التنافس التركي الإيراني المستتر شمال سوريا

حجم الخط

أربعة لاعبين في شمال سوريا معنيين بأي تقارب تركي سوري؛ وهم روسيا، وتركيا، والنظام، وإيران لاحقاً.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان صاحب المبادرة في فتح قنوات الحوار بين أنقرة ودمشق وقد أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان آنذاك وبصورة علنية نيته بالتقارب من النظام في دمشق.

بوتين الأكثر إلحاحاً على حصول التقارب التركي الروسي، وهو الذي انطلق من حسابات لها علاقة بوضعه في حرب أوكرانيا: وقد بلغ السنة الثانية مما كان ولا يزال يسميها عملية خاصة لم تستطع الى الآن حسم أهدافها المعلنة من موسكو، وقد تجاوزت الحرب كل التوقعات التي كانت لدى الرئيس الروسي إبان شنه هذه الحرب.

وبالتالي، غاص الرئيس الروسي في وحول حرب أرادها خاطفة، فإذا بها تنقلب ضده كابوساً لا يرى له حلاً في المدى المنظور. واستنجد منذ أيام بالحليف الصيني للتوسط والحوار مع الجانب الأوكراني إلا أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي رفض الوساطة الصينية.

ومع وقوف العالم ضد العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا استشعر بوتين بقوة الضغط الذي يمارس دولياً على الاتحاد الروسي، إذ باتت صورة روسيا الدولية، معتدية على دولة أخرى ذات سيادة جارة وعضو في الأمم المتحدة تماماً كما عندما ادين العراق اثر اجتياحه الكويت.

موسكو التي تورطت في الحرب السورية وبذلت جهود ضخمة لإنقاذ نظام الأسد تجد نفسها حاليا عاجزة عن ترك سوريا وعاجزة على الاستمرار في سوريا لما لهذه الاستمرارية من التزامات واستحقاقات لم تعد موسكو حالياً قادرة على ضمانها وتأمينها وهي المنهمكة بالحرب في أوكرانيا وفي مواجهة المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة.

موسكو أرادت الحفاظ على مكتسباتها الاقتصادية والسياسية في سوريا بعد كل التضحيات التي قدمتها فوجدت في تركيا الخيار المناسب للحلول مكانها في الحفاظ على مكتسباتها.

طبعاً ليس بين الأتراك والشعب السوري من مشاكل كبيرة وخطيرة، إذ إن الأتراك لم يعتدوا يوماً على الشعب السوري بكل أطيافه، بالتالي فهي مقبولة شعبياً، الأمر الذي شجع بوتين على تسليم أردوغان زمام المبادرة مع النظام السوري.

تركيا من جهتها تلقفت بحماس شديدة فكرة اللقاء والحوار مع بشار الأسد وبالتالي انفتحت على التحاور خصوصاً أن أردوغان على أبواب انتخابات حاسمة ومصيرية له ولحزبه الحاكم العدالة والتنمية.

بالتزامن، خسر حزب أردوغان بلديتين أساسيتين في الانتخابات التركية أخيراً: إسطنبول وأنقرة العاصمة خلال الانتخابات البلدية الأخيرة، اللتان انتقلتا الى ضفتي المعارضة.

أردوغان انطلق في حساباته تجاه النظام السوري من معادلة مفادها أن في تركيا 10 ملايين علوي تركي ناخب يدينون بأغلبيتهم بالولاء لبشار الأسد ونظامه، وهم متحمسون له.

هؤلاء العلويون في تركيا لا يترددون في شوارعهم وبيوتهم في نشر صور الرئيس الراحل حافظ الأسد وابنه بشار الأسد والخميني والخامنئي وقاسم سليماني في ظل حرية معطاة للمواطن التركي بالتعبير عن قناعاته السياسية كما يشاء. من هنا، كان لا بد لأردوغان من أن يعلن نيته بالتقارب من نظام الأسد ليقطف ثمارها انتخابياً وكانت بمثابة لعبة انتخابية ذكية.

إلا أن التقارب التركي السوري لم يكتب له النجاح بسبب تدخل إيران التي لم توافق عليه لا بل اغتاظت منه وظهر ذلك جليا ًفي ملابسات اللقاء الرباعي الأخير والذي كان مصمماً ليكون لقاء ثلاثياً بين روسيا وتركيا ونظام الأسد إلا أن طهران شاركت فيه مدركة ضعف بشار الأسد وعدم قدرته على مواجهة ما يطلب منه تركياً.

طهران أرادت إفشال التقارب لأن أي تقارب مع النظام من شأنه تقوية روسيا، لكن إيران التي باعت مسيراتها لموسكو وقعت في فخ بوتين الذي لم يرد حقيقة الاستعانة بالمسيرات الإيرانية بقدر ما أراد توريط طهران في حربه الى جانبه ضد الغرب في أوكرانيا كشريك في الحرب لا سيما وانه لا يجب أن يغيب عن بالنا أن روسيا التي تعتبر ثاني اكبر مصدر للسلاح في العالم لا يمكنها أن تحتاج لمسيرات ايران إلا من باب الوظيفة السياسية لا الميدانية.

الجديد أن داخل النظام السوري جناحين متنافسين: جناح ماهر الأسد والفرقة الرابعة الموالي لإيران وجناح سهيل الحسن الموالي لروسيا، وقد تصادم الجناحان أكثر من مرة في مناطق سيطرة النظام لكن الإعلام السوري الموجه رمى تلك الاشتباكات على داعش وأخواته.

بالعودة الى بيان الاجتماع الرباعي الذي صدر إثر اللقاء، فضحت ملابساته لا بل التباساته المستور لجهة عدم اعتراف نظام الأسد بنصه معتبراً انه تضمن من المواضيع التي لم تناقش في الاجتماع، وقد اكد الطرف السوري أن موضوع الاجتماع كان حول انسحاب تركيا من سوريا فيما البيان الرسمي التركي نفى ذلك باستثناء التحدث عن خط انفور فقط الرابط بين حلب وعين ديوار على الحدود العراقية التركية وهو بيد قسد الكردية.

المعضلة الحقيقية التي تعاني منها أنقرة في سوريا وتمنعها من الانسحاب من الشمال السوري تتمثل في أن أي انسحاب لها من تلك المنطقة سيخلف فراغاً سيملأه الأكراد وتحديداً “قسد” مع ضعف الجيش السوري الحر في تحمل المسؤولية عند أي خطر أو هجوم من النظام أو غيره وعدم قدرة قوات نظام الأسد المنقسمة بين جناحين متناحرين متنافسين والأضعف من أن تواجه تحديات فرض سيطرة النظام على منطقة حدودية شاسعة تترامى أطرافها على طول الشمال السوري من الغرب الى الشرق.

ومن يقول قسد يقول أميركا التي ستعمد عند حصول الفراغ إثر انسحاب الأتراك بالإيعاز لقسد للتقدم في المناطق التي يخليها الجيش التركي. وأنقرة بطبيعة الحال لا تستطيع تحمل وجود قسد على طول مناطق حدودها. لذا لا يمكن الحديث في الأفق المنظور عن انسحاب تركي من شمال سوريا إلا بعد إيجاد تسوية أو حل شامل للقضية السورية برمتها.

في هذه الأثناء، التنافس الإيراني التركي مستمر في سوريا واللاعب الروسي مشغول ومحشور يقف وراء تركيا التي يثق بها أكثر من الإيرانيين فيما أميركا تقف الى جانب قسد في لعبة توازنات دقيقة يمكن في أية لحظة أن تخلط أوراق وتسقط أخرى بانتظار الحل في سوريا.​

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل