في المنطقة حراك كبير وتغييرات متسارعة وخلط أوراق كثيرة يبدأ من إسرائيل المأزومة داخلياً مع حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة والمنقسمة على نفسها والشارع الإسرائيلي الغاضب من قوانين تعديلات السلطة القضائية والصراع المحتدم بين الاشكناز والمتدينين اليهود، مروراً بإيران التي تنشط في كل الاتجاهات الخليجية انفتاحاً واتفاقات مع السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وصولاً الى تحرك رئيس النظام السوري بشار الأسد بين موسكو وأبو ظبي.
كل ذلك، على وقع صدور مذكرة اعتقال جنائية دولية بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومسؤولة شؤون الطفل معاونته. ويتوقع أن تصدر مذكرة اعتقال بحق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على خلفية التحقيقات في ملف رشوة لممثلة أميركية إباحية وسواها من اتهامات قانونية بحقه وصولاً إلى ملف اعتقال رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان في باكستان. أضف إلى زيارة الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى روسيا وما يحكى عن مبادرة صينية جديدة للتسوية بين كييف وموسكو واتصال الرئيسين الصيني والأوكراني.
كلها تطورات مترابطة في حلقات تشبه أحجار الدومينو، إذ إن المنطقة والعالم مقبلين على مرحلة جديدة لاستيعاب ما يمكن استيعابه من تناقضات وتصارع تجنباً للانزلاق نحو الأسوأ.
ما لا شك فيه أن المنطقة والعالم في وضع توترات تصاعدي ومعه تتسارع التطورات اليومية في سباق مفتوح بين القوى الإقليمية والكبرى لتحصيل القدر الممكن من المكاسب قبل التسويات النهائية.
هاجس إيران حفظ نظام الملالي ومنع تهاويه وسقوطه وذلك من خلال شبكة أمان إقليمية تتجلى بالانفتاح والاتفاق مع السعوديين والإماراتيين والكويتيين تمهيداً للتوسع باتجاه ربما تفاهمات مع إسرائيل نفسها على حد ما ذكره الرئيس السابق للاستخبارات الإسرائيلية الذي لم يستبعد أن تعقد إسرائيل مع إيران اتفاقات شبيهة بالاتفاقات مع دول الخليج.
أدركت طهران أن ثمن استمرار سياساتها التوسعية في المنطقة واحتلالها لدول عربية بات عبئاً كبيراً عليها خصوصاً بعدما حوصر نظام الملالي أميركياً بمسألة منع الخزينة الأميركية الفدرالية البنوك العراقية من تحويل أموال إلى إيران مروراً بالضغوط الكبيرة على النظام الإيراني في قضية قمع الثوار وصولاً إلى التهديد اليومي بمهاجمة البرنامج النووي في ظل نقمة أميركية أوروبية على إيران لتحالفها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه ضد أوكرانيا. جميعها عوامل حدت بإيران الى الانعطافة الخليجية الكبيرة، بدأ مع اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية مع الرياض وتعزيز العلاقات مع الإمارات.
مذكرة الاعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومعاونته الصادرة عن محكمة العدل الجنائية الدولية هي بمثابة ضربة سياسية ودبلوماسية للرئيس الروسي الذي بات بنظر القانون الدولي مطلوباً يمكن توقيفه في أي مطار من المطارات التابعة لدولة منضمة الى اتفاقيات محكمة العدل، ويحرج الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي سيصل الى موسكو في زيارة رسمية لأيام، إذ من المقرر أن يبحث مع نظيره الروسي إمكانيات التحاور مع أوكرانيا والرئيس فولوديمير زيلنسكي نفسه لإيجاد تسوية سلمية للصراع.
في هذا السياق، لا بد من الإشارة الى أن واشنطن التي لم تتلق بكثير من الارتياح الاتفاق السعودي الإيراني، لن تقبل أن يلعب الزعيم الصيني دوراً توفيقياً بين الروس والأوكرانيين في ملف يعتبر حكراً على الغرب والناتو والولايات المتحدة على الرغم من تصاريح جون كيربي المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية وتصاريح وزير الخارجية الأميركي نفسه انطوني بلينكن أن واشنطن كانت تعلم وأبلغت من قبل الرياض بحصول الاتفاق.
الأسد الذي وصل الى أبو ظبي واستقبله رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بعد زيارته موسكو ولقائه المسؤولين الروس هناك، يحاول الاستجابة لمطلب عربي بعودة سوريا الى الحضن العربي الأمر الذي لم يكن ممكناً بالأمس، وذهاب دمشق نحو تحريك العملية السياسية الداخلية التي بدونها لن يقبل الأميركي ولا الأوروبي بأية مساعدة لبشار، وهما أساساً يرفضان الاعتراف بشرعيته.
سوريا أمام مفترق خطير ما يحتم على كل متعاطي في الشأن السوري أن يدلو بدلوه في مرحلة تتم فيها تسويات قد تساعد في الانفراج الكبير في المنطقة، مع ان الآمال حذرة والتوقعات متواضعة، تبقى قائمة ولديها فرصة.
تركيا أمام مرحلة انتخابات صارمة والرئيس رجب طيب أردوغان يلعب كل أوراقه لكسب المعركة في مواجهة خصم استقطب كل المعارضة ويهدد مصيره السياسي، خصوصاً أن الأخير الذي سارع في الأشهر الأخيرة من وتيرة تدخلاته وإطلالاته، وتحديداً بعد الزلزال الكارثي في جنوب تركيا، والذي تعالت الأصوات المنددة بحكومته وسياسته، يطمع بالاستمرار في الحكم، ولا يرى إشكالية من اجل تحقيق ذلك من العودة الى سياسة صفر مشاكل مع المحيط بينما يستمر التوتر بينه وبين الأسد بعدما فشلت محولات التطبيع التركي مع هذا النظام.
على امتداد البسيطة الإقليمية يمكن الملاحظة بعمق مدى التغييرات والتبدلات والتطورات المتسارعة التي تجري وبذلك يمكن توقع أي تطور في أي وقت. لكن الأكيد أن إسرائيل التي كانت حتى الأمس القريب قبلة الأمل بضرب البرنامج النووي الإيراني أصبحت مصدر القلق الأول على أوضاعها، إذ قد تصل الأمور الى معركة بين الاشكناز والسفرديم والمتطرفين، وقد يسعى إليها نتنياهو إذا وجد نفسه أمام حائط مسدود ولا يستطيع تصدير أزمته الداخلية الى خارج الحدود مع توقف القدرة على قصف سوريا ومعها النووي الإيراني لارتباط كل من سوريا وايران باتفاقات ومقاربات مع دول المنطقة أفقدت إسرائيل مبررات اجتذابها للعرب مع حصول التقارب الإقليمي مع ايران.