يحطّم انهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار كل الحواجز، في خطى متسارعة غير مسبوقة منذ انفجار الأزمة الاقتصادية في تشرين الأول العام 2019، إذ تخطى الدولار في السوق الموازية مع مطلع الأسبوع الـ123.000 ليرة.
ويحصل ذلك في ظلٍّ تخلٍّ مريع من قبل السلطات الحاكمة المسؤولة بمختلف عناوينها، (السياسية والمالية والنقدية والقضائية)، عن بذل أي محاولة جدية للحدِّ من سرعة الانهيار على الأقل، بالممكن، إذ لم يعد هناك أحد من السذاجة بأن يأمل إنقاذاً مع هكذا سلطة، لا يزال القابضون عليها وعلى رقاب اللبنانيين يأملون باستيلاد شبيهة لها للسنوات المقبلة.
ويتَّفق عدد من الخبراء الاقتصاديين والماليين، في تصريحات مختلفة لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، على أننا “دخلنا، منذ مطلع العام 2023، إلى مرحلة جديدة من سرعة التدهور والانهيار على مستوى العملة الوطنية”، معربين عن تخوُّفهم بأن “لا أحد يمكن أن يتوقع المدى الذي ستبلغه، لأن سوق الصرف أصبح متفلّتاً من أي ضوابط، وسط ما نشهده من سهولة وسلاسة لافتة في كسر الحواجز النفسية للدولار”.
ويشير الخبراء، إلى أنه “في 19 كانون الثاني الماضي حطَّم الدولار حاجزاً نفسياً كبيراً، كان قبل أشهر قليلة يُعتبر عصيَّ البلوغ، بل لم يكن أحد يفكّر عند اندلاع الأزمة في تشرين الأول العام 2019 أنه يمكن الوصول إليه، إذ بلغ في هذا التاريخ عتبة الـ50.000 ليرة للدولار الواحد. في حين لم ينتهِ الشهر إلا وبات على مشارف الـ60.000 ليرة”.
ويلفتون، إلى “تسارع انهيار الليرة منذ كسر حاجز الـ50.000 ألفاً، فتخطى الدولار منتصف شباط الماضي الـ70.000 ألفاً، وبلغ مطلع آذار الحالي 90.000 ألفاً، ليكسر قبل خمسة أيام الحاجز النفسي الثاني الكبير ويتخطى عتبة الـ100.000 ألف ليرة، ويتجاوز أمس الاثنين الـ123.000 ألف ليرة”.
ويرى الخبراء، أن “الدولار بات خارج السيطرة وبلا سقف، الأمر الذي حذّرنا منه تكراراً. فعملياً، لم يعد من معنى حقيقي للأرقام، 100 أو 150 أو 200 أو 250 ألف ليرة أو أكثر”، مشددين على أن “الحواجز النفسية للدولار ستُكسر تباعاً، ربطاً بكسر كل عناصر التصدّي لتفلُّته وفقدان الإمكانيات للجمه”.
ويوضحون، أنه “عندما اندلعت الأزمة في تشرين الأول العام 2019، كانت هناك إمكانيات معتبرة لمواجهة ارتفاع سعر الدولار ووقف تصاعده بشكل جنوني مرة واحدة. لذلك كانت هناك فترات متباعدة بين كسر الحواجز النفسية الصغيرة إذا صح التعبير، قبل كسره حاجز الـ50.000 ليرة”.
ويضيفون، أن “مصرف لبنان كان يملك في احتياطيّه النقدي عند انفجار الأزمة حوالى 35 مليار دولار، وكان قادراً على التدخل في السوق. أما اليوم، فالمتبقِّي من الاحتياطي النقدي أقل من 10 مليار دولار، وإمكانية التدخُّل باتت متواضعة نظراً لوجوب التقشُّف لتأمين استيراد المواد الأساسية الضرورية”.
لذلك، يرى الخبراء أنه “حتى مصطلح الحاجز النفسيّ للدولار، عند مستوى معيّن، ربما لم يعد يصحّ تداوله، إذ لم يعد يعكس معنى حقيقياً على ضوء هذه المعطيات، وغيرها ممّا نشهده على مستوى التخبُّط السلطوي والسياسي والمالي والمصرفي والقضائي. فالاهتراء والتحلُّل على المستويات كافة”.
ويعتبرون، أن “انسداد أي أفق، سياسيّ أولاً، بالتزامن مع غياب أي نيّة لدى السلطات الحاكمة بتغيير نهجها واتخاذ قرار حاسم بالدخول في مرحلة جديدة عنوانها الإصلاح الجذري والطلاق مع المرحلة السابقة، كفيل بتحطيم كل الحواجز أمام الدولار للأسف”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية