استدعى الاتفاق السعودي ـ الإيراني وما رافقه من تطورات ومواقف ومعطيات دلّت إلى أنه لم يحمل ما يناسب طهران إلا على الصعيد الاقتصادي “في حال” هي ضبطت سلوكها السياسي والعسكري في المنطقة، جولةً سريعة لرئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية كمال خرازي، على الدُول التي للجمهورية الإسلامية نفوذٌ فيها.
فمِن العراق وسوريا، وصل الوفد الإيراني إلى لبنان، حيث جال على المسؤولين في الساعات الماضية. اللقاءات العلنية كانت “بروتوكولية”، بينما تلك “الجوهرية” حصلت بعيداً من الأضواء، مع قيادات حزب الله، أكبر أذرع إيران في المنطقة. وتكشف مصادر سياسية مطّلعة لموقع القوات اللبنانية الالكتروني عن أن الرسالة الأساسية التي حملها الدبلوماسي إلى “الضاحية” هي طمأنتُها إلى أن طهران لن تتخلى عنها.
ففي أعقاب “اتفاق بكين”، أشار الإعلام الأميركي إلى أن “إيران وافقت على وقف شحنات الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن في إطار الاتفاق مع السعودية”، كما أفيد أن التفاهم يقتضي إسكاتَ الاعلام “الحوثي” أو “الخليجي” المعارِض الذي يبث من الضاحية الجنوبية، ويتضمن أيضاً إقفالاً لمعامل الممنوعات التي تُرسل الكبتاغون والمخدرات، أكان من سوريا أو لبنان، إلى الدول الخليجية.
أثارت هذه المعطيات قلقاً لدى الحزب، من أن يكون الدعم المالي والعسكري الإيراني له، سيتوقّف أيضاً. عليه، أتى خرازي إلى بيروت لبنان ليبدد هواجس الحزب مشيراً إلى أنه، وحتى الساعة، لا تخلٍّ عنه ولا عن سلاحه: فهو الورقة الأغلى والأثمن بالنسبة إلى طهران، خصوصاً أنه ينتشر على الحدود مع إسرائيل مباشرة.
غير أن الشأن السياسي عموماً والرئاسي خصوصاً، كان أيضاً حاضراً في المحادثات. فبحسب المصادر، أبلغ المسؤول الإيراني مَن التقاهم مِن مسؤولين وصحافيين لبنانيين أن “الحزب” هو مَن يحدد خطواته وخياراته، وأن الجمهورية الإسلامية تترك له كامل الحرية في هذا الموضوع ولا تتدخّل مطلقاً في توجّهات الضاحية وقراراتها الرئاسية وغير الرئاسية.
لكن في الواقع، تتابع المصادر، إيران تريد مِن إشاعة هذه الأجواء ومِن تعميم هذه الخطوط “العسكرية” (التي تُعنى بسلاح الحزب) أو الرئاسية اللبنانية، إيصالَ رسائل إلى الغرب وإلى واشنطن تحديداً، تقول لهم فيها إن ورقة لبنان لا تزال في يدها: فهي ماضية في تسليح “الحزب” من جهة ومستمرة في الإمساك بالاستحقاق الرئاسي من جهة ثانية.
فالمصادر تشرح أن الانفتاح الاقتصادي الخليجي على طهران ليس في الجيب بعد، والحصار الأميركي الغربي عليها، مستمر أيضاً ويشتدّ. وبالتالي، فإنها لا تزال تحتاج إلى ملفاتٍ في جعبتها، لتُفاوض المجتمعَ الدولي عليها.
وخرازي يعلم جيداً أن الاستقرار اللبناني أولوية أميركية وأن مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بربارا ليف، ستصل إلى بيروت غداة مغادرته لبنان، وهي باشرت أمس جولة على القادة اللبنانيين، مستعجِلة الانتخابات الرئاسية والإصلاحات وانطلاق عمل المؤسسات الدستورية، بما يعزز الاستقرار الاجتماعي والأمني في البلاد المنهارة.
عليه، أرادت الجمهورية الإسلامية إفهامَ واشنطن أن الكلمة الفصل في بيروت، عند طهران، وأن على الولايات المتحدة المرورَ بها أوّلاً، قبل فرض أي شيء في لبنان… لكن السياسة الإيرانية هذه، باتت “قديمة” في المنظار الأميركي و”العالميّ” ولم تعد صالحة تحديداً اليوم، في أعقاب “اتفاق بكين” الذي يعلم القاصي والداني أن المملكة أرادته لتعزيز الهدوء في المنطقة ولتسوية خلافاتها، لا لتزكية المواجهات والأزمات فيها، وفق المصادر.