لا شكّ في أن يوم 26 نيسان 2005 هو يوم “مجيد” وسعيد في تاريخ لبنان، “ولّدته” مخاضات كثيرة وتضحيات جمّة وضحايا وشهداء، ما يجعل الذكرى وضرورة صونها والمحافظة على معانيها ونتائجها واجب “مقدّس”، يعني كلّ اللبنانيين الراغبين في بناء وطن سيد حرّ مستقل.
لم يكن يوم 26 نيسان من العام 2005 ولن يكون، نهاية المطاف ولا خاتمة النضال ولا استراحة مقاوم أو معارض. فالاحتلال لا يزال يطل برأسه أو بأذنابه عند كل مفترق واستحقاق، ويأخذ أشكالاً مختلفة متخفيّاً تارة، “مستنعجاً” في أوقات، و”مستذئباً” في أكثرها.
بدأت بشائر 26 نيسان 2005 المباشرة، مع بيان المطارنة في 20 أيلول من العام 2000، وتمظهرت في قرنة شهوان لتتعمّم في لقاءات البرستول، وتتوج في خطيئة النظام السوري بالتمديد المفروض قسراً، الذي لاقاه دوّلياً القرار 1559.
شُيطِن القرار 1559 وخوِّن مؤيدوه لا بل هُدِرَ دم متهمي “كاتبيه” ولو زوراً. لقد اعتُبِر قراراً اسرائيلياً خطّه “عملاء” الداخل من قواتيين وعونيين وحريريين وجنبلاطيين، ولم تكن أميركا وفرنسا إلا “باصمَتَيْن” عليه، على ما قال أمين عام “الحزب” حسن نصرالله في 17 كانون الثاني من العام 2005، “القرار 1559 مطلب اسرائيلي مئة بالمئة”. تحت تلك الأجواء بدأت محاولات الاغتيال والاغتيالات المتلاحقة.
تعرّض خصوم محور الممانعة جرّاء القرار 1559، لشتى أصناف الاتهامات بالعمالة والتآمر والفبركات والتركيبات، وكلها خدمة لـ”الوجود السوري” في لبنان واستمراره، كما واستمرار “سلاح المقاومة” وتعزيزه.
قبل تلاواته لأفعال “الندامة” والاعتذار” وقيامه بـ”كفّاراته الكثيرة” و”استداراته المثيرة” باتجاه سوريا ومحورها، كان الرئيس ميشال عون وتياره من أكثر المتحمّسين للقرار، وهو إدّعى بانه “أب القرار 1559” وفي هذا المجال قال مهاجماً “المخوّنين” في 29 تشرين الثاني من العام 2004، “إنّهم يحرّكون المشاعر الطائفيّة فقط ويعللون ذلك بأنّ القرار 1559 هو تدخّل أجنبي في شؤون لبنان… كيف يقول حسن نصر الله إنّ من هم مع القرار 1559 هم أشدّ عداوة من الإسرائيليّين؟ إنّ ذلك تحريض طائفي وإثارة للمشاعر”. وكان رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، قال في 15 آذار من العام 2005، “العرفان بالجميل هو للأمم المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة التي نفذت القرار 1559″، وفي 7 أيار من العام 2005، أكدّ ميشال عون أن “القرار 1559 ساعد على تحرير لبنان”، ليعود كعادته، ويتنصّل، بعد ارتمائه بحضن من استهدفهم القرار، متبنيّاً ما تبنّوه في مقابلة مع صحيفة “الأخبار” في 10 آذار من العام 2015، معلناً، “أن القرار 1559 كان مشبوهاً”.
إلّا أنّ كل اتهامات محور الممانعة عن “اسرائيلية” القرار وشبهته وكل تخوين لمؤيديه أو المتهمين بتأييده سقطت، لا بل ارتدّت على المحور ورئيسه يومها بشار الأسد، إذ قال في 5 آذار من العام 2005 عند إعلانه عن انسحاب جيشه من لبنان ما حرفيته، ” بإنهاء هذا الإجراء وطبعاً بعد الانهاء وليس الآن، تكون سوريا قد أوفت بالتزاماتها حيال اتفاق الطائف ونفذت مقتضيات القرار 1559″.
بعد بشار، أطلّ نصرالله في 8 آذار من العام 2005 في مهرجان “الوفاء والشكر لسوريا الأسد”، مؤكداً “أن اتفاق الطائف فقط هو الذي يجب أن يحكم مسألة الوجود العسكري السوري وإرادة الحكومتين اللبنانية والسورية ومصالح البلدين فقط، وليست الضغوط الدولية ولا الإملاءات الدولية ولا تقديم مكافآت لإسرائيل. نحن المجتمعون هنا أتينا لنُسمع العالم أننا نرفض القرار 1559”.
هنا لا بدّ من التساؤل، كيف يتفّق حسن نصرالله مع بشار الأسد في موضوع اسرائيلية القرار 1559 وهذا الأخير قد نفذ مقتضياته؟
هل أراد نصرالله أن يُسمع بشار من ضمن العالم، “أننا نرفض القرار 1559” كونه قدم “مكافأة لإسرائيل”؟
كيف يتفق حسن نصرالله مع بشار الأسد في موضوع اتفاق الطائف الذي يحكم مسألة الوجود العسكري السوري وبشار نفسه هو من انقلب عليه، ولم ينفّذه حسب الجدولة التي وُضعت في الاتفاق المذكور؟
كيف يتفق حسن نصرالله مع نفسه في موضوع إسرائيلية القرار 1559 وهو قد وافق لاحقاً على القرار 1701 الذي أكّد على الالتزام بكل القرارات الدولية “ذات الصلة” ومن ضمنها 1559؟
كيف يتفق مع نفسه في كون اتفاق الطائف يحكم أيضاً مسألة حلّ الميليشيات ومن ضمنها “الحزب”؟
مَن ساوَى الحزب برئيس النظام السوري ما ظَلمَه.