بعد القطاع السياحي الذي ألقى موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني الضوء أمس على شؤونه وشجونه، لا بدّ من تبيان معاناة القطاع الزراعي الذي واجه ولا يزال عقبات كبيرة زادت من صعوبة التصدير وتسبّبت بتدني أسعار المنتجات حتى ضاقت بالمزارعين سبل العيش الكريم، فراحوا يبحثون عن حلول دفعتهم إلى تقليص كميات الزرع لتفادي المزيد من الخسائر… و”الحلّ عالجرّار”.
“بتنا نخاف من المستقبل ومن قابل الأيام”، يقول رئيس تجمّع المزارعين في البقاع ابراهيم ترشيشي لموقعنا، معبّراً عن قلقه “مما إذا كانت الأيام المقبلة أصعب وأكثر قرفاً من تلك التي نعيشها حالياً”، يضيف، “طالما الوضع على حاله ولا نرى بصيص نور في هذه العتمة الحالكة، فالخوف يتملّك نفوسنا مما ينتظرنا”.
وينتقل ترشيشي من الوجدانيات إلى الواقع، ليشير إلى أن “القطاع الزراعي ككل القطاعات من حيث الاستنزاف وفقدان مقوّمات الصمود، والأمور تسير بعشوائية وفوضى من دون أي رقابة أو إدارة…”.
ويشير إلى أن الاتفاقات الزراعية الموقعة بين لبنان وعدد من الدول لا تزال على حالها، إذ تطبقها هذه الدول كما يحلو لها وبما يصبّ في مصلحتها، فيما لبنان يبقى النقطة الأضعف في كل الاتفاقات الموقَّعة، إذ لا يستطيع قول كلمة “لا” لأي دولة بينما الأخيرة تستطيع ذلك.
ويفنّد المشكلات التي تشكّل عبئاً على القطاع الزراعي وتعوق نموّه واستمراريته، وتكمن في:
– أولاً: ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، الأمر الذي يرفع من كلفة الإنتاج لأن مشتريات المستلزمات الزراعية كلها مدولرة، بما يخفف من قدرة المواطن على الشراء، فينعكس ذلك على كمية مشترياته من المنتجات الزراعية والتي ستتدنى تلقائياً إلى النصف وأكثر في بعض الأصناف. وما يزيد الطين بلة، أن المزارع لا يزال وحده يبيع منتجاته بالليرة اللبنانية، ما يعني أن ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي يُصيب المزارع بالضربة القاضية.
– ثانياً: العراقيل الموجودة أمام تصدير المنتجات الزراعية، وأبرزها الضريبة المعمول بها منذ العام 2015 حتى اليوم والتي تفرضها سوريا على الشاحنات المحمّلة بالإنتاج اللبناني، فالشاحنة التي تتوجّه عبر الأراضي السورية إلى العراق تدفع ضريبة بقيمة 5 آلاف دولار، وإلى الأردن ذهاباً وإياباً بـ1500 دولار.
– إقفال السوق السعودية أمام المنتجات اللبنانية منذ ثلاث سنوات لغاية اليوم، بعدما كانت هذه السوق أكبر مستورد للإنتاج اللبناني من بين عشر دول منذ عشرات السنين. وهي العقبة الكبيرة التي من الصعب تجاوزها.
– إقفال المملكة العربية السعودية حركة الترانزيت في وجه الشاحنات اللبنانية، وأصبح ممنوعاً عليها المرور برّاً عبر أراضيها للتوجّه إلى الكويت ودبي والبحرين، الأمر الذي يُعيق عملية التصدير.
ويلفت إلى أن “التصدير يتدنّى اليوم إلى أقل قيمة له منذ عشرات السنوات، وأصبح لا يتعدّى الـ250 ألف طن هذا العام، بعدما كنا نتغنى في السابق بأننا صدّرنا ما مجموعه 550 ألف طن”.
وليس بعيداً، يتحدث ترشيشي عن “بارقة أمل نتجت عن الاجتماع الزراعي الرباعي الذي عُقد أخيراً في سوريا، وجمع وزراء لبنان والأردن والعراق وسوريا، ونأمل أن تصدر عنه قرارات مفيدة ومريحة للمزارع اللبناني”.
ويعقّب بالقول، عقدنا اجتماعاً في سوريا مع ممثلي القطاع الزراعي السوري وشارك في جزء منه وزيرا الزراعة اللبناني والسوري، وطالبناهم بالفم الملآن بإلغاء هذه الضرائب المرتفعة على الشاحنات اللبنانية عن كاهل المزارع اللبناني. وأكدنا لهم أنه حتى لو تم التوصّل إلى اتفاقات وحلول مع الأردن والعراق وغيرهما، فلن تجدي نفعاً إن لم يتم معالجة هذه الضريبة المرتفعة لأنها تعيق كل شيء. فوَعَدونا خيراً.
ويكشف في هذا السياق، عن أن “لبنان يستورد أكثر من 70 في المئة من احتياجات السوق المحلية، بعدما كانت في السابق مناصفة 50% مقابل 50%، وكلما استوردنا منتجاً كلما ارتفع سعر مبيعه محلياً وبالدولار النقدي”.
وهنا يستذكر “البصل المستورد الذي قفز سعر الكيلو الواحد منه إلى أكثر من 100 ألف ليرة، ليطمئن إلى أن سعره بدأ يتدنى تدريجياً وأن هذه الأزمة أصبحت وراءنا، بحيث بوادر نمو البصل اللبناني بدأت في عكار وكلما اقتربنا من فصل الربيع والصيف وارتفعت درجات الحرارة، كلما يزيد الإنتاج المحلي ويتراجع المستورَد”.
ماذا عن تصريف الإنتاج المحلي داخل لبنان؟ يُجيب ترشيشي، “مجبرون على الاستمرار في رفد السوق اللبنانية باحتياجاتها من المنتجات الزراعية كي يبقى المزارع قادراً على الموازاة ما بين مدخول المستهلك المنخفض من جهة، وكلفة الإنتاج المرتفعة من جهة أخرى، علماً أن هذه المعادلة تكبّده خسائر كبيرة، ولكن سنبقى مستمرين في هذا الوضع الأقل من مقبول. في حين أن عدد المزارعين يتراجع، والمساحات المزروعة تتضاءل، كما أن نوعية المزروعات تتبدّل من واعدة ذات كلفة عالية ومردود مرتفع، إلى أخرى غير مكلفة كالقمح والشعير والأعلاف والحمّص والعدس… هذا أمر لا يبشّر بالخير. ولا أحد يعلم إلى متى سنبقى على هذا الوضع المتردّي!
وكما بدأ حديثه متخوّفاً، كذلك ختم ترشيشي متخوّفاً من “انقراض المزارع اللبناني بعد أن يكون قد فَقَدَ أي رأسمال لاستثمار الأرض، خصوصاً أن أحداً لا يمكنه بعد اليوم أن يقرضه المال نقداً كي يستثمر أرضه في الزراعة التي طالما كانت مَورد رزقه”.