تسوية إيرانية – سعودية محدودة… الصين لا تكترث للتفاصيل

حجم الخط

كتب جو حمورة في “المسيرة” – العدد 1739

رعت الصين تسوية إقليمية بين الخصمين اللدودين، إيران والسعودية، بعد سنتين من المفاوضات. التسوية محدودة في مضمونها وتأثيراتها، أقله إلى الآن. إلا أن مجرد إنكسار الجليد بين الرياض وطهران، يشي بأن المنطقة مقبلة على المزيد من التفاهمات، وربما التسويات الأكثر وضوحاً، عمقاً، وتأثيراً. من ناحية أخرى، تبرز الصين كلاعب أكثر إنغماساً في أزمات الشرق الأوسط، على الرغم من عدم إكتراث بكين، جدياً، بتفاصيل تلك الأزمات.

«لم نعد نعطي شيئاً بالمجان». بهذه العبارة المختصرة، والمذكورة حديثاً على لسان عدد لا بأس به من المسؤولين السعوديين، يمكن فهم هذه الإنعطافة السعودية بعيداً عن الولايات المتحدة الأميركية. ما عادت السعودية، منذ زمن، تقدم «المكرّمات» الملكية مجاناً إلى حلفائها، إنما باتت أكثر واقعية في سياستها الخارجية. لكل شيء ثمنه. لا تصدير النفط السعودي بعملات الروبل والين يمكن أن تمنعه أميركا. ولا هذه الأخيرة قادرة على منع الرياض من إجراء تسوية مع طهران، حتى وإن كانت واشنطن لا تزال تفرض عقوبات قاسية على النظام الإيراني.

يبدو أن الجميع تيقَّنوا، بعد المغادرة المذلَّة للجيش الأميركي من أفغانستان، والإدارة «غير التقليدية» للرئيس الأميركي في الشرق الأوسط، بأن الوثوق بواشنطن بات يحمل مجازفة كبيرة. وعليه، تحركت القيادة السعودية خطوة إلى الأمام، وجلست على طاولة المفاوضات مع إيران برعاية صينية. ولما لا؟ الصين مهتمة بالشرق الأوسط ولعب دور أكبر فيه، فرأت الباب مشرّعاً أمامها. أما إيران، فتقبل أن يفاتحها أي كان بتسوية ما، تبعاً لواقعها المتردي على مختلف الصعد.

فبعد سبعة أعوام طويلة من قطع العلاقات بينهما، أعلنت الأطراف المتحاورة التوصّل إلى تسوية تقضي بإعادة فتح السفارات والممثليات الدبلوماسية بين الرياض وطهران في غضون شهرين، وإعادة تفعيل إتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني الموقعة بينهما قبل حوالى 20 عامًا، كما الإحترام المتبادل، والإلتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية. البنود «العمومية» للإتفاق، تؤكد أن التسوية الشاملة لم يحن موعدها، وأن العلاقات بين البلدين بحاجة إلى تخطي مرحلة التجربة بنجاح، والتي تمتد على مدى شهرين، قبل التعمّق أكثر في المواضيع الخلافية.

من المؤكد أن هذه التسوية المحدودة لا تصب في صالح الولايات المتحدة ولا إسرائيل. فالأولى ستنسحب منها «ورقة» حماية السعودية من التهديد الإيراني المفترَض. كما أن التسوية هذه، كسرت الحصار الأميركي على إيران، وهي تسوية ستجر، في نهاية الأمر، بضعة دول خليجية لإعادة تفعيل علاقاتها مع طهران. فيما الثانية، فعليها إعادة النظر بسياستها الخارجية، وتحديداً سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، القائل بضرورة إشراك السعودية بتحالف إقليمي ضد إيران.

على خط السعودية، فهي تبدو أكثر إرتياحاً داخلياً وإقليمياً بالمقارنة مع إيران التي تعاني من أزمات اقتصادية حادة وعقوبات غربية، اقتصادية وتجارية وعسكرية، تشمل كل شيء تقريباً، ونظامها يتعرّض كل بضعة أشهر إلى مطالبات وحراك شعبي معادٍ. نفوذ إيران الإقليمي حتى، في تراجع مستمر. في سوريا، تتلقى كل حفنة من الأيام الضربات العسكرية الجوية من دون القدرة على فعل أي شيء. في اليمن ولبنان والعراق حالة من المراوحة السياسية وتزايد النقمة الشعبية على النفوذ والتدخل الإيراني. أما السعودية، فوضعها أكثر إرتياحاً، وهي قد قامت بالتسوية مع إيران في لحظة قوة، إذ لا أزمات داخلية تعصف بها، ولا تمرّد خليجي مقلق ضدها، ولا أزمة مالية ذات أثر عليها، ولا أعداء جديون يمكنهم تخفيف دورها وحجمها وتأثيرها الإقليمي.

على الرغم من كثرة «إبداع» المحللين الكتابية والكلامية حول إمكانية حصول تغييرات مهمة في لبنان واليمن والعراق وغيرها على إثر التسوية الإيرانية ـ السعودية المحدودة، لا يبدو أن كثر منهم قد أصابوا. ربما هدنة في بلد يقابلها تهدئة في بلد آخر، إلا أن التسويات الداخلية تحتاج إلى وقت قد يطول كثيراً، ورهان قد لا يصيب في حال لم تفلح فترة الشهرين التي يعوّل عليها الإيرانيون والسعوديون، في المزيد من التقارب. في جميع الأحوال، إن أي إتفاق سعودي ـ إيراني يتناول ترتيبات لأية دولة في الإقليم، لا يعني بالضرورة تطبيقه بين ليلة وضحاها، إذ إنهما ليستا الدولتان الإقليميتان الحصريتان المعنيتان بشؤون هذه الدول.

في المقابل، تجدر متابعة «اللاعب الجديد» في الشرق الأوسط، إذ إن التسوية الإيرانية ـ السعودية هي دخول مباشر للصين على خط التصدّعات في الإقليم، ومحاولة خلق دور لها فيه. إلا أن بكين لم تهتم، أقله حتى الآن، بتفاصيل الأزمات التي يختلف حولها السعوديون والإيرانيون على حد سواء، فلا هي لاعب في لبنان وأزمته، ولا هي لاعب مؤثر في العراق، اليمن أو حتى سوريا. دورها الهامشي يمكنه، على جميع الأحوال، أن يتغيّر، إذ إن دخول المنطقة من أبواب طهران والرياض، ووقوفها ضامناً للتسوية والتهدئة بينهما، يفتح لها الفرص للدخول من أبواب بيروت، وبغداد وصنعاء ودمشق.

يبقى أن الدور الصيني لا يزال ملتبثاً في الشرق الأوسط، ولا يكترث بأي شيء أبعد من المصالح الاقتصادية والتجارية المباشرة، هذا من دون إغفال إمكانية ردة الفعل الأميركية غير الراضية على التقارب العربي ـ الإيراني. فهل يمكن أن تقوم الولايات المتحدة بردة فعل على «عدو» إيراني وجد متنفساً برئة سعودية، أو على «حليف» قديم يرفض الخضوع لإرادة واشنطن؟ أو أن الولايات المتحدة قد غادرت فعلاً الشرق الأوسط، وهي منهمكة حالياً في الدفاع عن أوروبا في وجه تعاظم الدور الروسي، وتُعنى بشكل أساسي في حلّ مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الداخلية؟

من الثابت القول إن الصين تبدو حذرة في خطاها فوق رمال الشرق الأوسط، فالقوى العظمى غالباً ما تسقط في وحول المنطقة. إلا أن دورها قد يتعاظم في المستقبل القريب، وذلك بقدر موازٍ لتراجع الدور الأميركي في المنطقة.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل