على لائحة الانتظار

حجم الخط

مما لا شك فيه، أن حدث المصالحة الإيرانية السعودية برعاية الصين، شكل ويشكل تطوراً بالغ الأهمية، فرض نفسه على أولوية المتابعة والتنبه، في سياق تتبع ودراسة الأحداث السياسية التاريخية في المنطقة. وهو أيضاً، قد رفع منسوب الاهتمام والمواجهة. وقد يكون فتح باب تغيرات وتبدلات مقبلة، ربما تكون كبيرة أكثر مما نعتقد ونتصور.

سبق لمنطقة الشرق الأوسط أن شهدت في القرن الماضي تغيرات كبرى استراتيجية، وتحولات أساسية في المشهد والاصطفافات السياسية.

وليس مبالغة القول إن ما جرى في بكين هو بمثابة زلزال على مستوى الأحداث. والسبب، أنه هزّ وخلخل الأبنية والثوابت السياسية والمرتكزات الاستراتيجية التي كانت قائمة.

ما بعد العدوان الثلاثي عام 1956 حدث تغير دراماتيكي في المشهد السياسي والاستراتيجي، تمثّل بتراجع النفوذ والسيطرة البريطانية الفرنسية لحساب تقدم وانفلاش وسيطرة النفوذ الأميركي، الذي أصبح حاسماً ودائماً منذ ذلك الحين وحتى الآن في المنطقة. فقد أزيحت يومها قوى، وتراجعت إلى الوراء، وتقدمت قوى ودول مكان أخرى. وقد أخلت فرنسا وبريطانيا الساحة أمام تقدم وتفوق وجود الولايات المتحدة الأميركية الدبلوماسي والسياسي والعسكري.

أهمية حدث الأمس، والذي تمثل باتفاق بكين بين العربية السعودية وإيران، أنه الحدث الأول منذ العدوان الثلاثي بعد غزو العراق الذي يماثله من حيث الجوهر والقوة، لناحية التنافس على النفوذ الدولي والإقليمي في المنطقة.

هذا لا يعني بالطبع، أن الولايات المتحدة قد أزيحت من منطقتنا، لكن النفوذ الأميركي في هذا الاتفاق قد تلقى ضربة قوية ومؤثرة ومؤلمة جداً، علماً أنه حتى الآن لم تزل أميركا صاحبة النفوذ والوجود الأقوى والأشد تأثيراً.

الجديد فيما حدث في بكين، وما قد يحدث في المستقبل، أنه قد يشكل بداية مرحلة جديدة وحساسة في العالم والمنطقة تحديداً.

عرفنا كيف انطلقت الأحداث، ولكن من المؤكد أننا لا يمكن من الآن أن ندرك إلى أين يمكن أن تصل.

في المحصلة، إن اتفاق بكين أطلق حركة جديدة، وبداية مواجهة في المنطقة والعالم تقف فيها الولايات المتحدة الأميركية متوترة ومنزعجة مع حليفتها إسرائيل، في مواجهة من شارك في التقارب الجديد، أي الصين والعربية السعودية وإيران.

بمجرد أن انعقد الاجتماع والمؤتمر في بكين حتى انطلقت دينامية جديدة أزعجت أميركا وإسرائيل، حيث أطاح مؤتمر بكين بحسابات الطرفين الحليفين في المنطقة.

إسرائيل كانت تعد العدة وتمني النفس بشن هجوم أو شن حرب على إيران والانقضاض عليها عسكرياً، إذا لم تنجح المفاوضات والمباحثات الجارية بين الدول الغربية وطهران في منعها من التقدم على المستوى النووي. كما أن إسرائيل كانت تعد نفسها لاستكمال مسيرة التطبيع العربي، التي سبق وانطلقت في منطقة الخليج العربي، بعد ما سمي “اتفاقات ابراهم” بهدف توسيعها لأن تشمل العربية السعودية.

اليوم تغيرت الحسابات والافتراضات الإسرائيلية والأميركية بشكل جدي.

ما كان ممكناً احتسابه قبل اتفاق بكين لم يعد هو نفسه بعد هذا الاتفاق.

من دون مبالغة فقد تغيرت المواقع والقوى المتقابلة بشكل جدي. فالخصومة السعودية الإيرانية التي كادت تتحول إلى عداوة، وبالتالي إلى مواجهة عسكرية مباشرة في لحظة ما، تبدلت وجهتها وانقلبت إلى مشروع صداقة مستجدة بين البلدين، قد تشتد وتقوى وتتعمق أكثر بين دول المنطقة الإسلامية على وجه الخصوص، إذا ما التزمت إيران بتعهداتها.

المصادفة الحالية تجمع أكبر بلدين كانا يقفان على رأسي فسطاطين كبيرين بين المسلمين في العالم، وتحديداً بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي، وهما الآن انتقلا من المواجهة النظرية والأيديولوجية والسياسية والأمنية، إلى الجلوس جنباً إلى جنب ووجهاً إلى وجه. وهنا الفارق في هذا الموقع وهو كبير وكبير جداً بين الوضعيتين السابقتين والموقعين المفترضين والمقبلين.

بمجرد أن عُقد الاتفاق في بكين، مُزقت أوراق واتلفت ملفات وأسست أو فُتحت ملفات وتوجهات جديدة، لم تكن تخطر على بال أي طرف من الأطراف المتواجهة سابقا أو المُعتاشة على المواجهة السابقة.

قد نكون على أبواب مرحلة جديدة وانقلابية بشكل دراماتيكي بشكل كلي، في المنطقة والعالم.

لن يكون هناك الكثير من الوقت حتى تظهر نتائج الاتفاق المباشرة بين البلدين المتقاربين. الاتفاق ذاته يتحدث عن فترة شهرين منذ انعقاده، خلال الأيام المقبلة لعودة العلاقات والتبادل الدبلوماسي وتفعيل الاتفاقات بينهما وتأكيد الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون البلدين.

أغلب السيناريوهات المتداولة تتحدث عن أولوية اختبار العلاقات بين الطرفين الإيراني والسعودي انطلاقاً من اليمن، التي ستكون الأوضاع فيه محك اختبار العلاقات الجديدة. وبعد اليمن، فإن الاهتمام سيتجه إلى الأوضاع في العراق، ومن بعد العراق إلى سوريا، المتفاعلة بقوة مع أجواء عربية جديدة، تمثل آخرها بزيارة بشار الأسد إلى الإمارات العربية المتحدة، وبالحديث عن إعادة العلاقات مع العربية السعودية. بعد ذلك كله قد يأتي دور لبنان، إذا كان له من دور وموقع واهتمام.

وسط هذا الانتظار الممض، السؤال الذي يبحث عن جواب، هو، هل ستقبل أميركا وإسرائيل في تسهيل أمور المتفقين في مؤتمر بكين؟ ام سيجري الانقضاض على الاتفاق وتخريبه قبل أن ينتج حقائق دامغة؟

المصدر:
المدن

خبر عاجل