كتبت جومانا نصر في “المسيرة” – العدد 1740
نيسان 2023… فراغ وتعطيل ع “مدّ” الدولة بفِعل الدويلة
هكذا نصمد حتى “ما ينعاد” نيسان 1975
كأننا ما زلنا ندور في دوامة تلك المحطة من تاريخ وطن، محطة قيل فيها الكثير، وكُتب عنها الكثير الكثير. ومهما كُتب عن 13 نيسان 1975 ثمة الكثير مما لم يروَ بعد، وثمة حقائق أراد البعض أن يدفنها لكنها عادت لتنبت من جديد حروبًا من نوع آخر.
كل من عايش تلك المرحلة لديه شريط من الذكريات وصور راسخة في الأذهان. كل من وقف على قبر شهيد ماتت فيه أشياء ولم تولد بعد ووُلدت فيه أشياء أخرى لن تموت. كل من لا يزال يسأل عن مصير زوج أو أخ أو أب مفقود مات في قلبه فرح الحياة والأمل “ببوكرا”.
خلصت الحرب؟ نسأل أنفسنا أحياناً ونكرر السؤال لنتأكد أننا في يقظة زمن السلم. لكن الجواب المباشر لا يحتاج إلى “قرصة”. نعم وبكل ثقة خلصت الحرب. لكن مسبباتها لا تزال “تعربش” في حقول الفاسدين والمستزلمين وأتباع الأنظمة التي لا تنفك تسعى إلى جعل لبنان “ملحقاً” على خارطة دولتها. وأيضا كل من صدّق أنه برفع الإصبع قادر أن ينزل “شعباً” إلى قعر جهنم حيث اليأس والخضوع أو أن يدفع به إلى محور لا يمت إلى وجه لبنان الحر المستقل، وهويته الثقافية والحضارية التي دفع ثمنها شهداء ومعتقلين في أقبية النظام السوري ومعوّقين!
ما قبل 13 نيسان 1975 ليس كما بعده. صُدِّق!
لكن من قال إن أسباب تلك الحرب كانت بوسطة عين الرمانة؟ من قال إن أمواج الحروب لم تستمر بكل حركات المد والجزر تلطم به شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وعلى رغم تعددية هوية مسببات الحروب التي خيضت وتُخاض اليوم تارة بسلاح الدستور وتارة بالمواقف الثابتة التي لا تترنح وتتمايل مع “هوى” الاحتلالات، على رغم كل الاتفاقات التي صيغت لإنهاء تلك الحرب المسمّاة أهلية وأخرى لتضميد حروب في زمن السلم، لا تزال وجوه المقاومين واحدة. نضالاتهم ثابتة ودمهم أحمر قانيًا بلون دماء الشهداء.
تلك هي الحقيقة الساطعة. حقيقة حرب انتهت على الورق لتبدأ حروب على وجه لبنان وهويته وكرامة الأحرار فيه. ومهما تعددت الوسائل، المواجهة واحدة ولبناننا حتما آتٍ!
أكثر من مرة عادت الحرب من جديد. حرب تموز 2006. أحداث 7 أيار. معركة نهر البارد، جولات طرابلس، غزوة عين الرمانة في 14 تشرين الأول 2021 في خلال تظاهرة لمناصري “الحزب” و”الحركة” ضد المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار…
من قال إن الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية ليست مؤشرًا لحرب جديدة؟ من قال إن تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية من قبل فريق الممانعة وتحويل الاستحقاقات الدستورية إلى مواعيد سائغة تحت رحمة فريق يهدد ويتوعد ويرسم خارطة وطن على قياس مشاريع دويلته التابعة للنظام الإيراني؟
من قال إن تقييد عمل المؤسسات والقبض على مطرقة العدل ليست حربًا معلنة وبالمباشر؟ من قال إن فرض منطق الدويلة على الدولة ليس بمثابة جرس إنذار لحرب على منطق الدولة ومفهوم العيش السيد الحر المستقل؟
من قال إن إقفال باب مجلس النواب وعدم تعيين موعد لجلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليس حربًا، ومن قال أيضًا إن فرض معادلة: إما رئيس تابع لفريق الممانعة أو الفراغ ليس انقلابًا على الدستور؟
في الغد، وفي الآتي من الأزمات عندما سنروي لأبنائنا وأحفادنا سيرة الحرب ولو بأسلوب روائي نضالي قد يتهمنا البعض بأننا شاركنا بطريقة أو أخرى في القتل ولوّثنا أيدينا بالدم. وهنا سنقول وبالفم الملآن بأن ثمة مقاومة وُلدت من رحم الحرب، ثمة شبان خلعوا عنهم “مريول” المدرسة وحملوا البندقية دفاعًا عن أرضهم وأهلهم. سنخبرهم بأن المقاومة اللبنانية التي حملت شرف اسمها “القوات اللبنانية” ليست أمّ الحرب، ولا جدتها. إنما هي ابنه الحرب التي فُرضت عليها. ويوم حملنا البندقية إنما للدفاع في وقت كنا ننتظر من مؤسسات الدولة التي راهنا عليها أن تقوم بهذا الدور. فأي خيار آخر كان متوقعًا؟
اليوم نسمع البعض يلعن الحرب ويندم كونه شارك فيها وقتل إبن أرضه والحي الذي عاش فيه. عظيم ونحن نقول ملعونة تلك الحروب. لكن هل قرأ الشتّامون والمترفعون عن الحقيقة ودعاة “غسل اليد من دم هذا الصديق” كلام القديس أوغسطينوس عندما تكلم عن الحرب العادلة والدفاع المشروع عن النفس؟
مرغمون دخلنا الحرب، يقول مقاتل وقف على الجبهات واستشرس في القتال دفاعًا عن بيته وأهل منطقته. فالحرب كانت آخر خيار لدينا، يتابع، لكنه كان الخيار الوحيد لنعيش بحرية وكرامة وحقنا في الوجود والبقاء. باختصار لم نكن يومًا هواة القتل للقتل، إنما كنا ندافع عن وجودنا يوم كان الخطر العسكري مباشراً، وعلى كل المستويات.
اليوم وبعد 48 عامًا على طي صفحة تلك الحرب، ثمة وجوه جديدة للحروب التي تُشن… شراء الأراضي، الهجرة، التناقص العددي، العودة إلى منطق تحكيم العدد، القلق من المستقبل، التجويع غير المباشر، تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، حروب دستورية…
لا. لن نحسد الجيل الجديد لأنه لم يعايش الحروب العسكرية المباشرة. فالنتائج لا تزال تفرز انقسامات وحروب ونفسيات على أهبة الاستعداد لإشعال حرب أهلية جديدة في لحظات هيهات منها ساعة اندلاعها في 13 نيسان 1975.
كيف نقاوم؟ والسؤال ليس من باب إعادة فتح دفاتر الحرب التي انتهت فعلاً، وإن كان لا يزال هناك فريق ممانع يبحث عنها بإلحاح ويسعى إليها، لكن عبثاً يبحث ويفتش لأن الواقفين على ضفة الدولة يقاومون بكل معايير الصمود وبسلاح إرادة البقاء ومزمور الحرية، كما في الحرب كذلك في السلم.
لكن لا بد من بلوغ النهاية هذه المرة حتى لا تكون تلك “النهاية” كما في كل المرات التي نالت من عمرنا وأحلامنا وأحلام ومستقبل أولادنا أو «نهاية» وطن! آنذاك نؤمن أنها “ما بتنعاد”!
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]