باريس أمام حقائق مانعة… “تهريب فرنجية لا يمرّ”

حجم الخط

لم يقدِّم نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في تغريداته الأخيرة، جديداً، ولم يكشف أمراً جللاً كان مستوراً فأميط عنه اللثام وظهر وبان. لكن لعل من المفيد في كلامه، هو انكشاف إضافي لمحاولات حزب الله المتواصلة بإظهار نفسه كداعية للحوار والتلاقي والتفاهم على رئيس، وعلى غيرها من القضايا، ليتبيَّن من جديد أنها دعوات كاذبة. وربما يجب أن يشكر اللبنانيون قاسم لأنه يريحهم من بذل جهد لفهم مخططه، ما يعتبر أمراً إيجابياً في النهاية.

فحين يقول، وفق ما يشبَّه له ويحاول التهويل به، إن البلد أمام مرشحَّين أحدهما جدّي هو الوزير السابق سليمان فرنجية لديه عدد وازن من أصوات النواب والآخر هو الفراغ، ويدعو لاختيار الأقرب إلى الفوز بالرئاسة بالحوار وتذليل العقبات لإنقاذ البلد، وعدم إضاعة الوقت سدًى بتحقيق النتيجة نفسها بعد طول انتظار، يؤكد أن دعواته الحوارية فارغة من أي مضمون، بغض النظر عن أنها مضحكة. بمعنى تعالوا نتحاور لتنتخبوا رئيس الجمهورية الذي نقرِّره نحن، وإلا الفراغ.

ومن الواضح أن قاسم بإعلانه موقف حزب الله هذا، يعتبر أنه كما في العام 2016 كذلك في العام 2023، مراهناً على دور خارجي، فرنسي تحديداً، لنجاح مخططه الرئاسي بإيصال فرنجية. ومن سخرية المفارقة أن يتبيَّن في النهاية لبعض الضالين، أن حزب الله هو “حزب السفارات” والمشاريع الخارجية الأول في لبنان، بعكس ما يتَّهم خصومه به زوراً.

غير أن الأكيد، أنه لا يمكن مقارنة التاريخين ببعضهما البعض، لاختلاف الظروف الموضوعية جذرياً. ورهانات حزب الله ستخيب هذه المرة، والمواجهة والتصدي لمحاولته “اعتقال” رئاسة الجمهورية من جديد، ذاهبة إلى النهاية، بعدما تبيَّن بالنتيجة والتجربة أن لا فرق بين رئيس يفرضه حزب الله على لبنان والفراغ الرئاسي، إن لم يكن الخيار الأول أشدّ وطأة وقسوة وبؤساً على اللبنانيين.

مصادر دبلوماسية أوروبية، على تواصل مع الدوائر الفرنسية المتابعة للملف اللبناني، ترى، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “الموقف الفرنسي إزاء الاستحقاق الرئاسي في لبنان، والذي عبَّرت عنه المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية آن كلير لوجاندر قبل أيام، بأن (على اللبنانيين اختيار قادتهم وعلى الجهات اللبنانية تحمّل مسؤولياتها وانتخاب رئيس جديد للبلاد)، ليس سيّئاً”.

وتعتبر، أن “الكلام المباشر عن أن (باريس ليس لديها أي مرشح في لبنان لرئاسة الجمهورية)، إشارة إلى أن فرنسا لا تريد أن تحشر نفسها في إطار واحد وتبقي كل الخيارات مطروحة، منعاً لانعكاس الأمر على صورتها ودورها، مع تلمُّسها اصطدام ترشيح فرنجية بجدارات دولية وإقليمية ومحلية صلبة وغير قابلة للاختراق”.

وتستطرد لتلفت، إلى أنه “لا يمكن إغفال العوامل الاقتصادية والتجارية في ما يُنسب إلى باريس من محاولتها التسويق لفرنجية، والمنطلقة من قواعد الدولة العميقة الفرنسية التي تتحرك تحت ضغط إيقاع مصالح الشركات الكبرى، التي تعتبر أنه من المفيد لفرنسا عقد صفقات تجارية مع إيران، وأن تطل على السياسة في المنطقة وفي البلدان التي تملك طهران حضوراً فيها، كما هو الحال عندكم في لبنان، من هذه الزاوية”.

ولا تُخفي المصادر ذاتها، إعرابها “عن أسفها للصورة التي تظهر عليها باريس، كعاملة في التجارة لا في السياسة، على عكس ما يُعرف عن الدور التاريخي الفرنسي على مستوى السياسة الخارجية، الذي لطالما انطلق من قواعد مبدئية أخلاقية وسياسية وحقوقية، من دون أن يعني ذلك إلغاء المصالح الاقتصادية والتجارية أو نفيها”.

وتوضح، أن “محاولات فرنسا تتقاطع مع جهات داخلية لبنانية”، مشيرة إلى أن “فرنجية لا يتمتع بدعم حزب الله وحركة أمل فقط، بل بدعم ما تسمّونها عندكم المنظومة المتحكمة بكل مفاصل السلطة والمتهمة بإيصال بلادكم إلى الانهيار. لكن المرجح أن فرنسا ليست بعيدة من إعادة النظر بكل هذا السيناريو لأسباب عدة، تدرك أنها مضطرة لتصويب مسار تحرّكها على ضوئها، ومنها:

أولاً، باريس لا يمكنها بأي شكل تخطي العقبة الداخلية الأساسية التي تقطع الطريق على فرنجية للوصول إلى الرئاسة، على الرغم من الترويج والتسويق والتهويل الداخلي. فالمانع الأساس يتمثَّل بوضع فيتو من الغالبية المسيحية الموصوفة عليه، والمتمثلة بشكل أساسي بالقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، كأكبر ممثِّلين للمسيحيين بنتيجة الانتخابات النيابية الأخيرة. فضلاً عن سائر الأطراف المسيحية والمستقلة والتغييرية الرافضة لوصول مرشح حزب الله إلى الرئاسة”.

بالتالي، باريس لا يمكنها القول إنها تتعاطى مع حزب الله وحركة أمل وترشيحهما لفرنجية، بواقعية، انطلاقاً من تمثيلهما النيابي الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار. وفي المقابل، أن تقفز فوق رأي الغالبية المسيحية بالاستناد إلى معيار القياس ذاته، أي الانتخابات النيابية، والتي أيَّدت القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، فيما حاز فرنجية على نسبة هزيلة من التمثيل المسيحي. ولو أرادت كل الأطراف فرنجية، طالما هذان الطرفان يضعان فيتو عليه، لا يمكن أن يمرّ”.

والعامل الثاني، الذي يعيق محاولة تمرير أو تهريب فرنجية، وفق المصادر عينها، “هو عدم إعطاء السعودية أي ضوء أخضر للتحرك الفرنسي في هذا السياق. فالفرنسيون يدركون أن الدعم الأساسي لإنقاذ لبنان سيقوم على الأموال والمساعدات السعودية، وإذا لم تدعم السعودية لبنان سيبقى الاقتصاد اللبناني في الحضيض. فسقف المساعدات الفرنسية السنوية للبنان لا يتجاوز الـ150 مليون يورو بأفضل الأحوال، ولا يمكنها أن تعطي أكثر. من دون أن ننسى عاملاً ثالثاً أساسياً، تدركه باريس وغيرها، وهو أن واشنطن في مكان آخر مختلف تماماً”.

وبرأيها، أن “الحجة الفرنسية التي يتم من خلالها محاولة تمرير أو تهريب فرنجية أو الترويج له، بالقول إن السعودية لم تقل نعم عليه لكنها لم تقل لا، ساقطة أساساً. فمن المعلوم، أن الرياض ترفض الدخول معها في أي اسم، وتقول إن هذه مسؤولية اللبنانيين وليتحمّلوا مسؤولية خياراتهم، وتتمسَّك بالمواصفات التي طرحتها في مختلف المحطات واللقاءات الدولية السابقة المتابعة للملف اللبناني عموماً والرئاسي خصوصاً، والتي من الواضح أنها لا تنطبق على أي مرشح مدعوم من حزب الله والمنظومة الحاكمة”.

أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية​

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانبة

خبر عاجل