بين التحقيق المحلي والتحقيق الدولي.. العدالة آتية لا محالة!

حجم الخط

بعد أكثر من عام على «تكبيل» يدّ المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت  القاضي طارق البيطار عن متابعة التحقيقات ومنعه من متابعة الملف وإصدار قراره الظنّي، تأتي أخيراً بارقتي أمل. الأولى تكلّلت بإصدار أول حكم قضائي عن محكمة العدل العليا البريطانية (High Court of Justice – London) لصالح الضحايا الذين يمثّلهم مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت ضد الشركة الإنكليزية SAVARO Ltd، في الدعوى المدنية التي أقيمت ضدّها في الثاني من آب من العام 2021، حيث تمكن مكتب الادعاء من وقف عملية التصفية التي كانت قد باشرت بها الشركة المدعى عليها في أوائل العام 2021 كمحاولة منها للتنصل من مسؤولياتها.

الثانية، تجلّت بإطلاق البيان المشترك عن مجلس حقوق الانسان لدى الأمم المتحدة في دورته الثانية والخمسين والذي وقعته 38 دولة على الأقل، للتأكيد على أن المجتمع الدولي الى جانب أهالي الضحايا وداعم أساسي لقضيتهم.

البيان هو بمثابة رسالة واضحة المعالم، موجّهة لبعض المسؤولين السياسيين اللبنانيين لكفّ يدهم عن التدخل في القضاء وترك العدالة تأخذ مجراها ومسارها. كما يعدّ خطوة أولى بالاتّجاه صوب تدويل ملف تفجير مرفأ بيروت في حال غياب أي تغييرات على المدى القريب بالتحقيق المحلي، وذلك من خلال حثّ المجتمع الدولي على انشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق في الانفجار.

في هذا السياق تقول المحاميّة سيسيل روكز شقيقة أحد ضحايا المرفأ جوزف روكز بأن التحقيق الدولي، على أهميته، لا يقلّل من أهمية التحقيق المحلي، لذلك يجب متابعة هذين المسارين للوصول الى الحقيقة الكاملة.

بالنسبة للمسار الذي يسلكه التحقيق الدولي، تقول روكز إنه بتاريخ 16/6/2022 صدر قرار إعدادي عن المحكمة العليا البريطانية بتكليف شركة SAVARO Ltd   الكشف عن هوية صاحب الحق الاقتصادي. وبعد صدوره اختفى المحامي وكيل الشركة المدعى عليها الى حين صدور القرار الأخير القاضي بتحميل الشركة المذكورة المسؤولية. وعلى أثر صدور القرار الأخير، وترتيب المسؤولية المدنية على شركة SAVARO Ltd، افتتحت المرحلة الثانية من المحاكمة، وهي مرحلة تحديد قيمة التعويض المستحق للضحايا.

روكز أضافت أن القاضي البيطار سبق وادعى على شركة SAVARO Ltd في مسار التحقيقات التي يقوم بها وبالطبع الحكم الصادر عن المحكمة البريطانية يؤثر بشكل أو بآخر على مسار التحقيق المحلي. ولفتت الى أن البيان الأخير الصادر عن مجلس حقوق الانسان لدى الأمم المتحدة هو بالطبع بيان إيجابي، في الشكل والمضمون، كونه يحث الدولة على وضع حدّ للتدخلات السياسية التي تفسد إجراءات التحقيقات بطريقة ممنهجة ومقصودة، وبالتالي جاء هذا البيان كتوصيّة باعتماد الشفافية والاستقلالية المطلقة في التحقيقات.

جريمة تفجير مرفأ بيروت هي جريمة ضدّ الانسان والإنسانية من هنا وجد أهالي الضحايا أنفسهم أمام واقع لا ثاني له وتمثل بتوقيع عريضة تضمنت طلب إحالة الملف الى لجنة تقصّي حقائق دولية كون هذه اللجنة مختصّة بالتحقيق بالجرائم التي تقع ضدّ الإنسانية،  وذلك وبالتنسيق مع بعض الجهات السياسية كتكتل الجمهورية القويّة.

والجدير ذكره أن كافة تكاليف سير الدعاوى أمام هذه اللجنة تقع على عاتق مجلس حقوق الانسان لدى الأمم المتحدة، بالتالي لن تترتب أية أعباء مالية على لبنان في ظلّ تردّي الوضع الاقتصادي.

وبالسؤال عن مسار التحقيق المحلي بعد «المهزلة» القضائية الأخيرة، تقول روكز إن يدّ المحقق العدلي ستبقى مكبّلة في ظلّ تحريف أحكام المادة 30 من قانون القضاء العدلي التي نصّت على أن الهيئة العامة لمحكمة التمييز مؤلفة من الرئيس الأول وأربعة رؤساء غرف لمحكمة التمييز، فيعمّد بعض «المعرقلين» الى تحوير نصّ هذه المادة وتطبيقها على غير ما نصّت عليه، واختلاق الحجج بأن الأعضاء يجب أن يكونوا أصيلين وليس بالإنتداب أو التكليف، فيما المادة المذكورة واضحة لجهة عدم ذكر هذا الأمر. وطالما أن هذه الهيئة لم تشكّل بعد للبت بالدعاوى الكيديّة المقامة لكفّ يد القاضي العدلي ستبقى الأمور كما هي.

يدرك القاصي والداني أن هذه «العرقلة» مقصودة لدواعٍ وأغراضٍ سياسية، وخوفاً من العدالة والمحاسبة. والدليل على ذلك عدم  توقيع وزير المال يوسف الخليل على مرسوم التشكيلات القضائية التي كانت  ستساهم بشكل مباشر في تشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز ومتابعة التحقيقات في الملف. فالتشكيلات التي قام بها مجلس القضاء الأعلى والتي أحالها الى وزير العدل ومن ثمّ الى وزير المالية لم تحظَ بتوقيع الأخير رغبةً بتنفيذ «الأوامر» الصادرة عن مرؤوسيه بعدم توقيعها، فأصبح يتحجج بالميثاقية وبأمور أخرى خارجة عن صلاحيته واختصاصه.

ومن سخرية القدر، تقول روكز أنه عند اختلاف مجلس القضاء الأعلى ورفضه الالتئام للبت بالتشكيلات القضائية السابقة، طلب أهالي الضحايا من وزير العدل هنري خوري تنفيذ صلاحياته طبقاً لأحكام المادة 6 من قانون القضاء العدلي التي تعطي وزير العدل الحقّ بدعوة مجلس القضاء الأعلى للانعقاد، فتذرّع الأخير بعدم الاختصاص، لكن عندما جاء الطلب من أهالي الموقوفين الذين أطلق سراحهم القاضي غسان عويدات، لم يبخل خوري بتنفيذ صلاحياته بدعوة المجلس للانعقاد وتحديد جدول أعمال الجلسة لتعيين قاضٍ عدليٍ رديف.

وعن مدى الشبهات وعلامات الاستفهام التي تحيط بعودة القاضي طارق البيطار الى متابعة التحقيقات بعد مرور أكثر من عام على توقّفها، تقول روكز إنه من تاريخ 23/12/2021 والملف مغلق، وفي كل فترة المحقق العدلي يواجه عرقلة جديدة تتمثل بدعاوى كف اليد ودعاوى الردّ والتنحي، فما كان الحلّ الا باستكمال التحقيقات بناء لاجتهاد ودراسات أعدها قبل ثلاثة أشهر، خاصّة بعدما تمّ التداول جديّاً باتخاذ قرار بتعيين قاضٍ عدليٍ رديف خلافاً للأصول القانونية.

أمّا بالنسبة الى مصير وإجراءات التحقيقات والخطوات اللاحقة التي ستُتّبع من قبل المحقق العدلي، فأدلت روكز بأن الأخير سيُحقّق معه من قبل قاضٍ عيّنه رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود وذلك في دعوى اغتصاب السلطة المقامة من قبل القاضي غسان عويدات بوجه القاضي طارق البيطار، مع الإشارة الى أن هذه التحقيقات تجري بطريقة سريّة تامّة ولا يمكن معرفة نتائجها إلا عند صدور القرار النهائي.

لا تزال روكز تعلق آمالها على التحقيق المحلي في ظل وجود قضاة نزيهين على غرار القاضي طارق البيطار وأمثاله الذين يتمتعون بشجاعة كاملة وبروح انسانية عالية. وتختم بأنها ستتابع الملف مع أهالي الضحايا حتى الرمق الأخير للوصول الى الحقيقة والمحاسبة الفعلية، وتطلب في هذا الخصوص من كافة الكتل والفرقاء والأحزاب السياسية ومن الشعب اللبناني المساندة في هذه القضية المحقّة ومواجهة أي أمر قد يؤدي الى تعطيل سير إجراءات هذه الدعوى. ففي نهاية المطاف لا يموت حقّ وراءه مُطالب، والعدالة آتية لا محالة.

شربل زغيب – باحث قانوني

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل