يبدو أنّ التخبّط السياسي لدى فريق الممانعة قد انعكس بشكل دراماتيكي على جوقة إعلامييه، جرّاء انهيار الأوهام الرئاسيّة بإيصال مرشّحهم إلى سدّة الرئاسة الأولى، إذ باتوا يعيشون حالة إنكار لحقيقة المعارضة المحلّيّة والخارجيّة لطروحاتهم على هذا الصّعيد.
آخر أشكال هذا التخبّط، هو مقال الصحافي حسن الدر “من 89 إلى 23: الحكيم ينتحر مرّتين؟..” في جريدة “اللواء”، بحيث انتقل من العمل الصّحفي إلى تحليل السّلوك والادبيات وقراءة الجسد والافكار.
كلام الدر عن الالفاظ التي استخدمها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بحقّ محور الممانعة، أقل بكثير ممّا يستحقّه هذا المحور الذي عاث فساداً وخراباً ودماراً بحقّ اللبنانيين، والكلام عن الاستخفاف بسياسات الدول، مردود جملةً وتفصيلاً، خصوصاً أنّ مصدره محورٌ لم يستخفّ فقط بالدول بل اعتدى عليها وعلى قرارها.
أين كنت يا سيّد الدر عندما تمّ الاعتداء على الدول الخليجية، كي تأتي اليوم بالمواعظ عن كيفيّة التعاطي مع الدولة الفرنسية؟ وهل ما هو مُباح لفريقكم محرّم على غيرهم، مع أنّ الخليج لم يكن يتدخّل في الشؤون اللبنانية عندما هاجمه “الحزب” بالشتائم والصواريخ، فيما فرنسا تتدخّل خِلافاً لإرادة الاكثرية اللبنانية، وتمّ تناولها في سياق تعداد معطيات مؤكدة؟
أمّا وصفك رئيس “القوات” بـ”الواشي” فيدلّ على انعدام الأدبيات الصحفية لدى أمثالك، خاصّةً أنّك اعتبرته يستعين بمواقف فرنجية السابقة لإبلاغ المملكة السعودية. ما هذه السطحية في القراءة؟ وكيف يُمكن نزع قناع الوسطية عن مرشّح يُصرّ فريقك التخريبي على إلباسه إيّاها، من دون التذكير بمواقفه الملتصقة جذريّاً بمحور طهران دمشق؟
وصف جعجع لرأس النظام السوري بالجثّة هو البديهي والطبيعي الذي يوصّف بشكل حقيقي حالة مَن فقد السيطرة على دولته ويستمرّ بموقعه برضى قوى مسلّحة تُسيطر على كامل أراضيه، من دون أن يكون قادراً على اتّخاذ ولو قرار واحد خارج إرادتها ورضاها.
“لماذا يسير جعجع عكس التيّار؟” ومَن قال لك أصلاً أنّ مسيرة الشرّ والتخريب والحروب العبثيّة والتعطيل الممنهج والثورة الشمولية هي التيّار والمعيار والبوصلة؟
كلا يا سيد الدر، إنّ الحكيم يسير وفق التاريخ والحضارة والارث المقاوم والنهج الوطني والمسارات الطبيعية للدول، حيث لا ذمية ولا خنوع ولا ارتهان لثقافات تُشرّع الموت؛ أمّا مَن يسير عكس التيار فهو فريقك المسلّح الذي يُغطّي انقلابه على الشرعيّة بذرائع “مقاومة” حوّلها إلى حراسة حدود وتهريب دواعش واعتراف ما بعد الترسيم.
مواقف الحكيم منذ العام 1989، وما قبلها وما بعدها، هي خير شاهد على أنّ مَن يتسلّح بمبادئه هو المنتصر الوحيد، لأنّه يبقى متصالحاً مع نفسه وناسه ومجتمعه ووطنه، فلا ينتحر أخلاقياً وينحر تاريخ أجداده على قارعة التسويات والمصالح والمناصب، ولا يُبدّل رداءه كلّما أتته التعليمات، ولا يضطر كمحور الممانعة أن يصمت عن مهاجمة المملكة لأنّ أرباب هذا المحور قرّروا ذلك.
دائماً ما يذهب الذمّي إلى الانتحار منفصلاً طواعيّةً عن إرادة الخالق الذي منحه الوجود الحرّ. بلّغ تلك المرجعية الوطنية الكبرى أن تتأمّل أين هي “القوّات” في الوجدان الوطني والمسيحي وكيف تتربّع على عرش التمثيل النيابي، علّها تتّعظ.