لا يكاد يمر حادث أو يصادفنا حدث أو تطور إلاّ وتمتلئ الشاشات ومانشيتات الصحف وصفحاتها وعناوين المواقع الالكترونية والتواصل الإجتماعي ومضامينها، بدراسات وتحليلات وتوقعات من قليل من الخبراء وكثير من قليلي الخبرة لا بل قُل من عديميها.
لا شك في أن ظاهرة تفريخ “المحللين” و”الخبراء” ترافقت مع ظاهرة “تفريخ” وانتشار الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة والورقية والإلكترونية مع إهمال النوعية والتخصصية عند الكثير منها.
رأينا محللي الحروب والمعارك، كما صادفنا محللي السياسة والانتخابات المحلية والإقليمية والدولية. كذلك، وقعنا على المحللين الاقتصاديين من “الدكانة الى البنك الدولي” والمحللين العسكريين “الاستراتيجيين”… وشرّ البلية كان للأسف في المحللين الجيولوجيين المُنذرين بالزلازل والهزّات مع تواقيت لم يصدق أي منها، شأنهم شأن “نجوم” التنجيم في رأس السنة وكل السنة وكل العصور منذ ما قبل التاريخ.
مأخذنا هو في عدم مقاربة المواضيع العلمية من قبل أصحاب الاختصاص العلمي. فالسياسة والاقتصاد والجيولوجيا والإعلام والعسكر كلها من العلوم القائمة بذاتها، ولا يجوز التعاطي معها بخفة وغب طلب الوسيلة والقيمين عليها ومصالحهم والمردود المُتوخى لهم.
فالطارئون على المهن والاختصاصات بشكل عام هم معتدون، وأصحاب الاختصاص ومجال عملهم وخبرتهم معتدى عليهم… تماماً كمنتحل صفة الطبيب بما يجرّه من ضرر على رسالة الطبيب وعلى المريض في آن، كذلك الطارئ على الشأن العام سواء كان منتحل الصفة، صحافي أو خبير أو محلل أو حتى سياسي جرّ ويجرّ على “البلاد والعباد” آثاراً سلبية من الصعب محوها.
نذكّر بما قاله الرئيس الشهيد بشير الجميل في لقائه مع إدارة وموظفي تلفزيون لبنان في 8 أيلول من العام 1982، اذ تحدث عن الطارئين على الدولة وعلى العاملين في الشأن العام من الفاشلين في أعمالهم ومهنهم.
كما نختم مع الدكتور سمير جعجع في مقابلة له مع “النهار العربي والدولي” في 25 حزيران من العام 1984، إذ شرح منطقياً وعلمياً كل ما ورد آنفاً وما رأيناه لاحقا بقوله، “انا أسأل لماذا إذا أراد أحدنا أن يصبح مهندساً، يدرس أربع أو خمس سنوات. وبعدها يمارس لسنتين أو ثلاث سنوات، لكي يحقّ له عندئذ أن يدير ورشة صغيرة. بينما من سيدير مصير البلاد والعباد يتم اختياره على أساس ألا علاقة له لا بالبلاد ولا بالعباد. فهو رجل مشلول غير ملتزم وغير فاعل وغير منتج. السياسة علم قائم بذاته. ولا يجوز التعاطي بالسياسة بهذه الخفة والسطحية والجهل. السياسي يجب أن يكون ملّماً بالفلسفة والدين والتاريخ والجغرافيا والاستراتيجية والعسكر والاقتصاد والمجتمع. فالحقل السياسي ليس حقلاً لمن لا عمل لهم”.