد الأرز بوعد مشرق كشمسهم قطعه الرب لهم: “لا تخف أيها القطيع الصغير”، أنتَ لست عدداً لعدّادين لا يبرعون إلاّ بالحسابات الصَّغيرة الدنيئة… “لا تَخَف أيها القطيع الصَّغير”، يا قطيع القديسين بألف صلاة وصوم، يا قطيع الأبطال المصلوبين المتوَّجين بألف أكليل شوك، يا قطيع الشهداء الغاسلين حللكم بدم ألف حَمل، أنتم قَسَم أقسمه الله لشربلكم ولن يندم بأنَّ لبنان شربل ولبنانكم كلّما صُلب ومات سيقوم في اليوم الثالث !
خبز شربل إنَّك كلّ الآية المعطاة لشعبك اللبناني المصلوب على خبزه ودوائه ووجوده. خبزك اليابس النَّاشف المحروق اشترى لك قداسة سابَقْتَ فيها قديسي الكنيسة الجامعة الرسولية على اجتراح عجائب شابهت أعجوبة تحويل الماء إلى خمر عرس قانا بتحويلك الماء زيتاً في سراجك.
خبزك اليابس الناشف المحروق يا شربل ينتظره شعبك اللبناني، آيةً لسمكتين وثلاثة أرغفة أشبع بهم معلمك يسوع خمسة آلاف جائع، ومعظم أهلك اللبنانيين هم هؤلاء الخمسة آلاف!
عند نهاية صيامه الأربعيني أصعد المجرّب الحبيس يسوع عارضاً عليه ممالك العالم إن سجد له. فيا شربل ألأسكيم الملائكي والمسح الملكوتي والخبز المطعَّم بالخل والمر أيقظنا، أنت الذي لا تنام إلاّ على مخدة السنديان، أيقظنا ونبّهنا بأنَّ اليأس هو مجرب لعين وأن الاستسلام هو سجود له…
أيقظنا ونبّهنا بأنَّ سفارات الهجرة والتَّهجير هي مجرب لعين وأنَّ دوائر جوزات السَّفر الجماعيّة هي سجود له… أيقظنا يا شربل ونبّهنا بأنَّ ممالك الأرض والمال والجاه والرفاهية لا يسعى إليها إلاَّ مقطوعو الجذور والجزوع، وأمّا ملكوت الرب وملكوت جبل أرز الرب فقيادتهما موقوفتان عليك وعلى أخوتك كواكب البريّة والتاريخ، أنتم الذين سكنتم قفاراً قدوسيَّةً لا يعبث بها سوس أو وساوس، وقفاركم تابعة بأكملها وكمالاتها إلى عقارية آية: “لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض”!!!