كثرت التحاليل والأحاديث في الساعات القليلة الماضية حول نتائج الزيارة التاريخية التي قام بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق ولقائه رئيس النظام بشار الأسد. وعكست هذه التحاليل والأحاديث تناقضات جوهرية بين فريق مؤيد للنظام وآخر معارض له من الداخل السوري كما من الخارج.
ما يمكن تأكيده أن بشار الأسد في وضع سياسي محرج تجاه أية دعوة له بالحوار والانفتاح سواء جاءت هذه الدعوة من تركيا كما حصل منذ فترة وعادت الأمور وتأجلت، واليوم ومع المبادرة السعودية المنطلقة بزخم الاتفاق مع إيران.
علامات ودلائل تشي بأن الآتي على النظام السوري خانق ومحرج، إذ إن الحقيقة إن أية عودة لسوريا إلى جامعة الدول العربية مشروطة وليست مفتوحة ومجانية كما يفضلها ربما الأسد.
فالأسد يفضل عودة العلاقات الثنائية بين سوريا والدول العربية لا عودة سوريا الى جامعة الدول العربية التي على ما يبدو لا تحظى بحماسه. كما أن الانفتاح السعودي على سوريا لا ينبغي تفسيره على أنه قبول أو تغطية سعودية للنظام بكل ماضيه الإجرامي بحق شعبه منذ العام 2011.
ظنُّ بعض المطبّلين والمزمرين لبشار الأسد أن عودة العلاقات السورية العربية والخليجية وخاصة السعودية شيك على بياض له وغسل لأياديه وأفعاله الماضية، خاطئ وفي غير مكانه، لان البراغماتية السعودية في سياسة المملكة تجاه كل الدول تقتضي الانطلاق من الموجود بغض النظر عن الموقف المبدئي من هذا الموجود سلباً أو إيجاباً.
بالعودة الى زيارة بن فرحان لدمشق من الواضح والجلي أن الرياض نقلت لبشار الأسد خريطة طريق واضحة مبنية على خطوة أولى وأساسية قوامها تأمين العودة الآمنة والسليمة والمكرمة للاجئين السوريين وإطلاق عملية سياسية تفرض على بشار الحوار مع المعارضة ورسم طائف سوري جديد لسوريا جديدة تنهض اقتصادياً وإنمائياً بموازاة نهوضها السياسي والمؤسساتي.
رسالة بن فرحان للأسد حملت بنود أساسية أولها الحفاظ على وحدة الأرض السورية ما يعني إنهاء ظاهرة تحكم 4 أعلام بسوريا: الروسي ـ الإيراني ـ التركي ـ والأميركي.
وثاني البنود، وقف صناعة المخدرات وتهريبها في إدانة واضحة ومباشرة للنظام لوقوفه خلف هذه الفضيحة وما يزيد من أهميتها اعتراف الأسد بما يتهم به نظامه لمجرد قبوله البحث بهكذا بند. وأساساً، هو غير قادر على نكران هذا الاتهام الموثق بالمستندات والفيديوهات والشحنات المضبوطة.
المقاربة السعودية التي ابلغ بها الأسد تنطلق من أن سوريا مقسمة إلى 3 أجزاء: النظام والشعب السوري والأرض السورية.
على النظام استحقاقات تنتظره ليس أهمها داخلياً مسألة إحصاء شهداء الحرب الأهلية والمغيبين في السجون والمتوفين تحت التعذيب واستخدامات الكيماوي والصواريخ الباليستية التي استخدمها النظام في قصف وتدمير المدن وصولاً إلى الدمار الذي تسبب به النظام بمدن اختفت عن بكرة أبيها وتهجير الشعب والاستعانة بروسيا التي اعترفت بنفسها باستخدامها 320 نوعاً من الأسلحة على الشعب والأراضي السورية كجزء من الدعاية والترويج لأسلحتها.
فضلاً عن كل هذه المواضيع، المطلوب من الأسد الإجابة عليها تأتي إيران ومسألة وجودها في سوريا والمعلوم أن دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ينص على نشر التشيع الذي منع حافظ الأسد وعلى الرغم من تحالفه مع الإيرانيين حصوله في سوريا عكس ابنه بشار الذي حول سوريا الى مستعمرة لإيران والتشيع في المنطقة ودول المسلمين. من هنا، إحدى اشتراطات الرياض على الأسد بوقف ظاهرة التشيع أي نشر الثقافة الإيرانية الدينية في سوريا.
بالنسبة للشعب السوري، تنطلق الرياض من حقيقة الأرض التي تفيد بتهجير ثلثي الشعب السوري، إذ لم يبق تحت سيطرة النظام أكثر من الشيوخ والعجزة والفقراء الذين تقطعت بهم السبل فبقوا على الرغم من كل المأساة في مناطق نفوذ النظام.
أما مسألة الأرض، فالرياض أبلغت الأسد أنها ليست تحت سيادته إذ تشاركه في حكمها أربعة دول؛ أميركا وروسيا وتركيا وإيران، بحيث باتت المعادلة كما يلي: إما زوال الأرض والسيادة وإما زوال الأسد ونظامه، إذ لا يمكن البناء على أي تصور مستقبلي لا يأخذ بالاعتبار عودة الأرض ولو على حساب النظام الذي بات مديناً في بقائه لأكثر من دولة وفي مقدمتها روسيا وإيران.
فالمطلوب دولياً، زوال نظام الأسد بأقل كلفة دموية ممكنة لأن هذا النظام زائل لا محال لكن الرياض تريد الانطلاق من الواقع الحالي للنظام الحالي وصولاً إلى التغيير المطلوب على رأس الحكم لسوريا.
فخروج النظام بهدوء هو أقصى الممكن أن تساعد عليه الرياض مقابل ضمانة ما بعدم إحالته للمحاسبة والمحاكمة الدولية، وهو أمر لا يعتقد أحد أن بإمكان أي كان تجنيب النظام مصيره المحتوم. الملاحظ وسط كل هذه المعطيات أن الإعلام السوري الرسمي التابع للنظام لم يتلقف بحماسة وغليان زيارة بن فرحان لسوريا وقد ذكر الخبر من باب المعلومة باستثناء أبواق النظام المأجورة التي تدأب على التضخيم والتمجيد به.
مصير الجيش الحر أيضاً مطروح للبحث سعودياً مع بشار الأسد إلى جانب مصير الشعب السوري.
الرياض تريد إعادة إعمار سوريا وتعلم أن الدول المشاركة تشترط زوال نظام الأسد لتقدم مساهماتها، ومع ذلك لا تمانع الرياض من تحمل كامل التكلفة والمقدرة بتريليون دولار، إلا أن السؤال السعودي يبقى: لمن يعطى هذا المبلغ؟ بالتأكيد ليس لبشار الأسد ونظامه، بعدما سرق الأخير السلة الغذائية التي قُدمت للشعب المنكوب من الزلزال، فكيف بأموال إعادة الإعمار؟
لذا، أرسلت الرياض الرسالة للأسد، إما بقاء النظام وزوال سوريا وإما زوال النظام وبقاء سوريا. والرياض كما كل العواصم العربية تريد استعادة سوريا لا الإبقاء على النظام على حساب سوريا.
المطلوب إذاً، تنظيم خروج الأسد بعيداً عن أي حرب جديدة وأي إطلاق للدواعش والإرهابيين في سوريا، وهذا جوهر التحرك السعودي ورؤية الحل في سوريا.