ظلمٌ في السويّة عدلٌ في الرعيّة…
الأكيد أن ما وقع على “القوات اللبنانية” من قرارات وزارية وأحكام قضائية وإجراءات قانونية، إنما هو من أسوأ ضروب التضليل والتدليس والتدنيس والظلم والتظلم. وأسوأ الظلم هو ما نُفذ في ليل من “قرار كبير جداً لا نستطيع معارضته أو مقاومته” على ما أسرّ به أحد الوزراء الذين شاركوا بالبصم على قرار “سحب العلم والخبر من الجمعية المسمّاة حزب القوات اللبنانية”.
قبل الحلّ وبعده حيكت اتهامات وفبركات كثيرة بحق “القوات”… حُلّ الحزب بحجة أن أفراداً منه شاركوا بتفجير كنيسة سيدة النجاة، علماً أن المذكورين أنكروا مجيئهم الى لبنان بوثائق صادرة عن السلطات من أماكن إقامتهم، كذلك حُلّ الحزب لاعتبار رئيسه الآمر الناهي والفاعل الذهني في “القّوات اللبنانية”، بمعنى أنه إذا قام أي عنصر من “القوات” بأي عمل، فإن التهمة تُلصق بسمير جعجع لأنه “الفاعل الذهني”، أي انه يقرّر في ذهنه، فينفّذ العنصر ما يدور في ذهن جعجع حتى لو لم يتواصلا.
وقياساً على ما اتهم به حزب “القوات” زوراً توطئة لحلّه، نورد بعض الوقائع عن أسباب موجبة لحلّ وسحب العلم والخبر من الجمعيات المُسمّاة “الحزب”، الحزب “القومي السوري الاجتماعي”، الحزب “العربي الديمقراطي” وحزب “البعث العربي الاشتراكي” بفرعيه اللبناني والسوري وراعيه النظام السوري”… وهي أحزاب شمولية عقائدية دينية و”الهية تأليهية لـ”الزعيم” و”السيّد” و”السيّادة”.
14 أيلول 1982 – اغتيال بشير الجميّل: “الحزب السوري القومي الاجتماعي”
العضو الفاعل في الحزب السوري القومي الاجتماعي حبيب الشرتوني، اعترف بعملية اغتيال الرئيس بشير الجميل بتحريض من عميد الدفاع في الحزب نبيل العلم، وحُكم عليهما، كما تباهى القوميون ومسؤولوه بعملية الاغتيال، وهُرِّب الشرتوني من قبل الحزب وراعيه النظام السوري من السجن ولا يزال منفذ الجريمة بحمايتهما وتحت رعايتهما.
لم يُحلّ الحزب ولم يُسحب العلم والخبر منه، ولم يُعتبر رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الفاعل الذهني والمعنوي، علماً أن نظام الحزب والهرمية والأمرة فيه شديدة قاسية.
7 كانون الثاني 1987 – محاولة اغتيال كميل شمعون
قام العريف حسن محمد طليس، من ضمن شبكة للحزب، كانت تضم بالإضافة اليه محمد مصطفى ومنذر حسن، بتفجير سيارة مفخخة في منطقة النهر، في محاولة لاغتيال الرئيس كميل شمعون. اعترفت هذه المجموعة بقيامها بعمليات تفجير عدّة أخرى في المنطقة الشرقية، بناء على توجيهات الحاج مهدي شحادة المسؤول في “الحزب” والمجهول باقي الهوية، بحسب اعترافات المتهمين أمام المحكمة العسكرية… وتم تهريب طليس من سجن مستشفى بحنس في 25 شباط من العام 1998 من قبل مسلحين مجهولين ـ معلومين، قبل يوم من سوقه للتحقيق معه مجدداً في محاولة اغتيال شمعون.
طبعاً، لم يُحلّ “الحزب” ولم يُسحب العلم والخبر منه، ولم يُعتبر أمينه العام الفاعل الذهني والمعنوي، علماً أن أمين عام الحزب هو الوكيل الشرعي للولي الفقيه في لبنان، وله منزلة الهية مؤلّهة لدى عناصر ومسؤولي الحزب.
30 أيار 1989 – محاولة اغتيال ميشال عون في قبرص: الحزب السوري الاجتماعي
ألقت السلطات القبرصية القبض على ستة لبنانيين لحيازتهم أسلحة ومتفجرات وصواريخ للطائرات ومعدات حربية مختلفة. تبيّن من التحقيق أنهم مجموعة أمنية برئاسة شخص يُدعى إميل غزالي، وبأنهم من الحزب السوري القومي الاجتماعي، وأنهم كانوا مكلفين من قيادة حزبهم بشخص أسعد حردان، باغتيال عون وهو في طريقه الى تونس. أكد المسؤولون في الحزب المذكور هذه المعطيات في تصاريح علنية، أصدروها في تواريخ لاحقة، لكن طبعاً كمثيلاتها من الارتكابات، لم يُحلّ الحزب ولم يُلاحق مسؤولوه ولم يُزجوا في السجون.
14 شباط 2005 – اغتيال رفيق الحريري
اتهم خمسة كوادر من “الحزب” وحكم على البعض منهم وأهمهم مصطفى بدر الدين، الرجل الثاني في الحزب بعد عماد مغنية. بدر الدين، وهو كادر أمني مسؤول، هو نفسه الذي رأس المجموعة التي راقبت الرئيس الحريري واغتالته بحسب أدلة المحكمة الدولية وبحسب تحقيقات شعبة المعلومات اللبنانية. طبعاً لم يُحلّ “الحزب” ولم يُسحب العلم والخبر منه، ولم يُعتبر أمينه العام الفاعل الذهني والمعنوي كذلك، علماً أن الحزب اعتبر المتهمين المدانين “قديسين مطوّبين”.
5 تموز 2012 – محاولة اغتيال بطرس حرب
الأمر نفسه ينسحب على محمود الحايك الذي حاول اغتيال بطرس حرب في سامي الصلح، ورفض الحزب تسليمه، ما يشكّل قرينة ودليل إدانة للحزب وليس للعنصر الحزبي فقط… ولم يُحلّ الحزب طبعاً.
23 آب 2013 – تفجيرا مسجدي التقوى والسلام في طرابلس: الاستخبارات السورية والحزب العربي الديمقراطي
كوادر من الحزب العربي الديمقراطي ولصيقون برئيس الحزب رفعت عيد ووالده علي عيد، هم من فجر مسجدي التقوى والسلام. لم يُحلّ الحزب المذكور ولم يزج برفعت عيد بالسجن لا بل هرب من لبنان الى سوريا. في القضية نفسها، اتُهمت الاستخبارات السورية بإدارة علي مملوك، بالإشراف والتخطيط والتحريض والتنفيذ، وطبعاً، لم يُلاحق رأس النظام السوري على جريمته المزدوجة ولم يُحلّ حزب البعث العربي الاشتراكي بفرعيه اللبناني والسوري.
أخيراً وليس آخراً… الحزب وأمينه العام ملاحقان ومعتقلان ومنحلان
قبل الخوض في المواد القانونية، لا بدّ من الإشارة الى أن “الحزب” لا يملك علماً وخبراً من الدولة اللبنانية ووزارة الداخلية، بحسب قانون الترخيص للجمعيات، وبالعودة الى القانون، تنص المادة 288 من قانون العقوبات على أنه “يُعاقب بالاعتقال المؤقت من خرق التدابير التي اتخذتها الدولة للمحافظة على حيادها في الحرب”، وتشير المادة 290 عقوبات على أنه “من جُند في الأرض اللبنانية من دون موافقة الحكومة، جنوداً للقتال في سبيل دولة أجنبية عوقب بالاعتقال أو الإبعاد”، وهذه المادة تنطبق على الحزب باعتراف أمين عام “الحزب” السيد حسن نصرالله بتاريخ 24 حزيران 2016 حين قال، “نحنا يا أخي عراس السطح، أكلنا وشربنا ورواتبنا وسلاحنا وصواريخنا، كله من الجمهورية الاسلامية في ايران”.
كذلك تقول المادة 309 عقوبات، إنه “يُعاقب بالأشغال الشاقة مؤبداً، من ترأس عصابات مسلحة او تولى فيها وظيفة أو قيادة أيّاً كان نوعها بقصد اجتياح محلة أو مدينة أو بعض أملاك الدولة أو أملاك جماعة من الآهلين..”.
وتنص المادة 322، على أن “العصابات والتجمهرات والاجتماعات تعد مسلحة بالمعنى المقصود في هذا القانون، إذا كان شخص أو أشخاص الذين تتألف منهم، حاملين أسلحة ظاهرة أو مخبأة أو مخفية”.
…
حالة حزب “القوات” بعد 29 سنة على حلّه، تجعلنا نختم -متفائلين متخطّين ما أوردنا من انتهاكات وانحرافات– مع ما قاله الدكتور سمير جعجع يوم خروجه من معتقله من مطار بيروت، “لقد ثبت فعلاً انه إذا كان للباطل يوم فللحق ألف يوم ويوم… أيها اللبنانيون، السنوات السود وراءكم، وبيض الايام امامكم”.
وأخيراً، “تعرفون الحق والحق يحرركم” (إنجيل يوحنا 8: 32).